الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجالات الاجتماعية، وهم يجاهدون للوصول إلى درجة من الإدراك الواضح لهويتهم، وهم يشبهون فئة إحراز الهوية "الفئة الأولى"، إلّا أنهم بسبب عدم التزامهم بموقفٍ محدد يظهرون درجة عالية من القلق وكثيرًا من المسايرة للآخرين، كما أنهم أقل رضًا بإنجازهم، وأكثر استعدادًا لتغيير تعليمهم أو مهنتهم، وقد تنهار حياتهم الأسرية لأتفه الأسباب.
4-
خلط الهوية: identity diffusion: وأصحاب هذه المكانة يتفقون مع من هم في الفئة السابقة في أنهم ليس لديهم التزامٌ برأي واضحٍ أو موقف محدد إزاء القضايا الخلافية في الحياة الاجتماعية، إلّا أنهم يختلفون عنهم في أنهم لا يعانون من أزمات شخصية في مجالات هوية الحياة، فهم فئة اللاالتزام واللاأزمة معًا، وفي وقت واحد، ولهذا فهم أقل الفئات قدرةً على الوصول إلى قرارت حاسمة ومواقف واضحة في مسائل الحياة المختلفة، وهم أقل الناس تقديرًا لأنفسهم، كما أن درجاتهم تكون منخفضة في الاستدلال الخلقي والاستقلال النفسي والألفة بالآخرين، أضف إلى ذلك أن مستوى القلق لديهم أعلى من الجميع، ولهذا فهم لا يزالون بهذه الخصائص جميعًا في طور ما قبل الرشد السيكولوجي، حتى ولو وصلوا إلى العمر القانوني له.
الزواج والحياة الأسرية:
يُعَدُّ الزواج وتكوين الأسرة أحد مؤشرات الرشد الرئيسية كما بينا في الفصل السابق، ومن البديهي أن خبرة الإنسان بالحياة الأسرية لا تبدأ مع الرشد، وإنما تمتد إلى لحظة ميلاده، فإذا استثنينا أطفال الملاجئ والمؤسسات يمكننا القول أن كل طفلٍ يولد ويعيش وينمو طفولته ومراهقته ومعظم شبابه في "محضن الأسرة"، ومع ذلك فإننا مع بلوغ الرشد تطرأ تغيرات هامة تميز الحياة الأسرية بعد الرشد عنها قبله؛ فالإنسان -قبل الرشد- هو موضوع رعاية وتنشئة وتدريب وتربية الوالدين، ومع الرشد يصبح الإنسان مسئولًا عن ذلك كله حين يصبح والدًا لابنائه هو، ولهذا نجد معظم الراشدين عند بلوغهم هذا الطور من حياتهم يكون له في واقع الأمر أسرتان: أحداهما هي أسرة المنشأ family of origin التي وُلِدَ فيها ورُبِّىَ وعاش حياته السابقة، وثانيتهما الأسرة النواة nuclear family التي يكوّنها هو مع شريكة حياته، والتي يسعيان بجهدهما المشترك إلى حمايتها وتنميتها.
وقد بدأ منذ عقدين من الزمان اهتمام عدد متزايد من علماء النفس والاجتماع والسكان بدراسة الأسرة من منظور نمائي ارتقائي، أو منظور دورة الحياة الذي يوجه هذا الكتاب، ويتضمن هذا المنظور افتراضًا أساسيًّا هو أن الحياة
الأسرية يمكن تناولها في صورة سلسلة من المراحل، لكلٍّ منها مهامه النمائية الخاصة، كما تظهر في كلٍّ منها صراعاته التي يجب مواجهتها، كما أن حلول هذه الصراعات تختلف من طورٍ أسريٍّ إلى آخر "Wolman".
وتبدأ دورة الحياة الأسرية للراشدين بالزواج بالطبع، وتنتهي بالطلاق أو ترمل أحد الزوجين، وبين هاتين النقطتين توجد سلسلة من المراحل يختلف عددها باختلاف أصحاب النظريات، والتي تصف أنماطًا بنيوية مختلفة للأسرة، وتوقعات متباينة للأدوار.
ويعود الفضل إلى إيفلين دوفال "Duvall 1977" في ريادة بحوث "دورة الحياة الأسرية"، وفي نموذجها تصف ثماني مراحل يختلف المدى الزمنيّ لكلٍّ منها، وخلالها تنمو "الأسرة العادية" التي لا تتعرض للتفكك أو التحليل بالطلاق أو الانفصال أو الهجر، وهذه المراحل هي:
1-
زوجان فقد بدون أطفال، ومتوسط المرحلة سنتان تقريبًا.
