المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النمو المهني: الأهمية السيكولوجية للعمل: دخول الإنسان إلى ميدان العمل هو - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ ‌النمو المهني: الأهمية السيكولوجية للعمل: دخول الإنسان إلى ميدان العمل هو

‌النمو المهني:

الأهمية السيكولوجية للعمل: دخول الإنسان إلى ميدان العمل هو أحد مؤشرين -مع الزواج- على أنه أصبح من الراشدين، بل إنه هو المؤشر الوحيد على الرشد لأولئك الذين يؤجلون زواجهم إلى ما بعد الاستقلال الاقتصادي "والحصول على مهنة هو أعظم علاماته"، ولهذا يحتل العمل عند الراشدين مكانةً بالغة الأهمية في تحديد هويتهم، ويظل كذلك لفترة تمتد حوالي أربعين عامًا من العمر، ويمكن أن نلخص الأهمية السيكولوجية للعمل لدى الراشدين فيما يلي:

1-

العمل تعبيرٌ عن حاجةٍ داخليةٍ لدى الإنسان تدفعه نحو الاستقلال النفسي والاقتصادي والإتقان والتعامل الفعال مع البيئة، وتسمى هذه الحاجة دافعية الإنجاز achievement motivation، وبالطبع فإن هذا الدافع يختلف بين الأفراد وداخل الفرد الواحد في مختلف مراحل نموه.

وعند الراشد تؤثر قوة دافع الإنجاز في طريقته في تفسير خبراته المهنية وتوجهها، ولهذا نجد بعض الراشدين من النساء ومن الرجال من ذوي الإنجاز العالي يصلون إلى مواقع القيادة والسلطة في مجالات عملهم بالمقارنة بأقرانهم من ذوي الإنجاز المنخفض.

ومن العوامل التي تعدل سلوك الإنجاز سيطرة دافع آخر قد يكون أحيانًا "الحاجة إلى الانتساب أو الانتماء Affiliation لدى الراشدين، وهو دافعٌ يوجه الإنسان نحو تكوين علاقات إنسانية أكثر يسرًا مع الزملاء، وقد يكون في أحيانٍ أخرى دافع تجنب النجاح، وخاصةً إذا كانت عواقب النجاح في العمل تؤدي إلى رفض شخصي واستهجان اجتماعي "كما هو الحال في نظرة بعض الثقافات إلى نجاح المرأة في العمل"، وفي مثل هذه الحالة يكون اتجاه الشخص إزاء الإنجاز المهني أقرب إلى الحياد أو التناقض الوجداني، ومن ناحيةٍ أخرى فإن مثل هذا الشخص إذا لم يحرز نجاحًا لن يدفعه ذلك إلى بذلك مزيد من الجهد.

ص: 406

2-

العمل مصدر لشعور الفرد بقيمته، وبالتالي فإنه وثيق الصلة بتقديره لذاته وتحديد هويته، ويكشف ذلك عن الأثر النفسي المدمِّر للبطالة على شخصية الراشدين، ويتوقف تقدير الراشدين العاملين لذواتهم على تفسير كلٍّ منهم لخبرة العمل، ومن ذلك أسلوب الشخص في عزو attribution أسباب النجاح والفشل المهنيين أو تحديد موضع الضبط locus of control لكلٍّ منهما، فإذا كان الراشد يعزو أسباب نجاحه إلى عوامل داخلية مستقرة فيه من ناحية، وأسباب فشله إلى عوامل خارجية غير مستقرة "مؤقتة أو عارضة"، فإنه يكون أكثر تقديرًا لذاته، كما يكون لديه شعور قوي بالكفاءة الشخصية "Huyck Hoyer 1982"، وتوجد فروق بين الجنسين في هذا الصدد؛ فالنساء أكثر احتمالًا في عزوِ النجاح إلى الحظ والمصادفة أو سهولة العمل، بينما الرجال يعزونه إلى قدرتهم العالية وجهدهم الزائد، أما في حالة الفشل فإن المرأة قد تعزوه إلى نقص قدرتها، والرجل إلى نقص جهده المبذول "Mednick et al 1975"، وهكذا فإن المرأة قد تشتق تقديرًا أقل لذاتها، وشعورًا أدنى بالكفاءة من إنجازٍ قد تتساوى فيه مع الرجل.

