الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أساليب التدخل العلاجي النفسي:
العلاج النفسي للمسنين قد يكون موجهًا بالجماعة أو بالفرد، ويهدف العلاج النفسي في هذه الحالة عادةً إلى تحقيق هدفين رئيسيين: التخفيف من حدة القلق، والمحافظة على استمرار أو إعادة التأهيل للنشاط النفسي الملائم، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك أهدافًا أخرى لا تقل أهميةً، تشتمل تحقيق الاستبصار الذاتي للمريض المسن، والتخلص من الأعراض المرضية، وتأجيل التدهور، وتنمية مهارات الرعاية الذاتية، والتدريب على النشاط، وخفض متطلبات الرعاية المطلوبة، وتتنوع أساليب التدخل العلاجي، ونعرض أهمها بإيجاز فيما يلي:
1-
العلاج الفردي: وتتنوع أساليب العلاج الفردي للمسنين، إلّا أن فعالية هذه الطرق تتوقف على حالة المريض والسياق الذي يعيش فيه، والاتجاهات إزاءه، ومفهومه عن ذاته، وفي جميع الأحوال يجب معاونة المسن على تقبل حقائق المرحلة النمائية التي هو فيها؛ من حيث نقص القدرات الجسمية والعقلية، والفقدان الشخصي، والتغير في الأدوار، وعلى المعالج النفسي أن يوائم بين أساليبه وموارده وخصائص الحالة اتفاقًا مع مبدأ تفاعل "السمات والمعالجات"، ويلعب تفهم المعالج وحماسه وتعاطفه مع بيئة توفر للمسن الحد الأمثل من الاستثارة والتقبل دورًا حاسمًا في ذلك.
2-
العلاج الجماعي: ويركز على الضغط والإجهاد الذي يحدثه الآخرون الهامّون في حياة المسن، وهنا يكون العلاج الجماعي أكثر جدوى، وفيه تستطلع الصعوبات الراهنة، والطرق السابقة في التعامل معها في إطارٍ من التفاعل بين الأشخاص، وعادةً ما يستخدم هذا الأسلوب مع الحالات الأقل حدة والتي عادةً ما تتطلب العلاج الفردي.
3-
العلاج بالنشاط: ويستخدم عادةً مع المسنين الذين يعانون من الاضطرابات المعرفية، ويهدف إلى الوقاية من زيادة التدهور الناجم عن الانسحاب، وعدم استخدام المهارات الاجتماعية والمعرفية ومهارات رعاية الذات، وذلك للحفاظ على المهارات الباقية لدى المسنين، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المؤسسات. لقد لوحظ أن هؤلاء يحتاجون إلى الصلات الإنسانية المستمرة والمشاركة الاجتماعية والاندماج في أعمال ومهام ذات مغزًى شخصيٍّ لديهم، حفاظًا على استمرار نشاطهم ومواصلته. وتستخدم في العلاج بالنشاط عدة فنيات، لعل أهمها ما يلي:
أ- التوجه نحو الواقع Reality Orientation: وهو أسلوب مشتق من العلاج السلوكي، ويستخدم التعزيز الموجب لتعلُّم أنماط السلوك المرغوب فيه، والتي عادةً ما تكون بسيطة، مثل: التوجه نحو الزمان والمكان والأشخاص، وأحيانًا نحو الصحة الشخصية ومهارات التفاعل الاجتماعي.
ب- علاج الوسط Milien Therapy: ويهدف إلى بناء بيئة تصمم؛ بحيث تلائم نواتج السلوك المعدل للمسن من ناحية، وتدعم التعلم وتكوين الصورة الإيجابية عن الذات من ناحية أخرى.
وبالطبع لا يتسع المقام لتفصيل هذه الطرق، بالإضافة إلى طرق التدخل الطبي المتنوعة، وعلى كلٍّ فإن الجدول "21-1" يصنف هذه الطرق حسب أهداف العلاج وطبيعة المشكلات وأساليب التدخل، والمواقف التي يتم فيها، والوسائط التي يتم من خلالها التغير "Huyck & Hoyer، 1982".
جدول "21-1" البدائل المتاحة للتدخل العلاجي:
أهداف التدخل العلاجي:
تخفيف حدة المشكلة.
