الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نمو الشخصية:
إن نمط شخصية الطفل التي توضح أسسه في مرحلة الرضاعة، تبدأ في التشكيل في مرحلة الطفولة المبكرة؛ ففي هذه المرحلة يتعلَّمُ الطفل أن يفكر في ذاته ويشعر بنفسه كما تتحدد بالآخرين، وتنمو صورته عن نفسه، أو مفهومه لذاته، من طريقة معاملته من جانب والديه وغيرهما من الآخرين؛ كالإخوة والأقارب، وإدراكه هو لمفهومهم عنه، وهكذا تحدد العلاقات الأسرية خاصةً طبيعة مفهوم الذات، وقد يكون لاتجاهات الأم نحو الطفل ومعاملتها له أثرٌ مميزٌ هنا، بسبب الدور الخطير الذي تلعبه في حياة الطفل، كما يلعب دورًا هامًّا أيضًا نظام التدريب الذي يُسْتَخْدَمُ مع الطفل في المنزل؛ فإذا كان النظام تسلطيًّا عقابيًّا فإنه يؤدي بالطفل إلى تنمية الشعور بالتمرد على السلطة والعدوان من ناحية، أو إلى الاستجابات الانسحابية الانطوائية من ناحيةٍ أخرى.
وتلعب المطامح والتطلعات التي يحددها الوالدان للطفل دورًا هامًّا في تكوين مفهوم الذات عنده، فإذا كانت أعلى من مستوى الطفل، فإن الفشل يسلمه إلى الإحباط والقلق، وعلى الرغم من أن بعض الأطفال يتجاهلون الفشل في هذه المرحلة إلّا أن معظمهم يستجيبون له بطلب المساعدة أو استخدام التبرير، أو الإسقاط، ومهما كانت طبيعة استجابة الطفل، فإن الفشل يترك أثرًا واضحًا في مفهوم الذات، ويضع الأساس لمشاعر النقص والدونية وعدم الكفاءة.
وعندما تقترب هذه المرحلة من نهايتها، ويصبح الطفل على أعتاب دخول المدرسة، تكون معالم شخصيته قد تحددت؛ بحيث يمكن تمييز خصائصها وسماتها، فبعض الأطفال يتسمون بالقيادة، والآخرون بالتبعية، وبعضهم يميلون إلى الظهور، والآخرون ينشدون البعد عن الأضواء، وهكذا يتوجه الطفل إلى أن تصبح معالم ذاتيته متفردة، وهذه الفردية تتأثر كثيرًا بالخبرات الاجتماعية المبكرة خارج المنزل.
ولكي تنمو شخصية الطفل في هذا الطور نموًّا سليمًا، فيجب أن يتجاوز أزمتين هامتين أشار إليهما إريك إريكسون، وهما:
1-
أزمة الاستقلال الذاتي في مقابل الشعور بالعار والشك: تحدث هذه الأزمة خلال المرحلة التي يسميها فرويد: المرحلة الشرجية خلال السنة الثانية من العمر، وفيها يختبر الطفل والديه وبيئته، ويتعلم ما يستطيع وما لا يستطيع التحكم فيه، ويتطلب ذلك تنمية الشعور بالتحكم الذاتي دون فقدانٍ لتقدير الذات؛ حيث يشعر الطفل بحرية الإرادة، والتحكم الزائد من جانب الوالدين يغرس في الطفل شعورًا بالشكِّ في إمكاناته، وبالعار بالنسبة إلى حاجاته أو جسمه، ويبدأ شعور الطفل بالاستقلال الذاتي في النموّ منذ لحظة تحرره من الأم "بالفطام"، ويعتمد ذلك على نموِّ مشاعر الثقة في المرحلة السابقة.
وتتأثر هذه المرحلة بنضج الجهاز العضلي مع زيادة قدرة الطفل على الاحتفاظ بالأشياء أو طردها وإخراجها، وخاصة فضلات الجسم؛ فإفراغ المثانة "من البول"، والأمعاء "من البراز"، لا يؤدي بالطفل إلى الشعور بالراحة فحسب، ولكن يؤدي به أيضًا إلى الشعور بقدرته على التحكم في نظام الإخراج لديه.
ويرى إريكسون أن هذا الشعور الجديد بالقوة لدى الطفل، هو أساس نموِّ شعوره بالاستقلال الذاتي، وإحساسه بقدرته على أن يصنع الأشياء بنفسه، وفي نفس الوقت فإنه يخاطر بالتسرع على نحوٍ يوقعه تحت طائلة رقابة المحيطين به، ومعنى ذلك أن الطفل في هذه المرحلة عليه أن يحقق التوازن بين صرامة الأب التي تجعل الطفل يدرك أنه يعيش في عالمٍ يمنعه من تجاوز الحدود من ناحية، ومرونة الأم وصبرها، واللذان يسمحان للطفل بإحراز تحكمٍ مناسبٍ وبالتدريج في المثانة والأمعاء من ناحيةٍ أخرى، فإذا كان الضبط الخارج جامدًا متصلبًا ملحًّا، فإن الطفل يحاول التحكم في المثانة والأمعاء قبل أن يكون قادرًا على ذلك، وهنا يواجه الطفل ما يسميه إريكسون "Erikson 1959" بالتمرد المزدوج والفشل المزدوج". إنه يكون عاجزًا عن التعامل مع جسمه ومع بيئته الاجتماعية "الوالدين" معًا، وهنا يجد الطفل في البحث عن الحلِّ إما بالنكوص إلى الوراء إلى أنشطة المرحلة الفمية "مثل مصّ الأصابع" أو التظاهر بالتقدم إلى الأمام عن طريقة التحول إلى العدوان والعناد؛ فقد يتظاهر بأنه أحرز التحكم، وذلك برفض مساعدة الآخرين، على الرغم من أنه عاجز في الواقع عن تحقيق هذا الاستقلال.
ويرى إريكسون أن الوالدين اللذين يفرضان على العقل قواعد تدريب صارمة على الإخراج في هذه المرحلة "أي: في سن سنتين" قد يؤثران في النموّ الوجداني والانفعالي بتحويله في المراحل التالية "ومنها مرحلة الرشد" إلى شخصٍ يشعر بالقهر والقسر والإلزام، ويتسم بالبخل في المال وبالتقتير في الوقت