الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما سوف نتناوله في الفصلين التاليين وهما:
1-
طور الشيخوخة.
2-
طور أرذل العمر.
ويبقى أن نقول في هذا الصدد: إننا بدأنا هذا الفصل بسؤالٍ حول متى تبدأ شيخوخة الإنسان، فهل هناك سؤال حول متى تنتهي كما هو الحال بالنسبة للعمرين السابقين: الضعف الأول والقوة؟ بالطبع إذا كانت الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب بالنسبة للطفولة والصبا والرشد؛ حيث تحدد نهاية كل مرحلة بداية المرحلة التي تليها طالما ظلّ الإنسان حيًّا، فإن الإجابة على هذا السؤال بالنسبة للعمر الثالث للإنسان أن النهاية الحتمية هي الموت، والموت في الإطار الإسلامي لا يعني النهاية المطلقة، وإنما هو انتقال إلى الحياة الآخرة الأبقى والأخلد، بل إن الحياة التي نعيشها -طالت أو قصرت- ومراحل النمو التي نمر بها -اختصرت أو اكتملت- هي جميعها البرهان الدامغ على البعث يوم القيامة، وصدق الله العظيم في قوله الكريم:
تاريخ البحث في ميدان المسنين:
عندما ظهر علم الإعمار Gerontology في أواخر القرن التاسع عشر، كانت بدايته متواضعة، ونموّه بطيئًا، وبالطبع كانت البحوث الطبية هي الأسبق في الظهور حين بدأ الباحثون في دراسة العوامل المؤثرة في طول العمر longevity، ومحاولة وصف التغيرات التي تطرأ على خلايا الجسم وأنسجته، والتي تُعَدُّ مسئولة عن ظهور أعراض الشيخوخة والهرم "Riegel، 1977". أما الدراسات النفسية في هذا الميدان فقد بدأت عام 1922 بصدور كتاب هامٍّ لستانلي هول، مؤسس علم نفس النمو الحديث، عنوانه: "الشيخوخة: النصف الأخير من الحياة Senescence: The Last Half of Life، ولعلنا نتذكر أن هول هو رائد الدراسة السيكولوجية للطفل والمراهق، وهو هنا أيضًا رائد الدراسة السيكولوجية للشيخوخة والتقدم في السن، ومن الطريف أن نشير إلى أنه أعدَّ هذا الكتاب وهو في السبعينات من عمره، فجاء يجمع بين السيرة الذاتية والاستبطان والبيانات
الإحصائية والتأملات النظرية والتراث الأدبي، بالإضافة إلى صيغة البحث العلمي.
وقد دفع هذا الكتاب الباحثين السيكولوجيين إلى الاهتمام بهذه المرحلة الختامية في حياة الإنسان، وقد تركزت البحوث المبكرة حول نموِّ النشاط العقلي، وكان ظهور اختبار ألفا الحربي أثناء الحرب العالمية الأولى فرصة لاستطلاع التغيرات التي تطرأ على ذكاء الراشدين "والتي تناولناها في الباب السابق، الذي يدور حول الرشد"، كما اهتمت بحوث أخرى بالعلاقة بين المستوى التعليمي والمستوى الاقتصادي والاجتماعي، وبين نمو وتدهور الذكاء عبر مدى الحياة، ثم امتدت الاهتمامات إلى المهارات الحركية، ثم تقدمت البحوث خلال الحرب العالمية الثانية، وأسهم فيها بدور بارز مركز بحوث نافيليد بجامعة كبردج في بريطانيا، والتي امتدت إلى مرحلة الشيخوخة بالإضافة إلى أطوار الرشد المختلفة، كما أسس المعهد القومي للصحة بالولايات المتحدة عام 1946 وحدةً لبحوث المسنين، إشراف ناثان شوك Nathan Shock، وفي نفس العام تأسست جمعية بحوث المسنين، وصدرت عنها أول مجلة متخصصة في هذا الميدان هي: Journal of Gerontology.
وقد اهتمَّت البحوث المبكرة حول الشيخوخة بالمشكلات العملية التي تدور حول رعاية هذه الفئة من الراشدين المتأخرين، وفي عام 1948 نُشِرَ كتابٌ هامٌّ حول التوافق الاجتماعي للمسنين Social Adjustment in Old Age أعده مجلس بحوث العلوم الاجتماعية بالولايات المتحدة، وبصدوره اتسع نطاق الاهتمام، وامتدت البحوث إلى جميع جوانب عملية التقدم في السن "Binstock&Shanas،1976" وأدى ذلك إلى تأسيس الاتحاد الدولي لعلم الإعمار lntetnational Association of Gerontology عام 1950، ليجمع الباحثين في هذا الميدان من مختلف التخصصات.
إلّا أنه حتى عام 1972، لم يكن هناك فرع لعلم النفس الكلينيكي يتخصص في مجال المسنين، والسبب الجوهري في ذلك أن أدوات التقويم النفسي الجوهرية لم تمتد بعينات تقنينها إلى ما بعد سن الخامسة والستين، ولعل أهم مظاهر ذلك النقص ما كان عليه عندئذ حال مقياس وكسلر كأداة لدراسة النشاط العقلي، واختبار رورشاخ، واختيار تفهم الموضوع، وكلاهما من الأساليب الإسقاطية الأساسية في دراسة الشخصية.
كما كان هناك مجال آخر في دراسة سيكولوجية المسنين لم يكن قد أحرز تقدمًا يذكر، وهو العلاج النفسي لهذه الفئة من الراشدين المتأخرين، فلم تكن هناك نظرية واحدة حول سيكولوجية التقدم في السن، ولعل من المهمِّ أن نشير هنا إلى أن فرويد نفسه رفض قبول المسنين كمرضى، وهو اتجاه لا يزال سائدًا لدى أصحاب التحليل النفسي حتى اليوم "Kermis، 1984"، ولعل النقص في وجود أساليب علاجية خاصة للمرضى المسنين كان له جوانبه الإيجابية والسلبية حينئذ، فمن الناحية السلبية قد يتضمن افتراض المعالج أن هؤلاء المرضى حالات مستعصية على الشفاء بأساليب العلاج النفسي، وبالتالي يمكن أن تُسْتَخْدَمُ معهم أساليب أخرى؛ كالعقاقير والصدمة الكهربائية، أو أن يودعوا في المؤسسات الخاصة بهم، أما من الناحية الإيجابية فقد دفع ذلك علماء النفس إلى البحث عن طرق بديلة -ذات طبيعة سيكولوجية أيضًا- عند فشل الأساليب المعتادة، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل فيما بعد.
وهكذا شهدت عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين اهتمامًا متزايدًا بسيكولوجية المسنين، ويوجد في مصر في الوقت الحاضر عدد من الأقسام والمراكز المتخصصة في دراسة الشيخوخة في عدد كبير من الجامعات "ومن ذلك قسم طب وصحة المسنين بجامعة عين شمس، ومركز الرعاية الصحية والاجتماعية للمسنين بجامعة حلوان"، كما أن البحوث تجرى حاليًا في عدد كبير من البلدان وعلى نطاق أكثر اتساعًا، ولعل من مؤشرات هذا الاهتمام الكبير أنه يوجد الآن أكثر من 30 مجلة متخصصة في هذا الميدان، كما أن أهم الأحداث المرتبطة بذلك تاسيس الاتحاد الدولي للصحة النفسية للمسنين lnternational Psychogeriatic Association عام 1982، والذي عقد مؤتمره الأول بالقاهرة خلال الفترة من 22-25 نوفمبر 1982.