ومن ناحيةٍ أخرى فإن العمل -على الرغم من أنّ له نفس المعاني العامة لدى الجميع- قد يحقق لبعض أصحابه شعورًا أكبر بالقيمة، وتقدير الذات بسبب الترتيب الهرميّ "الهيراركي" للمهن من ناحية، ومبالغة المجتمع في تقدير بعضها على حساب البعض من ناحية أخرى.

3-

العمل له أهميته الاجتماعية للفرد إلى جانب أهميته للشخصية، فهو مصدر للمكانة الاجتماعية، وبالعمل يقدم الراشد إلى الآخرين شيئًا له قيمة، سواء كان ذلك إنتاجًا أو خدمة، ويحصل على موافقة الآخرين وتعزيزهم، كما أن العمل يهيئ للراشد فرصًا كثيرة للمشاركة الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، سواء داخل بيئة العمل "مع الزملاء والمرؤسين والرؤساء" أو خارجها، حين يكوّن الشخص علاقات صداقة جديدة مع زملاء العمل، أضف إلى ذلك أن العمل هو المصدر الرئيسي للدخل عند الكثيرين، وهو بذلك يسمح للراشد بإعالة نفسه وأسرته، وأخيرًا فإن العمل هو الوسيلة الأساسية لشغل وقت الراشدين وتنظيمه، ويحقق لهم بذلك صورة سوية للتوافق الاجتماعي، ولعلنا ندرك المغزى العميق لذلك إذا تأملنا حالات سوء التوافق الاجتماعي لدى الذين يعيشون محنة البطالة أو الذين يتقاعدون.

وبسبب هذه الأهمية البالغة للعمل كانت له مكانته الرفيعة في الإسلام؛ فهو في الإسلام من ألوان العبادة، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:

ص: 407

"على كل مسلمة صدقة، قال: أرأيت إن لم يجد؟، قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة المهلوف، قال: أرأيت إن لم يستطع؟، قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة" رواه البخاري ومسلم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله دائمًا من "العجز" و"الكسل"، وقد وصف القرآن الكريم العمل كثيرًا بصفة الصلاح، وورد ذكر العمل الصالح في عشرات الآيات القرآنية، وهو يلي الإيمان بالله في العديد من هذه الآيات، والعمل الصالح يشمل كلَّ ما يقوم به الإنسان نحو خالقه ونحو نفسه ونحو أسرته ونحو مجتمعه ونحو الإنسانية كلها.

الاختيار المهني: يتشابه اختيار الراشد لمهنته -إلى حَدٍّ كبير- مع اختياره لزوجته؛ ففي كلٍّ منهما قد توجد ضغوط أسرية، كما تحدد العوامل الاجتماعية إلى حَدٍّ ما الاختيار ودرجة الرضا عنه.

والاختيار المهني، كالاختيار الزواجي أيضًا، عملية متبادلة، فكما أن كلًّا من الزوج والزوجة يدرس كل منهما الآخر قبل قرار الزواج، فإن العامل وصاحب العمل "في القطاع الخاص" أو إدارة المؤسسة "في الحكومة والقطاع العام" يتبادلان الدراسة والفحص "إلّا في حالات التعيين "الإجباري" عن طريق القوى العاملة، وكذلك فكما أن الزواج قد ينتهي نهاية غير سعيدة بالطلاق، فإن العامل قد يُفْصَلُ من عمله، أو يستقيل منه.

وكالنمو الزواجي، فإن النمو المهني عملية مستمرة على مدى حياة الإنسان، فقد يبدأ التهيؤ له مع مرحلة المراهقة -وربما قبلها بقليل- ولا ينتهي بمجرد الدخول في سوق العمل.

وبالمثل نشأت في كلٍّ من الزواج والعمل ضرورات عملية لإنشاء خدمات الإرشاد والتوجيه النفسي، صحيح أن خدمات التوجيه المهني أكثر شيوعًا في وقتنا الحاضر من خدمات الإرشاد الزواجي، إلّا أن الحاجة إليهما ماسة، وهي أكثر إلحاحًا في ظروف المجتمعات العربية الإسلامية المعاصرة باعتبارها تنتمي إلى العالم الثالث أو الدول النامية، والتي تعاني من البطالة وسوء الاختبار المهني من ناحية، ومن مشكلات الزواج التي تناولناها فيما سبق من ناحية أخرى.

