الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
التركيب العمري للمجتمع: فإذا كان متوسط الأعمار في ازديادٍ فإن الشخص الذي يُعَدُّ في مرحلة الشيخوخة، ربما يكون الآن في عمر أكبر مما عليه الحال في مجتمع متوسط الأعمار فيه أقل، فكيف يصف شخص نفسه أنه في مرحلة الشيخوخة وهو في سن الستين، بينما توجد نسبة كبيرة من السكان في السبعينات أو الثمانينات من العمر.
4-
الشعور الذاتي: على الرغم من أن التعريفات الاجتماعية تسهم في الوعي بالعمر، إلّا أن هناك دائمًا الحكمة القائلة بأنك "شاب طالما أنك تشعر بذلك"، وهذا يعني أن المحكات الذاتية أو السيكولوجية هي الأهم؛ فاعتقاد الشخص أنه يستطيع أن يتعلم "وقد يلتحق بإحدى مؤسسات تعليم الكبار لهذا الغرض" أو أنه ليس في حاجة للاعتماد على أحد "الاستقلال"، تُعَدُّ مؤشرات على عدم الشعور بتدهور الشيخوخة، وفيها إنكارٌ لأثر التقدم في السن، ومثل هذا الشخص حين يسأل عن عمره بالإنجليزية يقول بأنه "eighty years young" 1، والأشخاص الذين لديهم مثل هذا الاتجاه لا يتأثرون نسبيًّا بالتقاعد من العمل أو شيب الشعر، فهم لا يشعرون بالشيخوخة إلّا إذا سقطوا صرعى المرض، أو تعرضوا لمشكلة توافق صعبة مثل: وفاة شريك العمر.
1 هذا على عكس التعبير الإنجليزي التقليدي وهو eighty years old.
عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:
أُجْرِيَتْ دراساتٌ لتحديد العوامل التي تميز بين التوافق الجيد والسيئ عند كبار السن، ونتائج البحوث تفصيلية إلى حد يصعب إيجازه، ومع ذلك نستطيع القول بصفة عامة: إن أهم هذه العوامل هي: الصحة العامة، الوضع الاقتصادي، المشاركة في الحياة العامة، الهوايات، المحافظة على الروابط الأسرية والاجتماعية، وجود اتجاهات موجبة نحو الذات ونحو المستقبل.
إلّا أن العلاقات بين هذه العوامل وتوافق المسنين ليست بسيطة وواضحة كما تبدو لأول وهلة، فهي مثلًا تختلف باختلاف المستويات الاقتصادية -الاجتماعية، ومن ذلك مثلًا أن زيادة الأصدقاء والأبناء والأحفاد ترتبط ارتباطًا موجبًا بالروح المعنوية عند المسنين من المستويات الاقتصادية -الاجتماعية الدنيا. وأن ما يعين على التوافق الجيد لدى المسنين من الطبقة المتوسطة ليس المشاركة المستمرة، وإنما الانعزال التدريجي.
ولتحديد أنماط التوافق لدى المسنين قام "Richard، et al.، 1962" بدراسة طولية هامة أُجْرِيَتْ على 78 رجلًا امتدت أعمارهم عند بداية البحث بين 55، 84 عامًا نصفهم من المتقاعدين تمامًا، ونصفهم الآخر لم يتقاعدوا كليةً، وكان الهدف من الدراسة تحديد أثر التقاعد بالإضافة إلى التغيرات في الشخصية مع التقدم في العمر، وكلاهما من خصائص توافق المسنين، ولعل من أهم نتائج هذا البحث أنه أضاف أبعادًا جديدة إلى مسألة التوافق الجيد للمسنين؛ فقد أوضح التحليل التجمعي لمعاملات الارتباط بين المسنين عندما صنفوا إلى مجموعتين؛ إحداهما تتسم بالتوافق الجيد، والأخرى بالتوافق السيئ، في 115 متغيرًا من متغيرات الشخصية، وجود ثلاثة أنماط أساسية من التوافق السيئ، ونمطين أساسيين من التوافق السيئ، بالإضافة إلى عدد من الأنماط الفرعية، وكانت الأنماط الثلاثة للتوافق الجيد هي:
1-
النمط الناضج mature، ويشمل هؤلاء الأشخاص الذين يتميزون بالواقعية والمرونة واليسر في التعامل مع الذات والآخرين، وهم أكثر الأفراد تحقيقًا لما يُسَمَّى الشيخوخة السعيدة.
