الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشكلات المتعلمين الراشدين
القلق
…
مشكلات المتعلمين الراشدين:
يمكن أن نلخِّصَ مشكلات المتعلمين الراشدين على النحو الآتي:
1-
القلق:
فالمتعلم الراشد يتميز بالخوف الشديد من الفشل، أو الظهور بمظهر العجز عن التعلم، سواء كانت البرامج التي يلتحق بها ترويحية أو تدريبية أو تعليمية بالفعل، ويبدو لنا أن هذه سمة تميز المتعلمين الراشدين في جميع الأحوال، وقد يؤدي القلق الناجم عن ذلك إلى ضعف الأداء ويدعم مخاوف المتعلِّم.
وبالطبع توجد استثناءات لذلك؛ فالراشدون الصغار، وخاصةً أولئك الذين أنهوا تعليمهم حديثًا، قد لا يشعرون بالقلق لأنهم يشعرون أنهم في بيئة مألوفة، وقد لا يتوقع هؤلاء الدارسون أن يجدوا العمل التعليمي صعبًا، بالإضافة إلى أنهم قد يعتبرون التربية خبرة ممتعة ومثيرة للاهتمام، ومن هؤلاء أيضًا أولئك الدارسون الراشدون الذين يستمرون في الذهاب إلى نفس الفصول لعدة سنوات "فصول تعلُّمِ الخياطة للنساء مثلًا"، وكذلك الذين يذهبون إلى برنامج يلعب فيه التدريس أو التعليم وليس "التعلم" الدور الحاسم، ومن ذلك كمثالٍ متطرفٍ المحاضرات العامة التي تستغرق ساعة يتبعها عدة دقائق للمناقشة، ولا شكَّ في أن أي برنامج لا يتضمن مكوّن الاختبارات من أيِّ نوعٍ يكون دارسوه من النوع الذي لا يشعر بالقلق، إلّا أن ما يحدث بالفعل في معظم الأحوال أنه مع عدم وجود القلق لا يوجد تعلم أيضًا، ربما بسبب نقصان الدافعية عند المتعلِّم.
ومن الواضح أنه في البرامج التطوعية لتعليم الراشدين -على الأقل- لن يكون القلق هو الانفعال السائد عند المتعلِّمين، وإلّا فإنهم لن يلتحقوا بهذه البرامج على الإطلاق، وقد تكون الميول والاهتمامات هي الأقوى عند غالبية الدارسين، وهذه جميعًا تؤدي إلى قدرٍ من التوتر يعين على استمرار التعلم، إلا إذا كان هذا التوتر يجب ألا يزيد عن الحد الأمثل وإلا كان معطِّلًا للتعليم، ويرتبط هذا بقانون يركس-دودسون، الشهير في علاقة الدافعية والانفعالات بالتعلُّمِ "فؤاد أبو حطب، آمال صادق، 1996".
وإذا كان قليل من الانفعال يؤدي -على الأقل- إلى جعل المتعلِّم متنبهًا ويقظًا، والموقف التعليمي مثيرًا للاهتمام، فإن القدر الكبير منه قد يكون مشكلةً كبرى للدارسين بعد أسابيع قليلة من التعلُّم، وتلعب الجماعة دورًا هامًّا في خفض قلق المتعلمين، ففي جماعةٍ جيدة التكامل يكون دور المعلِّم في خفض التوتر أقل أهمية من إدراك المتعلمين أنفسهم من أن العمل يقع في نطاق قدرتهم، إلّا أن هذا لا يعني أن القلق "وما يصاحبه من توتر" لا يمثل مشكلةً عند المتعلمين الراشدين، فكثير من البحوث العلمية والملاحظات العادية تؤكد أن بعض التوتر يكاد يلازم تعلم هؤلاء، وأن هذا التوتر قد يزيد ويصبح معوقًا للتعلُّم مع زيادة عمر المتعلم وزيادة الضغط المفروض عليه، ويظهر هذا عند الرجال بشكلٍ أكثر وضوحًا منه عند النساء، وخاصةً في برامج التدريب المهني والصناعي والإداري؛ ففي هذه البرامج يزداد اهتمام الرجال بأدائهم، وخاصةً أن نتائج هذا الأداء قد تؤثر في بقائهم في العمل أو ترقيتهم فيه، ويصدق ذلك على جميع أنواع هذه البرامج، سواء كانت برامج إعادة تدريب "أو التدريب أثناء الخدمة كما تسمى الآن" عند متوسطي العمر، أو كانت من نوع برامج التدريب الأولى التي تُقَدَّمُ عادةً للمستجدين، وهم في الأغلب من الشباب أو الراشدين الصغار، وهو قلق يظهر عند أولئك الذين يلتحقون بفصول تعلم الراشدين لأول مرةٍ "فئة الأميين"، والذين يعاودون الالتحاق بها "لأغراض التدريب أو إعادته"، والسؤال الجوهري: لماذا القلق؟
يمكن الإجابة على هذا السؤال باقتراح مجموعة من الفروض تحتاج إلى مزيد من البحث:
1-
المفهوم القبلي Prc-concipt عند معظم الراشدين عن عملية التربية أنها تهم الأطفال والمراهقين دون غيرهم، ويوجد تراث كامل من الأمثلة الشعبية حول هذا الموضوع "مثل: بعد ما شاب ذهب إلى الكتاب"، وبالطبع فإن التربية المعاصرة استطاعت أن تنشئ مفاهيم جديدة مثل "التربية مدى الحياة" life-long education والتربية المستمرة contionus education كما قلنا، وفيها تُعَدُّ التربية ذات دور أساسي طوال حياة الإنسان، إلّا أن هذين المفهومين وغيرهما لا يزالان بعيدين عن التقبُّلِ العام، فحتَّى وقتنا الحاضر لا يزال تعليم الراشد عند الكثيرين إنكارًا مقصودًا لمكانته وموضعه، وهدر لدوره كشخص ناضج مستقل.