التعويض عن نقص.
إثراء الخبرة.
الوقاية.
طبيعة المشكلات موضوع التدخل العلاجي:
الصحة الجسمية للمسنين.
التدهور في النشاط المعرفي.
الاضطرابات الوجدانية.
نقص التفاعل الاجتماعي والتطبيع.
اتجاهات المسنين وقيمهم.
أسباب التدخل العلاجي:
العلاج بالعقاقير.
العلاج النفسي.
العلاج بتقديم الخدمات الإرشادية.
العلاج بالتدخل البيئي.
العلاج بتعديل التشريعات والنظم الاجتماعية.
تابع جدول "21-1"
المواقف التي يتم فيها التدخل العلاجي:
الأسرة.
العمل "إن وجد".
مواقف التعلم أو التدريب "إن وجد".
المستشفى أو المؤسسة.
البيئة المحلية.
المجتمع الكبير.
وسائط التغير السلوكي:
الذات.
أعضاء الأسرة والأصدقاء.
أشباه المهنيين.
المهنيون والمحترفون.
الأجهزة الإدارية.
الجهاز التشريعي.
بيوت المسنين:
يمكن القول أن الطريقة الرئيسية التي شاعت خلال القرن العشرين لعلاج الاضطراب المعرفي والانفعالي لدى المسنين هي الإيداع في المؤسسات، وكانت الطريقة الشائعة طوال الفترة بين 1900، 1955 هي الإيداع في المستشفيات العامة لمجرد التمريض أكثر منه العلاج، والأساس الذي يقوم عليه هذا التصور أن علاج المسنين لا يتوقع له إلّا الحد الأدنى من التطبيب والتحسين.
ومنذ منتصف الخمسينات بدأ الاهتمام بإنشاء بيوت للمسنين، وهي في جوهرها مراكز للتمريض والرعاية، والسبب الجوهري في هذا التطور هو الشعور بنقص الخدمات الطبية المعتادة بالنسبة لرعاية المسنين، ويمكن أن نحلل الرعاية في هذه المؤسسات إلى أربعة مستويات هي:
أ- تسهيلات تمريضية على أعلى درجات المهارة للمرضى المسنين الذين يطلبون رعاية خاصة.
ب- تسهيلات مرتبطة بالصحة للمرضى الذين يحتاجون الحد الأدنى من الرعاية التمريضية.
ج- الرعاية الشخصية مع بقاء المسن في بيئته؛ حيث يفترض أن المريض لا يحتاج إلى رعاية تمريضية، وإنما تقدم له المساعدة من خلال نشاطه اليومي المعتاد.
د- الرعاية السيكياترية للمرضى الذين يشخصون على أنهم من ذوي الصعوبات الفسيولوجية السيكولوجية.
وفي ضوء المستوى المناسب يتحدد مدى حاجة المريض المسن للرعاية داخل المؤسسات، وإذا لم يتقرر ذلك مقدمًا فإن إيداع الشخص الذي يحتاج إلى هذا النوع من الرعاية داخل المؤسسة قد تكون له آثار سلبية، حتى لو كانت المؤسسة على مستوى عالٍ من الكفاءة، ولعل أخطر هذه الآثار ما يسميه بعض الباحثين "Kermis، 1948" زملة المؤسساتية institutionalism، والتي تتمثل في مجموعة أعراض أهمها حب الذات والاعتماد على الآخرين وفقد الاهتمام بالعالم الخارجي، بالإضافة إلى فقدان الوجه لقدرته على التعبير، وميكانيكية السلوك، وهذه الزملة هي محاولة من المريض المسن للتعامل مع مناخٍ غير شخصي يسيطر عادةً في هذه المؤسسات بحجة تحقيق الكفاية، أضف إلى ذلك أن اتجاهات بعض العاملين في هذه المؤسسات نحو المسنين الذين يحتاجون لرعايةٍ مزمنةٍ تؤدي إلى تدهور تقدير الذات ومفهوم الذات لديهم، أي: لدى المسنين"، وخاصةً حين يعاملون كأطفال.، وقد يزيد الأمر سوءًا ما قد يسود بعض المؤسسات من روتين جامد، ونقص الخصوصية الشخصية للمرضى، وفقدان الغلاقة الوجدانية المدعمة، وانعدام شعور المريض بالمسئولية عن اتخاذ القرار حتى في الأمور التي تخصه، وقد يؤدي ذلك إلى صدور أنماط من السلوك تشبه أعراض الاضطرابات العضوية المخية، حتى لدى الأشخاص الذين لا يعانون منها.
