الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب
"
طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)
…
الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي "الشباب":
يشير القرآن الكريم إلى طورٍ في النمو الإنساني هو "بلوغ السعي"، في حوار إبراهيم مع ابنه، حيث يقول تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَي
…
} [الصافات: 102] ويذكر القرطبي في تفسير ذلك، أن المقصود به أن الولد بلغ المبلغ الذي يسعى مع أبيه في أمور دنياه، معينًا له على أعماله، وقال مجاهد: أي شبَّ وأدرك سعيه سعي إبراهيم، وقال الفراء: كان إسماعيل يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنة، وقال ابن عباس: هو الاحتلام، وقال قتادة: مشى مع أبيه، وقال الحسن ومقاتل: هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة، وقال ابن زيد: هو السعي في العبادة، وقال ابن عباس: صام وصلى.
وهكذا نجد أن التفسيرات القديمة تختلف فيما بينها في معنى "بلوغ السعي"، وتمتد بهذ الطور من مطلع البلوغ أو المراهقة "ابن ثلاث عشرة سنة، الاحتلام"، وحتى بلوغ الرشد "سعي العقل الذي تقوم به الحجة"، إلّا أننا نرى -والله سبحانه وتعالى أعلم- أن هذا الطور يمثل مرحلة انتقالية أخرى قبل وصول الإنسان إلى الرشد، ويمكن أن نطلق عليه طور "الشباب"، وهو طورٌ أعلى من المراهقة وأدنى من الرشد.
طبيعة طَوْرِ بلوغ السعي "الشباب":
بلوغ السعي "مثله مثل البلوغ الجنسي أو المراهقة"، مرحلة جديدة في الحياة الإنسانية، أحدثها في حياة الإنسان المجتمع الحديث الذي يتسم بالتعقد والتغير Kimmel 1980" 1" وقد قدم مصطلح الشباب "الذي يقابل المصطلح القرآني بلوغ السعي" في سيكولوجية النموِّ الحديثة ليتعامل مع فترة ما بعد اكتمال البلوغ الجنسي أو المراهقة، وقبل ظهور علامات الرشد التي يجب أن نأنسها في الإنسان، ويذكر كنيستون "Kinistan 1971" أن الأشخاص الذين يستغرقون فترة طويلة
1 من مظاهر الإعجاز السيكولوجي للقرآن الكريم أنه أشار إلى هذا الطور منذ أربعة عشر قرنًا، على الرغم من أن ضروراته لم تظهر إلّا في القرن العشرين.
من الزمن حتى يصلوا إلى الرشد بمعناه الاقتصادي الاجتماعي التعليمي "وهو في وقتنا الحاضر يكون عند حوالي سن الخامسة والعشرين" يمكن أن يقال عنهم أنهم دخلوا مرحلة نمو اختيارية optional period هي طور الشباب.
ووصف هذا الطور بأنه "مرحلة اختيارية" وصفٌ هامٌّ؛ لأن بعض الأشخاص قد تظهر عليهم علامات الرشد دون حاجة إلى ذلك، وخاصةً أولئك الذين ينهون تعليمهم مع نهاية المرحلة الإعدادية "عند حوالي سن 15سنة" ويدخلون سوق العمل مبكرين "عند حوالي هذا السن"، وقد يتزوجون ويكوّنون أسرة حالما يسمح القانون بذلك "عند حوالي سن 18 سنة"، فهؤلاء جميعًا اختاروا -أو اختير لهم- الانتقال مباشرة من المراهقة إلى الرشد.
وهكذا يصبح الشباب كطورٍ جديدٍ في حياة الإنسان مرحلة انتقالية أخرى، تتم فيها التغيرات اللازمة للتحول إلى الرشد، وهذا التغيرات وما تتطلبه من تكيفات لمكانة الرشد ومستوياته من السلوك، تبدأ -كما بينا في الفصل السابق- أثناء البلوغ والمراهقة، إلّا أن ظروف العصر الذي نعيش فيه تطلَّبَت أن تظل مستمرة في الحدوث حتى تكتمل في مرحلة الشباب، إنها فترة وسيطة بين الحريات السابقة والمستويات والمسئوليات اللاحقة، وهي آخر مواقف التردد قبل أن يلتزم المرء بالتزامات الراشد بالعمل والأسرة؛ ولأن معظم مواقف التغيرات العظمى في الجسم والسلوك تكون قد حدثت بالفعل أثناء المراهقة، فإن طور السعي أو الشباب يكون عادةً مرحلة انتقال تدريجي أكثر بطئًا من الطور السابق، يصدق هذا على التغيرات الجسمية صدقه على التغيرات النفسية، ولعل هذا الإيقاع البطيء للنمو في هذه المرحلة، يهيئ المرء أن ينتهي من المرحلة الأولى من نموه بسلام، لينتقل إلى المرحلة الثانية من حياته؛ فالمرحلة الأولى توشك أن تنتهي بالشباب وينتهي معها "الضعف الأول"، الذي أشار إليه القرآن الكريم، كما يوشك أن يولد العصر الجديد، مرحلة "القوة" و"بلوغ الأشد" حسب الوصف القرآني البليغ، وحتى يتم هذا الانتقال على نحوٍ يتضمن خصائص "الصحة" و"السلامة" أكثر من "الاضطراب" و"الخلل"، كان لا بُدَّ أن يحدث هذا التدرج والبطء البديع، أليس في هذا معنى جديد للإعجاز الإلهي في نمو الإنسان؟
وإذا كان كلٌّ من المراهقة والشباب طورين جديدين في النمو الإنساني انتجتهما الثورة الصناعية التكنولوجية المعرفية الحديثة، إلّا أن بينهما اختلافٌ جوهري؛ فالمراهقة -كما بينا في الفصل السابق- يمكن تحديدها بيولوجيًّا واجتماعيًّا وسيكولوجيًّا، أما الشباب فهو ظاهرة اجتماعية سيكولوجية في جوهره، ولولا