المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عمالة الصغار وبطالة الكبار: - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

الأربعينات من العمر، وحينئذ يظهر المرء الحاجة إلى تدعيم المجتمع له في دوره المهني، أي: حاجته لأن يصبح قائدًا أو رئيسًا أو مديرًا في عمله، وهذه المرحلة تنتهي بأزمةٍ أخرى، وهي أزمة التحول في وسط العمر عند حوالي سنة40-45سنة، وسواء أحصل المرء أم لم يحصل على الاعتراف الذي يسعى إليه، ويشعر أنه يستحقه، فإنه يمر بمرحلة إعادة تقويم، وحينئذ يكون عليه إما أن يعيش في سلامٍ مع نفسه، أو يغير بناء حياته تغييرًا جوهريًّا، وبالطبع قد ينتج عن هذا التحول نموٌّ شخصيٌّ كبيرٌ أثناء وسط العمر، أو طور بلوغ الأشد، وهو موضوع الفصل التالي.

ص: 413

‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

لعلنا يجب أن ننبه إلى أن نموذج سوبر وليفنسون في النمو المهني، لهما طابعهما الثقافي، ولا يقبلان النقل أو الانتقال إلى الثقافات الأخرى، ومنها الثقافة المصرية، فتحديد سن الثامنة عشرة مثلًا بداية للحياة المهنية الحقيقية، يتفق مع نظام اجتماعي يعتبر التعليم الأساسي شاملًا لمرحلة ما قبل التعليم الجامعي "أي: حتى نهاية المرحلة الثانوية"، وهو حال التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن ناحية أخرى، نود أن ننبه أيضًا إلى أننا أشرنا إلى أن العمل هو أهم مؤشرات الرشد، ولعل هذا هو الافتراض الأساسي وراء اعتبار سوبر سن الحادية والعشرين "وهو سن الرشد في معظم النظم القانونية المعاصرة"، هو العمر الذهبي للدخول الفعلي في عالم العمل، والسؤال الآن: ماذا عن تطور الحياة المهنية في ثقافتنا المصرية؟

وللإجابة على هذا السؤال قام فؤاد أبو حطب "1996" بدراسة تناول فيها قضيتين من أخطر قضايا المجتمع المصري المعاصر، هما: عمالة الصغار، وبطالة الكبار.

عمالة الصغار: لقد شغلت قضية عمالة الأطفال الاهتمام على المستوى الدولي، عقب إنشاء منظمة العمل الدولية عام 1919، حيث توالت -منذ ذلك الحين- الاتفاقيات الدولية، التي تنظم اشتغال صغار السن في الأنشطة المختلفة، وابتداءً من عام 1973، أصبح سن الخامسة عشرة، هو الحد الأدنى لتشغيل الأحداث في كافة الأنشطة الاقتصادية، وإن أجازت تخفيضه إلى الرابعة عشرة في الدول النامية، وحرَّمَت تشغيل الأحداث الذين لم يتجاوزوا الثامنة عشرة، في الأعمال التي تشكل خطورة على الصحة أو الأخلاق.

وقد أجازت منظمة العمل الدولية للسلطات الوطنية منح تراخيص عمل،

ص: 413

للأحداث فيما بعد 13-15عامًا، للقيام بالأعمال الخفيفة، بشرط عدم الإضرار بصحة الطفل، أو نموّه الجسمي والعقلي، أو عرقلة مواظبته على الدراسة في مرحلة التعليم الأساسي.

ومع ذلك، فإن تقارير منظمة العمل الدولية، تشير إلى التزايد المستمر في ظاهرة عِمالة الأطفال، وخاصةً في الدول النامية، ومن ذلك التقرير الصادر عام 1988، الذي يقدر عدد الأطفال العاملين تحت السن القانونية، بحوالي مائة مليون طفل، معظمهم من الدول النامية، ويرجع ذلك بالطبع إلى ما تعانيه هذه البلدان من مشكلات اجتماعية واقتصادية وتعليمية صعبة.