2-
نمط الكرسي الهزاز rockign-chair، ويشمل أولئك الذين يعتمدون على غيرهم "وخاصة شريك العمر أو أحد الأبناء"، ويتَّسم الشخص الذي يعتمد عليه المسن عادةً بالسيطرة في علاقته به. ويستمتع المسنون من أصحاب هذا النمط بهذه العلاقة الاعتمادية.
3-
النمط المدرع armored، ويشمل الذين تسيطر عليهم حيلهم الدفاعية ضد القلق، ويظلون قادرين على ممارسة نشاطهم على النحو المعتاد في المجتمع، وفي العلاقات الاجتماعية لأسباب دفاعية في جوهرها، إنهم يشغلون أنفسهم كثيرًا حتى يتجنبوا التفكير في الموت أو في تقدمهم في السن، وطالما ظل هؤلاء قادرين على الاستمرار في نشاطهم وإيجابيتهم، فإنهم يستطيعون التوافق مع سنوات الشيخوخة.
أما النمطان الأساسيان للتوافق السيئ فهما:
1-
النمط الساخط angry، وهم الذين يظهرون المرارة والعداوة ويلومون الآخرين على متاعبهم ومصاعبهم، ويوجهون عداوتهم في الأغلب نحو من هم أصغر سنًّا.
2-
النمط الكاره للذات self-hater، وهو الذي يوجه العداوة إلى نفسه، فيشعر بعدم الكفاية، ويفقد شعوره بقيمته، مما يؤدي به إلى الاكتئاب والانقباض، ويدرك هؤلاء أنفسهم ضحيةً للظروف السيئة التي تعرضوا لها، وقد يشعرون بكثيرٍ من الندم على ما فات، وإسرافهم على أنفسهم في الماضي، وقد يطلبون الموت تحررًا من شعورٍ حادٍّ بالقنوط.
وقد توصَّلَ بحث آخر قام به "Neugarten، et al.، 1968" إلى نتائج تتفق جزئيًّا مع النتائج السابقة، فقد حدد هذا البحث أنماط توافق المسنين في أربعة أنماط للشخصية، هي استمرار لما كانت عليه عبر مدى الحياة، وتنتقل إلى المسن في مرحلة الشيخوخة وهي:
1-
النمط المتكامل: وهو أقرب للنمط الناضج السابق؛ فأصحابه يقررون لأنفسهم أنماط نشاطهم وطريقتهم في التوافق، ولديهم نمط شخصية سوي، كما يمكنهم إعادة تنظيم أنماط سلوكهم حسب ضرورات المواقف المتغيرة، وبالتالي فهم أكثر المسنين توافقًا، وقد يكون هؤلاء من ثلاثة أنماط فرعية.
أ- نمط إعادة التنظيم: وهم المسنون ذوو أفضل درجة من التوافق في الحضارة الصناعية المعقدة الحديثة؛ فهم يعيدون تنظيم حياتهم مع التقدم في السن بحثًا عن أنشطة وأدوار جديدة تحلُّ محلَّ القديم والمفقود منها.
ب- النمط المتبأور focused: وهم الذين يحدون من نطاق نشاطهم تدريجيًّا مع التقدم في السن، وبذلك يفضلون تركيز طاقتهم وبلورة انتباههم على الأنشطة التي يستمتعون بها في طور الشيخوخة والتخلي عما سواها.
جـ- نمط التحرر من الالتزام: وهم الذين يحققون المواصفات التي تتوافر لدى أولئك الذين تصفهم نظرية كاننج وزملائه، التي وصفناه في الفصل التاسع عشر، وبحوثهم التي سنعرض لها بعد قليل. ويإيجازهم أولئك الذين يختارون إراديًّا البعد عن بعض الأدوار الاجتماعية، ولكنهم في نفس الوقت لديهم اهتمام بالعالم المحيط بهم، وهم على درجة من القدرة على توجيه الذات، ولديهم تقدير عام لأنفسهم.
