الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار
"
تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة
…
الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين "الكبار"1
تتألف مشكلة تعليم الراشدين وتعلمهم التي نتناولها في الفصل من شقين؛ أولهما يتَّصِلُ بأولئك الذين لا يزالون أميين أو ارتدوا إليها لأسبابٍ تَتَّصِلُ بعجز الاستيعاب في التعليم الإلزامي، والتسرُّب من مراحل التعليم المختلفة، أو انتهاء التعليم عند مرحلة معينة، أو الفشل في التعليم العام النظامي، أما الشق الثاني فيتصل بأولئك الذين أنهوا سنوات التعليم الرسمية بالفعل ووصولوا بذلك إلى درجةٍ من المهارة والكفاية، ومع ذلك فإن ضرورات العصر تتطلَّب منهم أن يعيدوا التعليم بعد فترات زمنية معينة، وما يتصل بهذا كله من مفاهيم حول التعليم المستمر أو التعليم مدى الحياة، وبالطبع تُوجَدُ بين الفئتين جوانب مشتركة قليلة، وجوانب مختلفة كثيرة، ونبدأ الفصل بضبط المصطلحات والمفاهيم.
تعلم الراشدين "الكبار" والمفاهيم المرتبطة:
يذكر "Kidd &Titmus،1985" أن تعليم الراشدين يمتد بجذوره إلى الحضارات الإنسانية الكبرى: مصر وفارس والصين والهند، بل تكاد الأدلة تجمع على أنه سبق تعليم الصغار "الأطفال والشباب" في الصورة الرسمية له على شكل مدرسة، وكان للحضارة الإسلامية دور بارز في ذلك أيضًا إلى الحدِّ الذي يصفه المؤلفان بأن الإسلام صنع ما يُسَمَّى في الوقت الحاضر "مجتمع التعلم" Leaning Society" عبر ثقافات وشعوب مختلفة ضمتها الدولة الإسلامية في عصور ازدهارها.
وحينما أعيد الاهتمام بالموضوع ابتداءً من القرن الثامن عشر، وتزايده خلال القرن التاسع عشر، وتحوّله إلى منظومة رسمية في القرن العشرين، ظهرت بضع مشكلاتٍ يرتبط معظمها بتعدد المنظورات التي يدرك من خلالها
1 شاع في التراث العربي مصطلح "تعليم الكبار" ترجمة لمصطلح Adult Education، والأصح في رأينا أن يكون تعليم الراشدين، وهو المصطلح الذي سوف نستخدمه طوال هذا الفصل.
الموضوع، ولعلَّ أهمها ما يلي:
1-
منظور الطبقة الاجتماعية، والذي أدَّى إلى ظهور مفاهيم مثل: التعليم الشعبي والتعليم العمالي، إلخ.
2-
المنظور الوظيفي، والذي أدَّى إلى ظهور مفاهيم مثل: التعليم المهني، والتعليم الاجتماعي، والتعليم للموطنة، إلخ.
3-
منظور التعليم المبدئي initial، والذي أدى إلى ظهور مفاهيم مثل: التعليم المتواصل Further Education، والتعليم المستمر Continuint Education.
وقد استخدم في أحوال كثيرة محك العمر لتحديد جمهور تعليم الكبار "أو الراشدين"، وقد أشرنا في مطلع هذا الباب إلى أن العمر ليس محكًّا كافيًا للحكم على وصول المرء إلى مرحلة الرشد؛ فالرشد يعتمد في جوهره على محكَّاتٍ ثقافية في المجتمع، والمسئوليات الاجتماعية والاقتصادية التي توكَّل إلى الشخص، والنظام القانوني القائم، كما يتحدد سيكولوجيًّا بقدرة المرء على معاونة الآخرين على النضج، واندماجه واستمتاعه بسلوك ومهام الراشدين كما يحددها المجتمع، والاستقلال والتوجيه الذاتيين، وهذه العمليات كلها لا تعتمد على العمر الزمني وحده.
