الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني عشر طور التمييز
النمو الجسمي والفسيولوجي
…
الفصل الثاني عشر: طور التمييز
تمتد مرحلة سن التمييز أو "الطفولة المتأخرة كما تسمى أحيانًا في المؤلفات المتخصصة" من سن 6 أو 7 سنوات حتى بداية البلوغ الجنسي في سن 12سنة تقريبًا، أي: أنها تشمل مرحلة المدرسة الابتدائية تقريبًا، وفيها يبطؤ معدل النمو، إلّا أن الطفل يواجه فيها تحديات كثيرة تتطلب أساليب توافق جديدة؛ ففيها يُعَدِّلُ الوالدان وغيرهما من الأشخاص المهمين في حياة الطفل "ومنهم المدرسون" التوقعات من الطفل بالنسبة للسلوك الملائم، كما أنها مرحلة الجهد المركَّز لمعرفة الذات والبيئة، بطريقة تختلف عن المراحل السابقة في الحياة.
وخلال هذه المرحلة يتمُّ التركيز على اكتساب وإتقان المهارات الأساسية، وهي مهمة تقع مسئولياتها على عاتق المدرسة، إلّا أن المجتمع يتوقع لطفل هذه المرحلة أيضًا أن يتقن بعض المهارات الشخصية والاجتماعية الأخرى، وتسهم الأسرة مع المدرسة في إكساب الطفل هذ المهارات، كما ينشغل أطفال هذه المرحلة في كثيرٍ من الأنشطة التي تنمِّي فيهم الشعور بالإنجاز على حد تعبير إريكسون "راجع الفصل الثالث". ونجاح الطفل في اكتساب هذه المهارات المتوقعة يؤدي إلى تدعيم مفهومٍ صحيٍّ وسليمٍ للذات من خلال المهام المطلوبة لهذه المرحلة.
ونعرض فيما يلي خصائص النمو في هذه المرحلة.
النمو الجسمي والفسيولولجي:
مرحلة الطفولة المتأخرة هي فترة نموٍّ جسميٍّ بطيءٍ وموحَّد تقريبًا؛ فبالنسبة للطول نجد في بداية المرحلة "في سن السادسة" أن متوسط طول الطفل الولد في مصر كما تحدده إحصاءات إدارة الصحة المدرسية هو 110.7 سم، والبنت 109.8، وحين يصلا إلى سن 12 سنة، يكون متوسط طول الولد 138.5 سم، بينما يكون متوسط طول البنت 141.5 سم، ومعنى ذلك أن الفروق الفردية الطفيفة التي كانت لصالح الذكور في البداية تصبح لصالح الإناث في النهاية.
ويرجع تفوّق البنات على البنين في الطول في نهاية هذه المرحلة إلى أن الذكور يبدأون البلوغ بعد البنات بسنة تقريبًا، ولذلك فإنهم في العادة يكونون في
المتوسط أقصر من البنات في نفس السن، وطول مرحلة الطفولة المتأخرة يكون نموّ الجسم بطيئًا بمعدل 8سم تقريبًا في السنة، ويعطي مقياسَا عظام الرسغ واليد "بأشعة إكس في هذه المرحلة" تنبؤًا بالطول في مرحلة الرشد أكثر دقة من قياس هذه العظام في مرحلة الطفولة المبكرة، وكذلك نلاحظ أن الزيادة في الوزن بطيئة وموحدة أيضًا في هذه المرحلة؛ فيتغير الوزن من 18 كيلو جرامًا تقريبا في سن السادسة لكلٍّ من الجنسين إلى 32 كيلو جرامًا للذكور، 34 كيلو جرامًا للإناث في سن 12سنة، ويتأثر الوزن بعوامل عديدة أهمها التغذية، وخلال هذه المرحلة تعتبر الدهون مسئولة عن نسبة من الوزن الكلي للجسم تصل إلى ما بين 21% و29%. وتؤثر العوامل السيكولوجية في وزن الطفل في هذه المرحلة، فحين يفشل الطفل في تكيفه الاجتماعي فإنه يميل إلى المبالغة في تناول الطعام؛ كتعويضٍ عن عدم التقبُّل الاجتماعي، ويصدق هذا على وجه الخصوص على الأطفال الذين يعيشون في أسر صغيرة، وعادة ما تنشأ عادات المبالغة في الأكل من ضغوط الوالدين على الأطفال في السنوات السابقة، وقد ينشأ عن المبالغة في الطعام سمنةٌ ظاهرةٌ يكون من نتيجتها عدم استطاعة الطفل القيام بنشاط بدنيٍّ كبيرٍ، وتضيع منه فرصة اكتساب المهارات اللازمة للتكيف الاجتماعي.