2-
أسرة ذات أطفال رضع؛ حيث أكبر الأطفال يمتد عمره من لحظة ولادته حتى سن 30 شهرًا من عمره.
3-
أسرة ذات أطفال في سن ما قبل المدرسة؛ حيث يمتد عمر أكبر الأطفال من سن 30 شهرًا حتى 6سنوات.
4-
أسرة ذات أطفال في سن المدرسة؛ حيث أكبر الأطفال يمتد عمره من 6 سنوات إلى 12سنة.
5-
أسرة ذات أبناء مراهقين وشباب؛ حيث أكبر الأبناء يمتد عمره بين 12 سنة، 20سنة.
6-
أسرة يتخرج فيها راشدون صغار؛ حيث يبدأ الأبناء في الاستقلال.
7-
زوجان في منتصف العمر: من طور العش الخالي وحتى سن التقاعد من العمل.
8-
زوجان مسنان: من سن التقاعد وحتى وفاة أحد الزوجين وترمل الآخر، وبالطبع فإن هذا النموذج يتأثر بعدة عوامل لعل أهمها:
1-
عندما يؤجل الزوجان النسل فإن المرحلة الأولى قد تكون أطول من سنتين، كما أنها قد تقصر عن ذلك إذا تَمَّ الحمل عقب الزواج مباشرة، وبالطبع يؤثر ذلك في باقي الدورة الأسرية، ومن ذلك مثلًا أن المرحلة التي تمتد من العش الخالي إلى التقاعد تصبح أقصر أو أطول.
2-
إذا اضطر الوالدان لأسبابٍ إرادية إلى تأجيل النسل، فإن مرحلة الرشد المبكر كلها سوف يقضيانها في المراحل الثلاث الأولى من حياة الأسرة، وخاصة حين ترسل الأسرة أصغر الأطفال إلى المدرسة وعمر الوالدين بين 35، 40 سنة.
3-
يفيد هذا النموذج في وصف الحياة الأسرة المتماسكة، ولكنه يفشل في تفسير ما يطرأ عليها من خللٍ بسبب الطلاق أو الوفاة أو تعدد الزواج؛ فمعظم الراشدين في هذه الحالات يقضون بضع سنوات من رشدهم منفردين أو يربون أطفالًا ليسوا أبناءهم "زوج الأم، وزوجة الأب".
4-
على الرغم من أن هذا النموذج يصوّر الأسرة على أساس تكوينٍ اجتماعيٍّ من راشدين وأطفال صغار، إلّا أن بعض هذه الأسرة قد لا تنجب أطفالًا لأسباب طبية "العقم لدى الجنسين، أو خلل الوظائف الأنثوية لدى المرأة"، والأسرة المؤلفة من زوجين يعيشان عمرهما بلا أطفالٍ تستحق البحث السيكولوجي المنظم.
5-
مقدار الوقت الذي يستغرق في المراحل الثلاث الأولى من حياة الأسرة قصير نسبيًّا، فيكاد يكون نصف حياة الأسرة عند الراشدين هو ما بعد استقلال الأبناء، وهذا يتطلب توسيع النظر إلى وظائف الأسرة ومهامها؛ بحيث لا تقتصر على رعاية الصغار.
6-
يفشل النموذج في تناول التداخل والتفاعل في دورات حياة الأسرة عبر الأجيال؛ فمثلًا الأسرة النووية المكَوَّنة من زوجين شابين ولهما أطفال في سن ما قبل المدرسة، قد تُصَنَّفُ على أنها في المرحلة الثالثة من نموذج دوفال، إلّا أن هذه الأسرة في نفس الوقت قد تظل جزءًا من الأسرة الأكبر؛ حيث الوالدان في الأسرة النووية هم أبناء لآباءٍ وصلوا إلى منتصف العمر أو تجاوزوه إلى مرحلة الشيخوخة، وبالتالي تصنف في المرحلة السابعة أو الثامنة في النموذج السابق، وحينئذ قد ينشأ صراعٌ الأدوار لدى الراشدين الصغار، فهم يقومون بدور الوالدية لأبنائهم، ودور البنوة لوالديهم في وقت واحد، وهو الصراع الذي حلَّه الإسلام من خلال تحديد حقوق وواجبات الأبناء والوالدين مهما كانت المرحلة العمرية التي هم منها، وهو موضوع سنتناوله بالتفصيل فيما بعد.