الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنهج الارتباطي:
توجد مشكلات هامة في سيكولوجية النمو لا يمكن تناولها بالبحوث التجريبية أو شبه التجريبية، ومن ذلك مثلًا إذا أراد الباحث أن يحدد العلاقة بين الاتجاهات الوالدية "كاتجاه الرفض" ونمو شخصية الطفل، فمن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يطلب من بعض الأمهات أن يرفضن أبناءهن حتى يجري الباحث تجربة كاملة عليهن وعلى الأبناء، كما قد يصعب عليه أن يجد في الحياة الاجتماعية العامة آباء يرفضون أطفالهم بحيث يصنفهم في مجموعة في مقابل مجموعة أخرى تقبل الأبناء، حتى يجرى عليهم بحثًا شبه تجريبي، ولهذا فإن إجراء بحوث على مثل هذه المشكلات يكون من نوع مختلف تمامًا. إن الباحث قد يستخدم بعض الاستخبارات أو الاستفتاءات، أو يجري بعض المقابلات مع الأمهات ليتقصى الاتجاهات الوالدية لديهن، وحينئذ قد يجد أن بعض الأمهات ترفضن أبناءهن سيكولوجيًّا، كما يجد مجموعة أخرى مقارنة من الأمهات تقبلن أبناءهن؛ فإذا كان أطفال مجموعتي الأمهات متكافئين تقريبًا في العمر الزمني والذكاء والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، وغير ذلك من العوامل الدخيلة، يمكن للباحث أن يقارن بين سمات الشخصية لدى مجموعتي الأطفال، مما يعطي معلومات عن العلاقة بين الاتجاه الوالدي الرافض وشخصية الطفل، ويعد هذا البحث ارتباطيًّا؛ لأن علاقة السبب والأثر فيه غير واضحة، كما هو الحال في البحث التجريبي وشبه التجريبي. إن نتائج هذا البحث التي قد تتمثل في أنه مثلًا كلما زاد رفض الأم للطفل تزداد عدوانية الطفل، وتقل عدوانيته مع نقص رفض الأم له، لا تتضمن علاقة سببية مباشرة، فهل يؤدي رفض الأم للطفل إلى زيادة عدوانيته؟ أم أن عدوانية الطفل تؤدي بالأم إلى رفضه؟ أم أن كلًّا من رفض الأم وعدونية الطفل يتأثران بعامل ثالث غير معلوم؟ إن كل ما نحصل عليه من معنى هو وجود علاقة بين المتغيرين1.
1 يعد من قبيل المنهج الارتباطي أيضًا الأسلوب الذي شاع في البحث السيكولوجي في السنوات الأخيرة، والذي يطبق فيه الباحث أحد الاختبارات على عينة من المفحوصين، ثم يختار منها عينتين فرعيتين، إحداهما ذات مستوى عالٍ، والأخرى ذات مستوى منخفض في السمة موضع القياس؛ كالذكاء أو الابتكار أو التحصيل، ثم يقارن بينهما في متغيرات أخرى.
وقد يتطلب المنهج الارتباطي قياس متغيرين على الأقل، ثم تحديد درجة العلاقة بينهما، وفي هذه الحالة يمكن أن يجري البحث الارتباطي على مجموعة واحدة، ومن ذلك مثلًا: أن يقيس الباحث عدد الساعات التي يخصصها الطالب ليلًا للاستذكار المنزلي، والدرجة التي يحصل عليها في الاختبارات التحصيلية، ثم يحسب العلاقة بين المتغيرين بالنسبة لمجموعة من الأطفال، والأسلوب الإحصائي الذي يستخدم في هذه الحالة يسمى معامل الارتباط، وبه يتحدد التغير الاقتراني بين المتغيرين، وهذا التغير الاقترني يمتد بين العلاقات الموجبة الكاملة والعلاقات الموجبة السالبة الكاملة، وفي منزلةٍ بينهما توجد العلاقات الجزئية موجبة أو سالبة، والعلاقات الصفرية "التي تدل على عدم وجود علاقة بين المتغيرين".
وبعبارة أخرى: فإن معامل الارتباط يتراوح بين +1، -1، وعادة ما يكون في صورة كسر عشريٍّ أعلى من الصفر "عدم العلاقة"، وأقل من الواحد الصحيح "العلاقة الكاملة"، وتوجد معادلات إحصائية لحساب مقدار معامل الارتباط.
وتدل العلاقة الموجبة "+1 وما هو أقل منها" على أن العلاقة طردية، بمعنى أن الزيادة في المتغير الأول تقترن معها زيادة في المتغير الثاني، والنقص في المتغير الأول تقترن معها زيادة في المتغير الثاني، ومن ذلك العلاقة بين الذكاء والتحصيل المدرسي التي تكون عادة في صورة معامل ارتباط مقداره "0.85"، ومعناه أن الطفل الأعلى ذكاءً يزداد تحصيله، والطفل الأقل ذكاءً يقل تحصيله. أما العلاقة السالبة "-1 وما هو أكبر منها" فقد تدل على العلاقة العكسية، ومن ذلك العلاقة بين القلق والتحصيل المدرسي التي قد يصل معامل ارتباطهما إلى "-0.65"، ومعنى ذلك أن الزيادة في القلق ترتبط بالنقص في التحصيل المدرسي، والنقص في القلق بالزيادة في التحصيل المدرسي، وقد تكون العلاقة صفرًا "أو مقدار إحصائي ليس له دلالة إحصائية"، ومن ذلك العلاقة بين الذكاء وطول القامة اللذين يبلغ معالم ارتباطهما 0.25 "وهو معامل غير دالٍّ إحصائيًّا، ويعتبر صفرًا بهذ المعنى". ومعنى ذلك أن الطفل الذكي قد يكون قصير القامة أو طويلها، وكذلك الطفل الأقل ذكاءً قد يكون أيضًا طويلًا أو قصيرًا، أي: لا توجد وجهة محددة لاتجاه العلاقة بين المتغيرين.