وقد أُجْرِيَتْ في مصر دراسة هامة، حول عِمَالة الأطفال، قام بها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بالاشتراك مع منظمة اليونيسيف، صدرت عام 1991، وفي هذه الدراسة، قُدِّرَتْ أعداد الأطفال المصريين العاملين من سن 6-15عامًا، بحوالي مليون ونصف مليون طفل، كما تشير الإحصاءات الرسمية، ويذكر التقرير أن هذه الأعداد تتزايد بشكلٍ مُطَّرِدٍ، بلا تخطيط أو توجيه، وساعد على ذلك مجموعة من العوامل، لعل أهمها:

1-

التضخم وارتفاع الأسعار.

2-

هجرة العمالة المدربة إلى سوق العمل العربية.

3-

التسرب من التعليم.

4-

تهافت أصحاب الورش الصغيرة على تشغيل الصغار.

ويرجع تفضيل أصحاب الورش الصغيرة لتشغيل الصغار دون الكبار، إلى انخفاض أجورهم، وبساطة ما يقومون به من أعمال، تتناسب وطاقتهم المحدودة وغير المدربة "المركز القومي للبحوث الاجتماعية1991، ص10".

وقد أجريت الدراسة على عينة من صغار السن، الذين يعملون في الورش الصناعية الصغيرة، من الذكور والإناث، ومن الفئة العمرية 12-15سنة، وهي الفئة التي يمنع القانون اشتغالها بالأعمال ذات الطبيعة الشاقة، وقد اختيرت العينة من القاهرة الكبرى بمحافظاتها الثلاث: القاهرة والجيزة والقليوبية، ومن الريف والحضر. وفي صناعاتٍ تمثل استغلالًا للطفل، وخطورةً عليه في سنه المبكرة، وقورنت بعينة ضابطة.

وقد كشفت الدراسة عن أهم العوامل المؤدية لعمالة الأطفال وهو: الفشل في التعليم الأساسي "80%" أو ممن لم يلتحقوا به أصلًا "20%".

ص: 414

ولعل من أهم النتائج النفسية التي توصل إليها البحث، أن الأطفال العاملين يعانون من سوء التوافق الاجتماعي، وسوء التوافق العام، بالمقارنة بالعينة الضابطة، وفَسَّرَ الباحثون ذلك بأن هؤلاء الصغار "يلعبون أدوارًا اجتماعية، تحتاج إلى متطلباتٍ لم تخلق أساسًا لذوي الأعمار الصغيرة، كما أن إحساسهم بالمسئولية الاجتماعية والاقتصادية، عن أسرٍ تحتاج إلى دعمهم الماديّ، قد خلق نوعًا من الصراع بين رغبتهم في أن يعيشوا حياةً مناسبة لحياة الصغار، بما فيها من لعبٍ وانطلاق، وممارسة هواية محببة إلى نفوسهم من يماثلون في العمر، وصراعٌ آخر يتمثل في كونهم يتحمَّلون مهام العمل، على ما فيها من تبعاتٍ ومشاقٍ" المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، 1991، ص84.

إلّا أن الطريف حقًّا أن نشير إلى أن هؤلاء العاملين للصغار، يشعرون بالرضا عن أنفسهم لمساعدة الأهل، فقد أكد ذلك حوالي 92% من أطفال العينة، ويتفق ذلك مع ما أظهروه من توافقٍ شخصيٍّ، لا يختلف عن أطفال العينة الضابطة.

وعلى الرغم من أن هذه النتيجة قد تبدو إيجابية، إلّا أنها يجب ألّا تصرفنا عن النتائج السلبية في معظمها، التي كشف عنها هذا البحث، وأهمها -من الناحية النفسية- نقص ذكاء الأطفال الصغار العاملين، بالمقارنة بأطفال العينة الضابطة، والذي يُعَدُّ -في ذاته- مؤشرًا على سوء بيئة العمل لهؤلاء الأطفال، ونقص القدرة والدافعية لمواصلة التعليم، وانخفاض المستوى الاقتصادي والثقافي للبيئة الأسرية والمجتمعية المباشرة لهؤلاء الأطفال.