ففي بعض المجتمعات يتحدد التعليم الإلزامي "الأساسي" بسن معينة "14 سنة في مصر"، وعدد معين من سنوات التعليم "8سنوات حتى نهاية التعليم الإعدادي في مصر"، بعده يصبح التعليم اختياريًّا، وعندئذ يُعَدُّ الشخص من الراشدين؛ حيث يحقّ له العمل، وفي بعض المجتمعات الأخرى يعتبر تعليم الراشدين خارج المنظومة الرسمية للتعليم ابتداءً من التعليم الابتدائي، وحتى التعليم العالي، مهما كان عمر الملتحقين به.
وقد حاول البعض تعريف تعليم الراشدين باعتباره عملية لا ترتبط بالعمر الزمني؛ حيث يحقُّ للأشخاص الذين أنهوا الحلقة المبدئية من تعليمهم المستمر أن يواصلوا بأنشطة متتابعة ومنظمة لتنمية معلوماتهم ومعارفهم ومهاراتهم واتجاهاتهم.
وظلَّ الموضوع غير محدد المعالم حتى تقرَّرَ في المؤتمر العام لليونسكو، الذي انعقد عام 1976 بحضور 142 دولة، الاتفاق على تعريفٍ لتعليم الراشدين "الكبار" يتضمن العناصر الآتية:
1-
العمليات التربوية المنظمة التي تؤدي إلى إطالة التعليم المبدئي أو الحلول محله في المدارس والكليات والجامعات، وكذلك التلمذة الصناعية.
2-
يشمل المصطلح هذه العمليات سواءً رسمية أو غير رسمية.
3-
توجه هذه العمليات إلى الأشخاص الذين يعتبرون راشدين بمعايير المجتمع الذي ينتسبون إليه، وذلك بتنمية قدراتهم وإثراء معارفهم، وتجويد مؤهلاتهم الفنية والمهنية، أو تحويلهم إلى مسارات جديدة، وإحداث تغيرات في اتجاهاتهم وسلوكهم.
4-
يهدف ذلك إلى تحقيق التنمية ببعديها: النمو الشخصي الكامل من ناحية، والمشاركة في التنمية المستقلة والمتوازنة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا من ناحيةٍ أخرى.
الافتراضات الأساسية في تعليم الراشدين:
يستند تعليم الراشدين إلى مجموعة الافتراضات الأساسية هي:
1-
الراشد إنسانٌ حُرٌّ مسئولٌ عن أفعاله، ومن هنا تكون له الحرية في المشاركة في أيِّ خبرةٍ تعليمية يختارها، وفي تحديد محتوى طبيعة هذه الخبرة.
2-
يحتاج الفرد والمجتمع إلى استمرار التعليم طوال حياة الراشد؛ فالراشدون جميعًا يحتاجون إلى التعليم، إلّا أن هذه الحاجة تكون أشد عند أولئك الذين تلقوا من التعليم قدرًا أقلَّ في مراحل نموِّهم السابقة "الطفولة والصبا والشباب"، ولهذا تكون لهؤلاء أولوية في تقديم هذه الخدمات التربوية.
3-
مع التقبُّل المتزايد لمبدأ التعلُّم مدى الحياة، سادت فكرة أن التعليم حقٌّ لكلِّ فردٍ مهمَا كان عمره.
وقد حظيت هذه الافتراضات بقبولٍ واسع النطاق على مستوى النظرية، إلّا أن الممارسة كشفت عن قدر لا بأس به من المشكلات، سواء في تفسير المبادئ، أو في الصراع فيما بينها، أو في المواءمة بين هذه المبادئ والتوجهات السياسية والفلسفية والاقتصادية السائدة في المجتمع، أو في مدى تكييفها لمواقف عملية واقعية.
ومن أمثلة هذه المشكلات الصراع بين حاجات الأفراد وحاجات المجتمع، ومسألة أن مشاركة الراشدين في التعليم اختيارية مع زيادة الطلب في بعض المهن على التعليم المهنيّ المستمرّ، وموضوع الاهتمام في تعليم الراشدين بأولئك الذين
لم يكن لهم حظٌّ كبيرٌ منه في مراحل حياتهم السابقة، لحساب غيرهم في الوقت الذي يتعرض الجميع فيه لتغيرات اجتماعية وثقافية متسارعة تتطلب استمرار التعليم.