وفي هذا الصدد يقترح لوتون Lawton في "Cole & Barrett، 1980" فرضًا هامًّا يسميه فرض الطواعية البيئية environmental docility، خلاصته: أنه مع نقص الكفاءة العقلية المعرفية تزداد أهمية العوامل المؤثرة من البيئة الخارجية
في تحديد سلوك المسنين، وعلى ذلك فإن أيَّ تغير -ولو كان بسيطًا- في البيئة يؤدي إلى أثر بالغ في المتقدمين في السن الذين يعانون من اضطرابٍ عضويٍّ يزيد كثيرًا عن أثرها في المسنين الذين على درجة ملائمة من الكفاءة العقلية.
ومن ناحيةٍ أخرى وجد بعض الباحثين "Kermis، 1984"، أنه مع تدهور المستويات الإدراكية الحسية لدى المسنين تزداد لديهم أهمية حاسة اللمس، ولذلك يميل المسنون الذين يعانون من الاضطرابات العضوية إلى التواصل مع الآخرين عن قرب شديد، ويؤدي ذلك بالعاملين في المؤسسات إلى النفور من المسنين وتجنبهم، وحين يضطرون إلى التعامل معهم من مسافة قريبة جدًّا "وخاصة أولئك الذين يعيشون في المؤسسات لفترة طويلة" كما يحدث عند الإطعام وتغيير الملابس أو الاستحمام، فإنهم يستخدمون معهم ميكانيزمات "الإبعاد" أو إمالة الجسم بعيدًا عنه، أو تجنب التعامل معه، وجهًا لوجه، وهذا كله إشارات من نوع "التواصل غير اللفظي" الدال على الرفض وعدم التقبل.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن الحياة طويلة الأمد داخل المؤسسات تجعل حياة المرضى المسنين أقرب إلى الشيوع، فلا وجود لعالم شخصيّ أو خاصّ، نهايك عما تتمضنه من معاني العزل والنبذ، فإذا اقتصر التفاعل داخل هذا الجو غير الشخصي على المرضى بعضهم مع بعض، ولم يمتد على أيّ نحوٍ إلى أشخاصٍ عاديين، فإن هؤلاء المرضى سوف يتعرضون لمزيدٍ من التدهور والخلل، وقد لجأت بعض المؤسسات في هذا الصدد إلى أسلوب "العنابر المتكاملة عمريًّا"، فبدلًا من إعاشة المرضى داخل عنابر متجانسة في العمر على نحوٍ يتضمن معنى "التمييز العمري"، يوضع المرضى من أعمار مختلفة في العنبر الواحد، وفي هذه الحالة قد يحدث ما يسميه علماء النفس الاجتماعيون "تماسك الجماعة"؛ حيث يعين المرضى الأكثر قدرة أقرانهم الأقل والأضعف، وحينئذ يشعر المريض المسن بهويته، ولا يتعرض لخلل جديد يسمى "زملة الانهيار الاجتماعي"، وأهم علاماته شعور المسن بأنه عاجز ولا قيمة له ولا فائدة ترجى منه، وهو اضطراب سائد بين مرضى المؤسسات سيئة التنظيم والإدارة، بل قد يسود لدى المسنين المرضى الذين يعيشون في أيِّ بيئة اجتماعية غير مدعمة.