2-
المفهوم القبلي أيضًا عند معظم الراشدين من عملية التربية أنها تتضمن في جوهرها علاقة اعتماد كبير من جانب المتعلِّم على المعلِّم، وهذا الاعتماد في
جوهره ينكر الرشد جوهرًا وطبيعةً كما بينا فيما سبق، وإلّا فكيف يتأتَّى لراشدٍ اكتسب النضج والاستقلال في نظر نفسه وفي نظر الآخرين؛ كزوجٍ ووالدٍ وعاملٍ أن يضع نفسه موضع الاعتماد من جديد، صحيحٌ أن علم النفس التربوي المعاصر يهتم اهتمامًا فائقًا بما يُسَمَّى التعلُّم الذاتي self-learning، إلّا أن هذا المفهوم فيما يبدو لم يحظ أيضًا بالشيوع العام، ربما لأن بعض الممارسات التربوية حتى وقتنا الحاضر لا تزال تعجز عن إنجازه.
3-
يرى بعض علماء النفس، وعلى رأسهم كارل روجرز Carl Rogers وإبراهام ماسلو Abraham Maslow، أن منشأة القلق عند المتعلِّمين الراشدين يرجع في جوهره إلى الصراع الكامن لديهم عندما يلتحقون بفصول التعلُّمِ، وخاصةً حين يتضمن موضوع التعلُّم بعض المسائل الخلافية أو القيمية، ويفسر هذا الصراع عند أصحاب "نظرية الذات" في أن كل متعلِّم راشدٍ لديه أفكار معينة عن نفسه، بالإضافة إلى منظومته الخاصة من القيم والمعتقدات، وحينما يعترف الراشد بأنه في حاجة إلى التعلُّمِ فإن هذا يتضمن الاعتراف بوجود خطأٍ ما في نظامه القيمي الحالي؛ فالأم الشابة مثلًا قد تشرع بالرغبة في تعلُّمِ المزيد عن نموِّ الطفل، وقد تلتحق بالفعل في أحد فصول علم نفس الطفل، إلّا أنها سرعان ما تترك الدراسة أو ترفض ما يقوله المعلِّم وباقي زملاء الفصل؛ لأنها قد لا توافق عليه؛ لأن هذه الموافقة قد تعني أن طريقتها في رعاية طفلها "خاطئة"، أو أنها كانت على نحوٍ أو آخر، أمًّا "سيئة".
ويتفق مع هذا الفرض المشتق من "نظرية الذات" ما يلاحظ على المتعلمين الراشدين من أنهم قد يلجأون إلى بعض الحلول اللاشعورية لمشكلة قلق التعلُّم عندهن، كالاعتقاد بأن المقصود بما يقدَّم في هذه البرامج "وخاصة نقد الممارسات الخاطئة" أشخاص آخرون غيرهم، وهذا ما لاحظناه من خبرتنا ببرنامج إعداد المعلِّم الجامعي الذي تنظمه بعض الجامعات في مصر ابتداءً من مستوى المعيدين والمدرسين المساعدين وحتى الحلقات التعليمية التي تنظم للأساتذة؛ فالجميع يحضرون هذه البرامج والحلقات ولديهم قدر من التوتر، قد يكون كبيرًا، وعلى الرغم من أن الجميع يشهدون بأنهم يتعلمون من خلال هذه البرامج -ومن هؤلاء أساتذة التربية أنفسهم- إلّا أن الملاحظ بصفة عامة أنك قد لا تجد من يعترف بأن مثل هذه البرامج أعد خصيصًا له، وإنما يشير في الأغلب والأعمِّ إلى أن المقصود بها المعلم الجامعي "المبتدئ" أو "غير الخبير" أو "غير التربوي"، وهذه الحيلة "اللاشعورية" هي نوع من الدفاع عن الذات، فالاعتراف بأن الشخص يحتاج إلى