أما النتيجة التي تخص رضا الأطفال العاملين عن أدائهم وتكيفهم الشخصي، فلعلها تكشف لنا عن المردود السيكولوجي للعمل -حتى في أصعب الظروف- على الذات، ويمكن استثمار هذه النتيجة في تطوير منظومة التعليم، بحيث يصبح "للتمهين" وجود حقيقي، ولعلَّنَا لا نكون قد نسينا أن فلسفة التعليم الأساسي، هي -في جوهرها- توفير فرص "للتهيئة المهنية" للأطفال.

بطالة الكبار: لعل من أهم الظواهر التي تكشف لنا عن قيمة العمل، وموضعه في حياة الإنسان، دراسة سيكولوجية اللاعمل، ونخص بالذكر حالتيين، هما البطالة unempolyment والتقاعد retirement.

ص: 415

ونتناول في هذا القسم سيكولوجية البطالة، ثم نتناول سيكولوجية التقاعد في الباب التالي:

ومن تحصيل الحاصل، أن نقول: إن البطالة ذات أثر خطير، ليس فقط على الفرد، وإنما على المجتمع بأسره، ولم يشعر الناس بأثرها إلّا في المجتمع الصناعي الحديث، سواء أكان هذا الأثر اقتصاديًّا أم سيكولوجيًّا.

ونود أن ننبه -منذ البداية- إلى أن البطالة تحدث في ظروف الرخاء الاقتصادي، كما تحدث في ظروف الشدة الاقتصادية، إلّا أن أثرها -في ظروف العسر- أشد وأقسى؛ ففي دراسة أجريت في الولايات المتحدة أكدت أن البطالة لم تفارق المجتمع الأمريكي طوال القرن العشرين، ولم يقل معدلها -في جميع الأحوال- عن 50% من قوة العمل، ويشمل تعريف البطالة هنا أولئك الذين يتركون العمل لفتراتٍ قصيرةٍ عند تغيير العمل، وأولئك اللذين يجبرون على ترك العمل فترات أطول، بسبب التغيرات الموسمية، وأولئك الذين لا يدخلون سوق العمل أصلًا، بسبب الانكماش الاقتصادي.

وقد تناول علماء النفس ظاهرة البطالة بالدراسة والبحث، واقترحت نماذج نظرية لتفسير سلوك الشخص المتعطل، ومن أهم هذه النماذج نموذج بلم Blum، الذي يقترح أن سلوك البطالة يمر بثلاثة مراحل أساسية، هي:

1-

شعور بالصدمة، حتى ولو كان هناك تحذير مبكر بفقدان العمل، أو عدم توافر فرصة، وفي هذه المرحلة، يسترجع المرء متوالية الأحداث التي أدت به إلى البطالة، ويبرر الحكمة في ترك العمل، أو عدم الدخول فيه أساسًا "سوء بيئة العمل، سوء التعليم، إلخ". وسرعان ما يستقر على رأي، أنه يمكنه الاستفادة من إجازة أو راحة، هو في حاجة إليها "بعد فترة عمل أو تعليم طويلة"، ويتبع ذلك تقدير لقدراته، وصياغة خطط للسعي نحو الحصول على عمل.

2-

البحث الجدي والنشط عن عمل، وعادةً ما يبدأ معظم المتعطلين في البحث عن عملٍ أفضل من عملهم السابق، أو البحث عن عملٍ مشابهٍ له إذا أعيتهم الحيل واستمرت البطالة، ومع مرور الوقت وضغط الحاجة إلى العمل يبدأون في البحث عن أيّ عمل، وفي هذه الفترة، يعاني المرء من مشاعر الفشل والإحباط والتعاسة، ومع ذلك فإنه لا يفقد الأمل في النجاح.

ص: 416

3-

المرحلة النهائية أو مرحلة الانهيار، فمع استمرار الفشل في الحصول على عمل، بعد طول البحث عنه، يبدأ المرء في الوقوع في أسر مشاعر القلق والتشاؤم وفقدان الأمل.