وقد أدى هذا النقد الذي تعرضت له بيوت المسنين، وخاصةً في فترة السبعينات إلى الاهتمام بنوعية الرعاية وتطبيق مستويات عالية عليها، إلّا أن ذلك
أدى إلى زيادة تكلفة هذه الرعاية، وخاصةً أن معظم هذه المؤسسات لا تزال مشروعات خاصة، وليست من نوع مشروعات النفع العام "كما هو الحال في النظام الطبي العادي"، إلّا أن الملاحظ بصفة عامة أن معظم هذا التحسن لم يتجاوز حدود المستويات الفيزيائية والمادية لبيوت الرعاية، فلا يزال معظمها يعاني من نقص الخدمات النفسية والاجتماعية والطبية الملائمة وخدمات التمريض المناسبة، ومن ذلك أنه لم تبذل جهود جادة لتدريب المسنين على تكوين علاقات اجتماعية جديدة داخل هذه المؤسسات تحل محل علاقاتهم القديمة التي فقدوها مع عملية التقدم في العمر أو التحول إلى المرض.
ولعل أهم ما يراه خبراء رعاية المسنين في وقتنا الحاضر زيادة الاهتمام بالجانب الإيجابي فيهم، ومن ذلك تقديم خدمات التأهيل والتدريب على الاستمرار في تحمل المسئولية والاختيار واتخاذ القرار، ولو بدرجة محددة، كما يجب تصميم المكان بحيث يسمح بالحرية والخصوصية مع درجة عالية من الأمان، أضف إلى ذلك ضرورة توافر اتصال المسن مع أشخاص قريبين منه، وقد تأكّد أن الشرط الأخير هو العامل الوحيد الأكثر أهمية لكلٍّ من رضا المسن عن حياته، ومفهومه لذاته جميعًا. فالاتصال الاجتماعي للمسن -بصرف النظر عن الأشخاص الذين يتصل بهم- يجعله يشعر بأنه لم يعزل تمامًا، أو ينبذ كليةً، وأنه له قيمته، وهذا كله لو توفر يهيئ بيئة ملائمة داخل بيوت المسنين.
ولعل المظاهر السابقة جميعًا كانت وراء حركة اجتماعية هامة ظهرت كثورة هادئة في مجال رعاية المسنين بأسلوب أكثر إنسانية -وخاصة رعاية أولئك الذين بلغوا أرذل العمر ويعيشون مرحلة موت طويل الأمد- والتي سُمِّيَتْ حركة تكايا المسنين Hospice Care، وقد بدأت هذه الحركة بجهود الطبيبة البريطانية سيسلي سوندرز C. Saunders، فقد أسست عام 1967 أول تكية من هذا النوع في جنوب شرقي لندن "تسمى تكية سانت كروستوفر" لرعاية أولئك الذين يعانون من مرض الموت، وفيها تقدم للمريض بيئة متحررة من الألم، وآمنةً انفعاليًّا في جوٍّ انفعالي دافئ وحميم، وفيها يستحضر المريض معه أشياءه الأثيرة كلها، ويسمح له بعد الإقامة فيها بالزيادة طوال اليوم "من الثامنة صباحًا إلى الثامنة مساء"، ويحث أفراد الأسرة "وخاصة الأبناء" على المساعدة في رعاية المسن، والمشاركة في القيام ببعض أنشطته الخاصة، كإطعامه أو نظافته، وهكذا يظل المريض في مرضه الأخير على صلةٍ بآخرين يرعونه ويستمعون إليه ويشاركونه اهتماماته، بالإضافة إلى ما يتحقق له من حقه في الموت بكرامة، وفي وجود أحبائه.
إلّا أن ما يجب أن ننبه إليه هو أن إيداع المسن في بيتٍ أو تكيةٍ للمسنين يجب أن يكون آخر ما يمكن أن تلجأ إليه الأسرة؛ فالرعاية داخل المنزل لهؤلاء أكثر تقبلًا من الوجهة السيكولوجية، بشرط أن تكون البيئة الأسرية مدعمة. والقاعدة الذهبية في جميع الحالات أنه حين يكون المسن متحررًا نسبيًّا من المرض ومن سوء البيئة، فإن جهازه العصبي يستطيع مقاومة التدهور المصاحب للتقدم في العمر، ويساعد على ذلك أن يعيش شيخوخةً عاديةً قبل موته، أما إذا اجتمع المرض وسوء البيئة لدى المسن، فإن التدهور النهائي يصبح حتمًا لا مناص له، ويصبح طور أرذل العمر مقدمة طويلة تسبق الموت السيكولوجي أو الفعلي.