وتحتل مسألة الاختيار المهني Vocational choice محور الاهتمام في جميع الخدمات النفسية التي يجب أن تُقَدَّمَ للراشدين الصغار "ومن قبلهم المراهقين

ص: 408

والشباب بالطبع"، وقد ذكرنا فيما سبق "الفصل الرابع عشر" إلى أن مشكلات المهنة تحتل مكانة هامة بين ما يعبر عنه الشباب من مشكلاتهم.

وقد أشرنا إلى أن الأسرة تلعب دورًا كبيرًا في الاختيار المهني، ويتم ذلك من خلال عملية التطبيع الاجتماعي التي تمارسها الأسرة على أعضائها منذ طفولتهم، وبها يتعلم الصغار ويتأثرون بتوقعات الوالدين لهم بالنسبة للمستقبل، وبخاصةٍ حياتهم المهنية، وبالطبع فإن ذلك قد يؤدي إلى سوء الاختيار، وخاصةً إذا لم تتوافر لدى الشخص المتطلبات السيكولوجية للمهنة التي اختارها، وخاصة القدرات والاستعدادات وسمات الشخصية اللازمة للنجاح فيها، ولذلك حظي موضوع "الميول المهنية" بمكانةٍ هامةٍ لدى علماء النفس من أصحاب نظرية الشخصية المهتمين بالاختيار المهني، وخاصة عند الراشدين الصغار.

ومن الآراء النظرية التي ظهرت في السنوات الأخيرة مرتبطة بذلك إطار هولاند "Holland 1966 1973" وقد يقترح ستة أنماط "للشخصية" وهي:

1-

النمط البحثي investigative: وهو الذي تشغله كثيرًا الأفكار في ذاتها، ولا يهتم بتنفيذها أو تطبيقها في عالم الواقع، ويشعر بالحاجة إلى الفهم ويستمتع بالعمل الذي يتطلب المهام الغامضة، ويندمج في هذه المهام على حساب النشاط الاجتماعي، وهو النمط الذي ينجح في الأعمال العلمية.

2-

النمط الاجتماعي social وهو الشخص الذي يظهر اهتمامًا بالآخرين، ويحتاج إلى أن ينتبه إليه الآخرون أيضًا، ولديه مهارات لفظية واجتماعية، ويتجنب الانشغال بالمشكلات المحددة، ويفضل حل المشكلات من خلال إدراك مشاعر الآخر ومعالجة الأنشطة الاجتماعية، وهو النمط الذي ينجح في الأعمال ذات الطابع الاجتماعي؛ مثل الخدمة الاجتماعية والنشاط الديني والطب والتدريس والعلاج النفسي والسلك الدبلوماسي والنشاط الرياضي.

3-

النمط الواقعي realistic: وهو الشخص الذي يهتم بالعمل مع الأشياء، وعادةً ما يكون أقل اجتماعية، وقد يتسم بالعدوانية، ولديه مهارة حركية وتآرز بدني جيد، وتعوزه المهارات اللغوية والاجتماعية، ويفضل حل المشكلات العملية المحسوسة على المشكلات المجردة، وهذا النمط عادةً ما ينجح في المهن الميكانيكية والتكنولوجية.

4-

النمط الفني artistic: وأصحاب هذا النمط يركزون على العواطف والانفعالات، ويتسمون بعدم الاجتماعية، ويتجنبون المشكلات الواضحة، أو تلك التي تتطلب جهدًا بدنيًّا عنيفًا، ويظهرون الحاجة للتعبير الفردي، ويفضلون التعامل

ص: 409

مع مشكلات البيئة من خلال الحاجة التي تظهر في صورة تعبير ذاتي، وهذا النمط ينجح عادةًَ في المهن الفنية والجمالية المختلفة "الفنون التشكيلية، الموسيقى، الرقص، الباليه، المسرح، السينما، الشعر، القصة، الرواية".

5-

النمط التقليدي conventional: وهو الشخص الذي يتسم بالمسايرة، وله طابع عملي محافظ ودقيق، وتعوزه التلقائية والمرونة والأصالة "قدرات الإبداع بصفة عامة"، ويفضل العمل مع الأنشطة العددية واللفظية الواضحة والجيدة التكوين، ويتجنب المواقف الغامضة، والتي قد تتضمن العلاقات بين الأشخاص والمهارات الجسمية، وهو أكثر نجاحًا في الأعمال المالية والإدارية؛ كالمحاسبة والمراجعة والسكرتارية والأعمال الكتابية.