2-
النمط المدَّرع أو الدفاعي: وهو أقرب إلى نظيره في البحث السابق، وأصحابه لديهم قدرة كبيرة على التحكم في دوافعهم سعيًا لبناء نظام دفاعي قوي
ضد قلق الشيخوخة، ويوجههم دافع الإنجاز، ولديهم شعور قويٌّ بالرضا عن حياتهم، ولذلك يظلون على درجة كبيرة من النشاط منكرين أنهم يتقدمون في السن، ويوجد نمطان فرعيان من هذه الفئة الأساسية:
أ- النمط الباسط: وهم الذين يواصلون أنشطة طور منتصف العمر، فلا تتغير نظرتهم إلى الحياة، أو طبيعة الأعمال التي يقومون بها، أو ملابسهم، أو طعامهم، وغير ذلك من المظاهر التي تدل على أنهم أصغر سنًّا، وهؤلاء يدركون التقدم في السن تهديدًا لتقدير الذات.
ب- النمط القابض: وهؤلاء أكثر من النمط السابق شعورًا بقلق الشيخوخة، ويعانون من مشاعر الخوف من تصنيفهم في فئة المسنين، ولهذا يركزون كل طاقتهم على أن يكون مشاعرهم ومظهرهم ونشاطهم من النوع الذي يصدر عمن هم أصغر سنًّا.
والنمط المدرع أو الدفاعي بنوعيه يظل نمطًا للتوافق الجيد طالما ظلت حيله الدفاعية ضد الشيخوخة ناجحة، فإذا انهار هذا النمط الدفاعي تدهور توافقهم وأصبحت درجة رضائهم عن الحياة وأسلوب حياتهم عرضة للانهيار أيضًا.
3-
النمط الاعتمادي: وهذا النمط لا يتطابق تمامًا مع نمط الكرسي الهزاز السابق وصفه؛ فقد توصلت نتائج نيورجارتن وزملائه إلى نمطين فرعيين فيه وهما:
أ- نمط البحث عن المساعدة ويطابق نمط الكرسي الهزاز، وفيه يعتمد المسن على الآخرين، ويكون مستوى نشاطه بدرجة متوسطة طالما أن هناك من يوجهه ويعاونه في ذلك.
ب- نمط التبلد apathetic ويشمل أولئك الذين يعتمدون كليةً على الآخرين للقيام بأي مهمة، وهم سلبيون تمامًا وأدوارهم قليلة للغاية.
وهذا النمط بنوعيه يتسم أصحابه بأن درجة رضائهم عن حياتهم متوسطة، وهم أيضًا على درجة متوسطة من التوافق مع الشيخوخة.
4-
النمط غير المتكامل أو المضطرب: وهؤلاء يعانون من نقائص شديدة في نشاطهم النفسي، فتختل وظائفهم العقلية المعرفية كما تضطرب وظائف الأنا لديهم، ومعظمهم يعيش على هامش الحياة الاجتماعية، ويكون أقرب إلى الحالات التي تحتاج إلى الإيداع في المؤسسات، وبالطبع فهم أسوأ صور التوافق
مع الشيخوخة، ودرجة رضائهم عن حياتهم منخفضة، وفي أحسن حالاتها تكون متوسطة.
وهذه الأنماط كما ذكرنا لا تظهر فجأة في مرحلة الشيخوخة، ولكنها تراكم تتابعي لخبرات الحياة السابقة، ولذلك فإنه تبعًا لمنطق نيوجارتن وزملائه، فإن الإنسان في المراحل المتأخرة من حياته يصبح "أكثر شبهًا بنفسه"؛ حيث تصبح سماته السلبية والإيجابية أكثر وضوحًا تحت "مجهر الشيخوخة".