وبعض الأشخاص يمرون بهذه المراحل بسرعة أو ببطء، ويتوقف ذلك على خبرات النجاح والفشل في كل مرحلة منها، كما أن المشاعر السلبية تزداد لدى أولئك اللذين لديهم خبرات نجاح في الماضي "مهنيًّا أو تعليميًّا"، أكثر من خبرات للفشل، ولعل هذا يدعم الدعوة إلى التزام الدولة بتعيين أوائل الخريجين.

ماذا عن الآثار النفسية للبطالة؟ فيما يلي، نلخص نتائج البحوث التي أجريت في هذا الصدد:

1-

فقدان الشعور بالأمن اقتصاديًّا وسيكولوجيًّا.

2-

التوجه أولًا نحو لوم الذات على الحال التي عليها المتعطل، ثم الانتقال إلى تكوين اتجاهٍ عدوانيٍّ نحو الظروف التي أنشأت هذه الحال.

3-

المعاناة من مشكلة معالجة الوقت، فالشخص العامل تتمركز أنشطته اليومية حول العمل الذي يستغرق القسط الأكبر من وقت نشاطه، أما المتعطل فإن الوقت يُعَدُّ عبئًا ثقيلًا عليه.

4-

اختلال النظام اليومي للحياة الأسرية، فتضطرب مواقيت النوم واليقظة والأكل، مع شعور بالضياع والخسران.

5-

السعي نحو إخفاء حالة التعطل في البداية، فيُلَاحَظُ على المتعطل أنه يغادر منزله في موعد العمل اليومي، يعود إليه في موعد العودة المعتاد، ويستغل وقته إما في البحث عن عمل، أو التجول العشوائي، ومن الطريف أن البحوث التي أجريت على المتعطلين في بريطانيا -أثناء فترة الانكماش الاقتصادي الكبير "في أوائل الثلاثينات"- لوحظ أنهم لم يكونوا يترددون على المقاهي والبارات، وهي خالية خلال ساعات العمل، وإنما في أوقات الذروة، مع خروج العاملين من أعمالهم.

6-

إنفاق العاطلين يتم بطريقة غير معقولة، ومعظم الإنفاق يكون على الكماليات، وهو نوعٌ من سلوك المجازفة أو المخاطرة تتسم به جميع الحالات الحرجة "المرضى، المستويات الاقتصادية/ الاجتماعية المنخفضة" والتي تسمى at risk cases.

ص: 417

7-

اللجوء إلى الخيال وأحلام اليقظة، كحيلٍ دفاعية، أو الهرب من الموقف، من خلال الأمراض السيكوسوماتية، وقد يلجأ البعض إلى المصارف غير القانونية، وقد يتحول البعض إلى التطرف في السلوك، ونادرًا ما يلجأون إلى الانتحار أو الإدمان، ومع ذلك فإن أغلبية المتعطلين، يظلون مواطنين صالحين.

8-

زيادة حِدَّةِ البطالة لدى عضو الأسرة المسئول عن الإنفاق عليها، فعادةًَ ما يشعر بالمشاعر السلبية "كالإكتئاب" إذا تغيرت اتجاهات المحيطين به من الأهل والأقارب والأصدقاء، من التعاطف والفهم، إلى النقد والرفض "باعتباره كاسب لقمة العيش".

9-

تكثيف العادات اليومية للمتعطل، والتي تُعَدُّ تغيرًا سيكولوجيًّا هامًّا، فالقارئ -أثناء العمل- يزداد قراءة أثناء التعطل، والمتدين يزداد تدينًا، وهكذا.

10-

انعكاس البطالة على شعور الأطفال بعدم الأمن والقلق، مما ينعكس -بدوره- على رب الأسرة المتعطل، على نحوٍ يؤدي إلى خفض معنوياته، وضعف سلطته الوالدية.

11-

من أهم التغيرات في شخصية المتعطل، انخفاض الروح المعنوية، ونقص التوازن الانفعالي، وزيادة التعصب والتحامل "مع ظاهرة كبش الفداء"، وزيادة مشاعر النقص.

ص: 418