بعض المفاهيم الأخرى المرتبطة:
على الرغم من الجهود التي بُذِلَتْ للوصول إلى تعريفٍ دقيقٍ لتعليم الراشدين وتعلمهم، إلّا أن ذلك لم يتحقق تمامًا، ولهذا ظهر في الميدان عدد من المفاهيم الأخرى تضاهيه أو تصوبه أو تضبطه أو تتجاوزه، إلّا أنها لم تخلُ أيضًا من قدرٍ من الاختلاف، وهذه المفاهيم هي:
1-
التعليم اللارسمي: وقد استُخْدِمَ هذه المفهوم منذ أوائل الستينات كبديلٍ لمصطلحٍ أقدم منه، وهو "التعليم الاجتماعي"، إلّا أن المطابقة بين هذا المفهوم وتعليم الراشدين ليس مقبولًا تمامًا؛ فالتعليم اللارسمي يمكن، بل يجب أن يستخدم مع الأطفال والشباب أيضًا.
ومن المصطلحات المرتبطة مفهوم "التعليم غير الرسمي" الذي استُخْدِمَ منذ فترةٍ مبكرةٍ أيضًا، ولكنه سرعان ما اختفى، فمن المعلوم أن قدرًا كبيرًا من تعليم الراشدين في الوقت الحاضر جزء من منظومة التعليم الرسمي.
ويسود اتجاه في الوقت الحاضر إلى التحديد الدقيق للمفاهيم الثلاثة: التعليم الرسمي واللارسمي وغير الرسمي بحيث تصلح للاستخدام مع الأطفال والشباب والراشدين جميعًا من خلال منظومةٍ كليةٍ ومتكاملة للتربية؛ فالتعليم الرسمي يستخدم في وصف المنظومة المرتبة حسب العمر، ابتداءً من المدرسة الابتدائية وحتى التعليم الجامعي والعالي، وتشتمل الدراسة الأكايمية والبرامج المتخصصة والتدريب المهني.
أما التعليم اللارسمي informal فهو عملية تعليم مدى الحياة؛ حيث يكتسب بها جميع الأفراد الاتجاهات والقيم والمهارات والمعارف من خبرات الحياة اليومية، ومن التأثيرات، والمصادر التربوية في البيئة دون تخطيط منظَّمٍ مقصودٍ لهذا التعلم.
أما التعليم غير الرسمي nonformal فيمكن تعريفه بأنه أيُّ نشاطٍ تربويٍّ منظَّمٍ خارج المنظومة الرسمية المؤسسية للتعليم "المدرسة أو المعهد أو الكلية" سواءً أكان منفصلًا أم جزءًا من نشاط تربوي أكثر اتساعًا؛ بحيث يقدَّمُ إلى جمهور تعلم محدد، ويسعى لتحقيق أهداف واضحة.
2-
التعليم المناوب: منذ أوائل السبعينات ظهر مصطلح آخر "وخاصةً في أوربا" هو التعليم المناوب Recurrent Education، ويُعَرَّفُ بأنه استراتيجية تعليمية شاملة لجميع المواطنين بعد المرحلة الإلزامية من التعليم "التعليم الأساسي"، تمتد على نطاق المدى الكليّ لحياة الإنسان بطريقة تناوبية، حيث يحل التعليم على فترات متقطعة محل أنشطةٍ أخرى؛ مثل: العمل ووقت الفراغ والتقاعد، حسب الحاجات الفردية للمتعلمين، والحاجات المتغيرة لسوق العمل.
والتعليم المناوب بهذا المعنى هو عملية تعلُّم مدى الحياة، يتضمن مشاركة متقطعة ودورية في البرامج التربوية سعيًا لإذابة الفوارق بين التعليم والأنشطة الأخرى، وخاصةً العمل، تحقيقًا لمبدأ التنمية المتواصلة مدى الحياة "Houghton & richardson، 1974".
3-
التعليم المستمر: يعرف "Thomas، 1981" التعليم المستمر Continaing Education بأنه نظام في التعليم يشمل التعليم الرسمي وغير الرسمي، يتحدد مكوناته ومؤسساته في ضوء أهداف تربوية محددة، وليس في ضوء العمر الزمني أو ظروف المتعلمين.