وفي دراسة طولية أخرى مداها خمس سنوات قام "Cumming Henry""1961 بدراسة 275 مسنًّا مودعين في المؤسسات، وقد وجد الباحثان نمطًا مشتركًا لديهم جميعًا هو التحرر من الالتزامات، وقد عرف ذلك بأنه عملية انسحاب متبادل بين المسن والمجتمع الذي يعيش فيه؛ فمع تحلل المسن تدريجيًّا من مسئولياته الاجتماعية تقل مكانته وتضعف أدواره الاجتماعية بنفس الدرجة، وحين تكتمل هذه العملية يظهر توازن جديد بين الفرد والمجتمع، وتصبح علاقة المسن بالآخرين من النوع الذي تزيد فيه المسافة النفسية ويقل فيه التفاعل الاجتماعي، وقد اعتبر الباحثون هذه العملية -كما أشرنا في الفصل السابق- خبرة إيجابية للمسن ما دامت هذه المرحلة من النمو الإنساني تتسم بضعف المدخلات الحسية وزيادة الانطوائية وزيادة القرب من الموت، وعندئذ يصبح نقص الاستثمار الانفعالي في الناس والأحداث سلوكًا تكيفيًّا، وقد تعرضت هذه النتائج التي أقيمت عليها نظرية التحرر من الالتزامات للنقد، كما أشرنا في الفصل السابق، وعلى كلٍّ، فإنها في أحسن حالاتها هي أحد أنماط توافق المسنين، ولكنها ليست النمط الوحيد أو الأفضل؛ فالمسن جيد التوافق كما بينت الدراسة السابقة هو الذي يظل نشطًا، وقد أكدت دراسات كثيرة بالفعل أن المسنين الذين يستمرون في نشاطهم الاجتماعيّ أكثر سعادة من الذين ينسحبون من الحياة الاجتماعية، بل إن الظروف الاجتماعية السابقة التي كانت تدفع المسنين الذين يستمرون في نشاطهم الاجتماعي أكثر سعادة من الذين ينسحبون من الحياة الاجتماعية، بل إن الظروف الاجتماعية السابقة التي كانت تدفع المسنين إلى بيئاتٍ مقيدة كالمؤسسات، وتفرض عليهم الانسحاب، قد تغيرت لأسباب كثيرة منها: التقاعد المبكر والاختياري، وتحسين ظروف الرعاية الصحية، وتطوير تشريعات التأمين الاجتماعي، وارتفاع المستويات التعليمية، وقد فتح ذلك كله الأبواب لمزيد من النشاط للمسنين، ولعل ظهور النظرية المناهضة -أي نظرية النشاط- دليل على ذلك "راجع الفصل التاسع عشر".
صحيح أن من أهم معالم مرحلة الشيخوخة انشغال المسن بحياته الداخلية والخاصة، ويزداد هذا الاهتمام مع التقدم في السن، حتى أن بعض الباحثين
يعتبرون هذا التوجه المتزايد نحو الداخل interiority، أو نحو التمركز حول الذات egocenterism تغيرًا نمائيًّا تتسم به هذه المرحلة، وهو إذا زاد كثيرًا أصبح من علامات "الانتكاس في الخلق" والذي أشار إليه القرآن الكريم، وبالتالي يدفع صاحبه دفعًا إلى طور حياته الأخير؛ أي: أرذل العمر؛ فالتمركز حول الذات حينئذ يصبح أشبه بحاله في طور المراهقة، وقد يتطرف ليصبح مطابقًا لما هو عليه في طور الطفولة، إلّا أن الدرجة العادية من التمركز حول الذات في مرحلة الشيخوخة تدفع المسن إلى الاهتمام بمشكلاته الفردية أكثر من الانشغال بمشكلات الآخرين من حوله، أو العالم المحيط به، مع وجود بعض الوعي بالآخرين والعالم الخارجي.
وبالطبع إذا حدثت عملية تحرر الفرد من التزاماته الاجتماعية متآنيةً مع تحرير المجتمع للفرد من هذه المسئوليات وخفض أدواره فيها، فإن ذلك قد يؤدي إلى توافق جيّد للمسنين، أما إذا قطعت صلات الشخص بالمجتمع قبل الأوان؛ كما يحدث في حالات التقاعد الإجباري المبكر، تنشأ حينئذ مشكلات التوافق؛ فحدوث هذا التحرر من الالتزام تدريجيًّا يؤدي في النهاية إلى شعور الفرد بالرفاهية السيكولوجية والرضا عن حياته مهما تقدم به السن، وبالطبع يتطلب ذلك دائمًا أن يواصل الفرد نشاطه الذي قد يتطلب بالطبع تغييرًا كميًّا أو كيفيًّا أو هما معًا فيه، والمهم في جميع الحالات أن ندرك أن توافق المسن حتى يحقق لنفسه شيخوخة ناجحة يعتمد على نمط شخصيته، والأسلوب طويل الأمد الذي رسم حياته كلها.