6-

النمط المقدام enterprising: ويتسم أصحاب هذا النمط بالمهارات اللغوية والقدرات الإقناعية العالية، ولديهم سمات السيطرة والمغامرة والعدوانية، ويدرك الفرد منهم ذاته على أنه قوي وقائد، ويتجنب الأعمال التي تتطلب استخدام لغة محددة، أو تحتاج إلى فترات طويلة من الجهد الذهني، ويفضل المهام الاجتماعية الغامضة، ولديه شغف قوي بالسلطة والمكانة والقيادة، وهو أكثر نجاحًا في أعمال القيادة الإدارية، وقطاع الأعمال والبيع والإعلام والفندقة والسياحة والعلاقات العامة والسمسرة والإخراج السينمائي والتليفزيوني.

وقد أكدت البحوث أن كلًّا من أنماط الشخصية المهنية "كتلك التي وصفناها" والميول المهنية "كتلك التي يقيسها مقياس كيودر الشهير" تظل ثابتة لمدى زمني طويل، ومع ذلك فإن النظريات المهنية المعتمدة على الأنماط فيها بعض جوانب القصور، ولعل أهمها أنها تتسم بالتجريد والتبسيط.

إلّا أننا في جميع الأحوال يجب أن نضع في الحسبان السياق الثقافي والاجتماعي الذي يتم فيه الاختيار المهني؛ فالقرارات المهنية لا يتخذها أفراد تعيش في "فراغٍ اجتماعي"، وإنما يوجد دائمًا تفاعل ديناميي بين الشخص والبية الثقافية والاجتماعية المحيطة به "Schaie Willis 1986"، وقد أشرنا إلى ضغوط الوالدين من قبل، ونشير الآن إلى ضغوط الأسرة الجديدة التي يكوّنها الراشد، فقد تحدد التزاماته إزاءها الكثير من نشاطه المهنيّ، ناهيك عن ضغوط المجتمع الكبير والثقافة العامة التي تؤثر في الاتجاهات المهنية للناس، ولعل أكثر الأمثلة وضوحًا على ذلك "الاتجاه نحو العمل اليدوي"، الذي كان حتَّى وقت قصير سالبًا عند الراشدين المصريين، ثم تحوَّلَ إلى القطب الموجب في السنوات الأخيرة مع ما يحصل عليه الحرفيون -في الوقت الحاضر- من دخول كبيرة تتجاوز

ص: 410

المهن الأخرى "وخاصة المهن الجامعية" بكثير، ومن الأمثلة الأخرى الترتيب الهرمي التراتبي للتعليم الجامعي "المرتبط -في جوهره- بعالم العمل"، فأوصاف مثل كليات القمة والسفح والقاع -بالرغم مما فيها من إيذاءٍ للمشاعر، وسوء إدراكٍ لقيمة العمل- إلّا أنها تتضمن الضغوط الثقافية الاجتماعية التي أشرنا إليها.

تطور الحياة المهنية: تتوافر -في الوقت الحاضر- نظريات كثيرة حول النموّ المهني عبر الحياة، وسوف نقتصر على نظريتين منها، هما نظرية سوبر، ونظرية ليفنسون.

وتتلخص نظرية دونالد سوبر Donald Super في النمو المهني، والتي اقترحها عام 1957، وعدَّلَهَا عام 1963، أن الناس يمرون بخمس مراحل من نموهم المهني هي:

1-

أثناء المراهقة "14-18سنة" تتبلور أفكار المراهق حول العمل، وفي هذا الوقت من المحتمل أن يتعرض الشخص لمجالات مهنيةٍ معينةٍ من خلال وسائل الإعلام أو التعليم المدرسي أو الأصدقاء أو الأقارب، أو من خلال خبرة مباشرة عند القيام بأعمالٍ لبعض الوقت "أثناء الإجازة للطلاب مثلًا"، وخلال ذلك يقارن المراهق بين مختلف المجالات المهنية وقدراته ومهاراته وميوله وخصائص شخصيته وغيرها.

2-

أثناء المرحلة التي يسميها هذا الكتاب بلوغ السعي أو الشباب "18-21سنة"، وتتضمن بعض التفضيل المهني وبداية التدريب على مهنة معينة، وغالبًا ما يشمل ذلك تربية متخصصة أو نوعية؛ كتلك التي توفرها مراكز التدريب المهني لطلاب ما بعد المرحلة الثانوية، أو برامج الكليات المهنية "كالطب والهندسة والتربية والزراعة"1.