ومعنى ذلك أن التعليم المستمر يجب أن يتاح للجميع في جميع الأعمار، سواء أكان إجباريًّا أم اختياريًّا، أو كان يتطلب التفرغ الكامل أم عدم التفرغ.
ويختلف التعليم المستمر عن غيره من الأنشطة التربوية في المجتمع بأنه يعطي الشخص اعترافًا عامًّا أو شهادةً لمن يكمل برامجه، وهو بذلك يتطابق مع ما يُسَمَّى في الوقت الحاضر التعليم المفتوح Open Education، أو ما كان يُسَمَّى حتى عهد قريب التعليم المتواصل Further Education، وفي جميع الأحوال فإن التعليم المستمر هو نوع من التعلم وإعادة التعلم، والتدريب وإعادة التدريب لمواجهة المطالب المهنية والشخصية المتزايدة والمتجددة "Houghton، Richardson، 1974".
4-
التعليم مدى الحياة: لعل مفهوم التعليم مدى الحياة Lifelong Education هو أكثر المفاهيم شيوعًا في الوقت الحاضر، وهو بالطبع أكثر المفاهيم ارتباطًا بموضوع هذا الكتاب الذي يتناول النموَّ مدى الحياة Life-span Devekopment.
ويقصد بالتعلُّم مدى الحياة: العملية التي يستمرُّ بها الإنسان في تنمية معارفه ومهاراته واتجاهاته عبر مدى حياته من الطفولة حتى الشيخوخة "وسوف نشير في
الباب التالي إلى مسألة تعليم المسنين"، وهو نوع من النمو والتنمية الموجهين ذاتيًّا، ويتطلب ذلك فهم المرء لذاته وللعالم المحيط به، سواء كان ماديًّا أو اجتماعيًّا، واكتساب مهارات جديدة، أي: الاستثمار الذاتي.
وبالطبع فإن هذه العملية قد تتم في إطار ما يُسَمَّى التعليم مدى الحياة Lifelong Education، والمقصود بذلك أن يتمَّ التعلُّم Leatning من خلال إجراءات منظمة تهيئ للناس فرص تحقيق هذا التعلم "راجع تمييزنا بين التعلم والتعليم في كتابنا علم النفس التربوي"، فالتعلُّم مدى الحياة، وتعلُّم الكبار، يشيران إلى نمطٍ أساسيٍّ من أنماط السلوك الإنساني، بينما تعليم الكبار، والتعليم مدى الحياة يشيران إلى الخبرات المنظمة والمتتابعة التي تُعَدُّ لمقابلة حاجات المتعلمين، وهكذا يكون التعليم مدى الحياة هو الوسيلة التي يتحقق بها التعلُّم مدى الحياة، باعتباره التغيُّر المستمر الحادث في سلوك الإنسان.
فالتعلم مدى الحياة -إذن- يشمل المدى الكليّ لحياة الإنسان "النمو مدى الحياة"، ويؤدي إلى اكتسابٍ منظَّمٍ للمعارف والمهارات والاتجاهات، أو تجديدها أو تطويرها أو استكمالها، كلما دعت الحاجة والضرورة إلى ذلك، استجابةً للظروف والأحوال المتغيرة في الحياة المعاصرة، تحقيقًا لمبدأ الوفاء بإمكانات الذات Self-Fulfimint لدى كل فرد، ويُعْتَمَدُ في تحقيق ذلك على نجاحه في تنمية قدرة الفرد ودافعيته للاندماج في أنشطة التعلم الموجهة ذاتيًّا Selef-directd "Cropey 1980"، على أن تستمرَّ في ذلك جميع موارد التعلم، سواء كانت رسمية أو لا رسمية أو غير رسمية، مع إحداث التكامل الواجب بين جميع بنى التعليم ومراحله على أساس البعد الرأسي "الزمني"، والبعد الأفقي "المكاني"، مع توفير خاصية المرونة والتنوع عبر الزمان والمكان والمحتوى وأساليب التعليم "Dave، 1976".