من السهل الوصول مما سبق إلى تعميمٍ معقولٍ حول الأساليب الملائمة للتوافق الجيد عند المسنين، إلّا أن الأمر لا يزال في حاجة إلى مزيدٍ من البحث، وخاصة في بيئتنا المصرية وغيرها من البيئات العربية، وأهم ما في الأمر أن النتائج التي توصلت إليها البحوث التي أجريت في هذا الميدان تؤكد إمكانية الوصول إلى التوافق الجيد خلال هذ الفترة من العمر، كما أن خبرة الحياة تؤكد وجود أمثلة كثيرة لأشخاص يستمرون في حياة خصبة نامية متطورة بالرغم من تقدمهم في السن، وهكذا فليس التوافق السيئ ملازمًا حتميًّا للشيخوخة.
سمات الشخصية: من أشهر البحوث التي تناولت الشخصية وعلاقتها بالعمر، تلك التي قام بها "Richard، et al.، 1962" والتي عرضنا بعض نتائجها فيما سبق، ونعود فنقدم مزيدًا من تفاصيل نتائج هذه الدراسة الهامة لتحديد سمات شخصية المتقدمين في السن.
لقد تألفت عينة هذا البحث كما قلنا من عينتين أساسيتين؛ إحداهما تقاعدت بالفعل، والأخرى لا زالت تعمل؛ سواء كل الوقت أو بعضه، وكانوا جميعًا من المتطوعين، وربما كانوا من الأشخاص الأكثر توافقًا من غيرهم من المسنين، وبالمقارنة بين المتقاعدين والعاملين من كبار السن وجد الباحثون أن أعضاء الفئة الأولى كانوا أقل نشاطًا في الترويح، ولكنهم أكثر نشاطًا في الأعمال المنزلية والزيارات الاجتماعية والقيام بالهوايات الإنتاجية، كما أظهروا ميولًا سياسية تتساوى مع زملائهم العاملين، إن لم تزد عليهم، وخاصةً فيما يتصل بالمعاشات والأجور والمسائل الاقتصادية، ويبالغ الشخص العامل في قيمة وقت الفراغ أثناء التقاعد، ويقلل من شأن مزايا العمل والكسب، وكثير من الأشخاص العاملين كانوا على درجةٍ من القلق حول تقاعدهم، بينما كان قليل من المتقاعدين على درجةٍ من القلق بسبب عدم العمل، وكانت شكواهم في جوهرها بسبب نقصان المصادر المالية.
ولم يظهر البحث فروقًا كبيرة بين العاملين والمتقاعدين في الصحة الجسمية، وبالطبع فإن المتقاعدين كانوا أكثر قابلية للتعب، وأضعف بنيانًا من الناحية الجسمية، ومع ذلك فقد كان توافق المتقاعدين الصحي أكبر، وذكروا أنهم أفضل صحة مما كانوا عليه من قبل، وليس معنى هذا أنهم لم يظهروا اهتمامًا شديدًا بالصحة أو مشكلاتهم الصحية، وإنما بدوا أقل قلقًا حول صحتهم من المجموعة الأصغر سنًّا، وكانوا يدركون عمرهم المتقدم إنجازًا في ذاته، وشيئًا يفخرون به ويعتزون، وكان قلق الموت أقل عند الفئة الأكبر سنًّا، كما كانت هذه الفئة أقل سلبية واعتمادًا في علاقتهم بالآخرين، كما كانت أكثر مسئولية، وأقل دفاعية، وأقل شكًّا، وأقل حساسية في العلاقات الاجتماعية، وكان الانطباع العام عنهم أنهم أكثر انفتاحًا وثقةً واطمئنانًا واستقرارًا، وأقل عدوانيةً نحو المرأة "العينة كانت من الرجال" وأكثر اجتماعية، كما كانت هذه المجموعة أقل عجزًا وضعفًا واكتئابًا وتشاؤمًا وانعزالًا.
ومن هذه النتائج يبدو أن الفترة الحرجة في التوافق الشخصي للإنسان ليس في التقاعد ذاته، وإنما في الفترة السابقة مباشرة عليه؛ ففي هذه الفترة يصبح الأفراد أكثر توترًا، ومعنى ذلك أن المشكلة ليست في "كينونة الشيخوخة"، أي: أن يصبح الشخص مسنًّا وإنما في "صيرورة الشيخوخة"، أي: توقع الشخص الأصغر سنًّا لما سيؤول إليه حاله عند التقدم في السن، وهذه التوقعات قد لا تكون صحيحة.