وتتغير نسب الجسم خلال سنوات الطفولة المتأخرة، فيتناقص سوء توزيع النسب الشائع في المراحل السابقة للنموّ بالرغم من أن الرأس يظل أكبر نسبيًّا إذا قورن بباقي أجزاء الجسم، وعمومًا يمكن القول أن نسب الجسم في هذه المرحلة تشبه كثيرًا ما هي عليه في مرحلة الرشد.
وفي هذه المرحلة يفقد الطفل معظم أسنانه اللبنية، وما أن يبلغ نهاية المرحلة تكون قد نمت معظم أسنانه الثابتة، ونتيجةً لذلك يتغير شكل الفم، ويزداد حجم الجزء الأسفل من الوجه، وبالتالي تزول بعض مظاهر عدم التناسب في الوجه والتي نلاحظها في المراحل السابقة، كما تحدث تغيرات في مدى انطباق الأسنان "أو درجة التطابق بين أسنان الفكّ العلوي وأسنان الفكّ السفلي، وخاصة في المرحلة الانتقالية بين الأسنان اللبنية والأسنان الدائمة، وحين يكون الانطباق غير كاملٍ بين الفكين يتأثر الوجه تأثرًا خطيرًا، وينشأ ما يسمى بالعامية "الضب".
وخلال هذه الفترة تتسطح الجبهة وتبرز الشفاه وتكبر الأنف وتأخذ شكلًا محددًا، وهذه التغيرات تغير الصورة التي عليها مظهر الطفل في مرحلتي الرضاعة والطفولة المبكرة.
ومع النمو يصبح الجذع أكثر نحافةً، ويزداد الصدر عرضًا واتساعًا، وتزداد
الرقبة طولًا، على نحوٍ يسمح بوضوح الأكتاف، كما يزداد حجم الحوض، وتصبح الأذرع والسيقان أكثر نحافةً مع بطءٍ شديدٍ في نمو الجهاز العضلي، كما يتطور نموّ الأيدي والأقدام، وهذه التغيرات تُعَدُّ مسئولةً عن تلك الصورة الكاريكاتيرية لطفل هذه المرحلة: كائن نحيل يبدو كما لو كان كله ذراعين وساقين.
أما بالنسبة لنموِّ الجهاز العصبي -وخاصة المخ- فلعلنا نذكر أن معظم نموّ المخ يحدث في مرحلة ما قبل الولادة، ويزداد نموّ المخ خلال مرحلتي الرضاعة والطفولة المبكرة حتى يصل في نهاية المرحلة السابقة "أي في عمر السادسة" إلى حوالي 90% مع حجم مخ الراشد، ومع ذلك فهناك وظيفتان هامَّتان من وظائف المخ تستمران في النموِّ خلال مرحلة الطفولة المتأخرة، أولاهما: تكوين نخاع الألياف العصبية في المخ والنخاع الشوكي وفي الأنسجة العصبية المرتبطة، وثانيتهما: تنظيم وظائف المخ، والعملية الأولى تساعد على زيادة كفاءة الخلايا العصبية، وفيها يتم ترسيب المواد الدهنية المحيطة بهذه الخلايا؛ بحيث تسمح باستثارة توصيل النبضات الكهربائية على نحوٍ يسمح لها بالانتقال من خلية إلى أخرى، وفي العملية الثانية يتم التخصص العصبي حيث يصبح النصف الكروي الأيسر للمخ مسئولًا عن المهارات اللغوية، ويحدث التآزر بالنسبة للسلوك الحركي، أما النصف الكروي الأيمن فيصبح مسئولًا عن المعلومات الإدراكية وتفسير العلاقات المكانية.
وتحدث في هذه المرحلة فروقٌ بين الجنسين نتيجةً للمعدلات المختلفة لنموِّ كلٍّ من النصفين الكرويين؛ ففي الذكور يكون النصف الكروي الأيمن أكثر فعالية، ويساعدهم ذلك على أداء الأنشطة غير اللغوية بفعالية أكبر من البنات، أما في البنات فإن النصف الكروي الأيمن يكون أكثر نموًّا، ولهذا نلاحظ أنهن أكثر تفوقًا من الذكور في المهارة اللغوية، بينما يتفوق عليهن الذكور في مهارات التمييز المكاني.