الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نموّ الكلام:
توجد ثلاثة صور من المواد الأولية للغة الطفل تظهر بالتتابع هي: الصراخ والمناغاة والإيماءات، والصراخ هو أكثر شيوعًا خلال الشهور الأولى من الحياة، أما المناغاة فهي الأكثر أهميةً؛ لأن منها تنمو لغة الكلام العاديّ عند الإنسان.
وفي مرحلة الرضاعة يطرأ على الصراخ تغيرات هامة، فصراخ الوليد يصبح بعد عدة أسابيع متميزًا إلى الحدِّ الذي يمكن أن نفهم من نغمة الصرخة وحِدَّتها، ومن الحركات الجسمية المصاحبة لها، ماذا يريد الطفل؛ فالألم مثلًا يتم التعبير عنه بصرخات عالية مرتعشة تقطعها تأوهات "وما يشبه الأنين" وتشنجات، وصرخات الجوع تكون عالية وتقطعها حركات المصّ، وبصفة عامة تتمايز صرخات الرضيع بِحِدَّتِهَا وليس بمعناها.
وعادةً ما يكون الجوع والشعور الزائد بالحَرِّ هما السببان الرئيسيان لمعظم صراخ الأطفال في الأسابيع الأولى من حياتهم، ومع نموّ الطفل يكون الألم هو السبب الرئيسي، "وخاصة الآم سوء الهضم"، كما يسبب الصراخ أيضًا تعرض الطفل لمثيراتٍ حسية قوية، أو الاضطراب العنيف له أثناء النوم، أو الفشل في القيام باستجابة مقصودةٍ؛ مثل العجز عن الحركة بسبب إحكام الأغطية، أو فقدان اللعبة أو بعدها عنه، أو البعد عن الاتصال بالآخرين، أو الوجود في أماكن غريبة.
وحالما يصل الطفل إلى شهره الثالث يتعلم أنَّ الصراخ طريقةٌ مؤكدةٌ للحصول على انتباه الآخرين؛ ففي الشهر الرابع يصرخ الطفل عندما تتوقف الأم "أو الأب" عن اللعب معه، وفي الشهر الخامس يزيد صراخه إذا دخلت الأم الغرفة دون أن تعيره انتباهًا، ويزداد معدل صراخ الأطفال الأعلى ذكاءً عن أولئك الأقل ذكاءً. كما أن الأطفال الذين تشبع حاجاتهم بانتظامٍ يكونون أقلَّ صراخًا من أولئك الذين تشبع حاجاتهم بتقطع أو يُؤَجَّلُ إشباعها.
ومع نموّ الجهاز الصوتي للطفل يصبح قادرًا على إصدار عددٍ كبيرٍ من الأصوات الانفجارية، وبعض هذه الأصوات يبقى ويتحول إلى مناغاة، والتي تبدأ كنوعٍ من اللعب العشوائيّ، ويهدف منها الطفل إلى الاتصال أو التعبير، ومع مرور الوقت تتحول إلى كلامٍ حقيقيٍّ، وتبدأ المناغاة بمقطَعٍ واحد يتكرر، ثم بمقطعين وأكثر، وهذا ما يجعلها وكأنها حديثٌ أو لغةٌ يوجهها الطفل كيفما اتفق وحينما يشاء، وبعض هذه المقاطع يبقى ليكوّن أساس الكلام الفعلي، كما أن عدد الأصوات التي يحدثها الطفل في المناغاة يتزايد بالتدريج، وبالممارسة والتدريب يربط الطفل بين عددٍ من الحروف الساكنة والمتحركة مثل "ما -ما" و"داد- داد" و"نا-نا"، وتبدأ المناغاة في الشهر الثاني أو الثالث، وتصل إلى قمتها في الشهر الثامن، ثم تختفي بالتدريج ليظهر الكلام العادي.
ويستخدم الطفل الصغير الإيماءات كبديلٍ للكلام، بينما يستخدمها الطفل الكبير كإضافات إلى الكلام وتأكيد له، ومن الإيماءات التي تشيع في هذه المرحلة مد الذارعين والابتسام، وهو ما ينقل فكرة أن الطفل يرغب في أن تحمله الأم، ويستطيع الطفل في هذه المرحلة أن يُفْهَمَ من تعبيرات الوجه ونغمة الأصوات وإشارات المتحدث ما يقصده، ولا يستطيع بلوغ هذا الفهم من محض أصواته فقط، والطفل يمكنه أن يفهم السرور والغضب والخوف منذ الشهر الثالث، ويحتاج الطفل حين يبلغ الشهر الثامن إلى أن يُعَزَّزَ بالإيماءات التي تصدر عن الكبار حتى يمكنه فهم المعاني، وفي سن سنتين يستطيع الطفل المتوسط أن يفهم إلى الحد الذي يمكنه الاستجابة الصحيحة لبعض التعليمات على النسق الذي نجده في بعض اختبارات ذكاء الأطفال "مثل اختبار ستانفورد -بينيه".
وتعلم الكلام في هذه المرحلة يتضمن التدريب على نطق الكلمات على النحو الذي يجعلها مفهومة للآخرين، والربط بين المعاني والكلمات التي تدل عليها، وبالتالي تتكون مفردات من الكلمات المستخدمة في أغراض الاتصال، والربط بين هذه الكلمات لتؤلف الجمل، وهذه المهام لا تتضمن فقط التحكم في الجهاز الصوتي، وإنما القدرة على فهم المعاني والربط بينها وبين الكلمات التي تقوم بدور الرموز على هذه المعاني، وتَتَكَوَّنُ المفردات اللغوية لدى الرضيع من الأسماء التي ترتبط بالأشخاص والأشياء في بيئته، والأفعال التي تدل على نشاط معين، وفي نهاية هذه المرحلة يكتسب بعض الكلمات الدالة على النعوت والظروف، ويندر استخدام الجمل الخبرية والجمل الربطية والضمائر في هذه المرحلة، وهكذا تتحدد في هذه المرحلة أسس النشاط اللغوي الذي يزداد نموًّا وتحسنًا ورقيًّا في المراحل التالية، ولابد من التنبيه إلى مخاطر تأجيل النموّ الكلامي في هذه المرحلة.