3-

مرحلة الدخول إلى عالم العمل لأول مرة "21-24سنة"، وممارسة التدريب الذي تلقاه المرء عمليًّا، وتُعَدُّ هذه الخطوة تغيرًا جوهريًّا في إدراك الذات لدى بعض الناس؛ فمع القيام بدور "الشخص العامل" يبدأ كثيرون ممن في هذا السن في إدراك أنفسهم كراشدين لأول مرة.

4-

مرحلة استقرار العمل "24-35" وفيها يزداد استقرار الشخص في مجال مهنته، ويبدأ في تنمية مكانته المهنية من خلال الترقي فيها.

1 لعل القارئ يلاحظ أن بعض الكليات الجامعية ليست لها طبيعة مهنية واضحة، ونخص بالذكر هنا كليات الآداب والعلوم، وتمثل هذه الكليات أزمة "هوية مهنية" لطلابها.

ص: 411

5-

مرحلة البلورة المهنية consolidtion والتقدم المهني "advancement 35-وما بعدها" وتمتد هذه المرحلة في أكبر مدى زمني في دورة الحياة المهنية للشخص، كما أن الشخص فيها يصل إلى قمة كفاءته، ويحرز مستوى رفيعًا من القيادة أو السلطة.

أما النموذج الذي يقترحه دانيال ليفنسون Danial Levinson فقد ظهر لأول مرة عام 1977، وهو أقل تحديدًا من نموذج سوبر، بالإضافة إلى تركيزه على وجود فترات متعددةٍ يظهر فيها ما يسميه "إعادة التقويم"، وفي رأيه أن من العبث القول: إن المرء منذ نهاية مراهقته يختار مهنة معينة اختيارًا نهائيًّا، ويستقر فيها ويستمر يؤديها طوال حياته بعد ذلك.

ويتلخص نموذج ليفنسون في أنه مع الرشد المبكر يدخل المرء مرحلة يحاول فيها الاستقرار على مهنة أو على اتجاهٍ مهنيٍّ معينٍ يتفق مع ميوله وشعوره بهويته، وفي هذا يستطلع الاحتمالات المختلفة في عالم العمل، وفي ذات الوقت يحاول المقابلة بين ما يجده وبين إحساسه بإمكاناته هو، وتكون مهمته تكوين بنية لحياته تربط بين عالم العمل من ناحية، وإدراكه لذاته من ناحية أخرى، وهذه هي مرحلة الاختيارات المؤقتة.

وخلال الفترة من 28-32 سنة يمر كثير من الناس بفترة انتقالية، أي: أزمة إعادة تقويم؛ فبالنسبة لاختياره السابق قد يكتشف أنه تجاهل بعض مكونات ذاته، وهذا الجوانب من الذات تظهر على السطح حينئذ، ويكون عليه التعامل معها، كأن يكشتف الطبيب أنه أديبٌ فيتحول إلى العمل الصحفي، وبالطبع فإن بعض الناس قد يجدون أن المطابقة بين ما يقومون به من عملٍ وبين هويتهم ملائمة، وبالتالي يلتزمون بعملهم على نحوٍ أشدٍّ، ويرى ليفنسون أنه إذا لم يحدث مثل هذا الاقتناع عند حوالي سنة 34سنة، فإن الفرص تكون قليلة لأن تحقق الحياة المهنية للراشد رضًا عن عمله وعن هويته المهنية.

وفي الأغلب يستقر الراشد في مهنته مع بداية الثلاثينات من العمر، فهو عندئذ يكون على درجة من الالتزام العميق بمسئوليات العمل والأسرة، ويكون عليه تصميم الخطط والأهداف طويلة المدى لحياته وتنفيذها، وعلى الرغم من أنه يشعر بالاستقلال في عمله، إلّا أنه يكون -في الواقع- عرضة لكثيرٍ من القيود التي تفرضها قواعد العمل وأصول المهنة، وقد يدفعه ذلك إلى الانتقال إلى المرحلة التالية، وهي مرحلة تحقيق الذات المهنية.

وتحدث مرحلة تحقيق الذات المهنية ابتداءً من أواخر الثلاثينات، وحتى أوائل

ص: 412