المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نمو الشخصية: يولد الطفل كما أشرنا وهو مزوّدٌ بإمكاناتٍ نموِّ الشخصية، - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ ‌نمو الشخصية: يولد الطفل كما أشرنا وهو مزوّدٌ بإمكاناتٍ نموِّ الشخصية،

‌نمو الشخصية:

يولد الطفل كما أشرنا وهو مزوّدٌ بإمكاناتٍ نموِّ الشخصية، ومنها تنمو الشخصية بالفعل، وهو النموّ الذي تتحكم فيه ثلاث فئاتٍ من العوامل هي: الوراثة، والخبرات المبكرة داخل الأسرة، وأحداث الحياة اللاحقة. وبسبب اختلاف هذه العوامل من فردٍ لآخر، فإننا لا نجد شخصين يتحولان إلى شخصيتين متطابقتين.

ولعل أشهر وصفٍ لمرحلة الرضاعة أنها "مرحلة حرجة" في نموِّ الشخصية، وقد جاء هذا الوصف من أنها مرحلة بناء الأسس التي تقوم عليها شخصية الإنسان فيما بعد، وعلى الرغم من أن الشخص الراشد قد لا يتذكر إلّا القليل مما حدث له أثناء هذه المرحلة، فإن خبرات مرحلة الرضاعة لها أهمية قصوى في تشكيل الشخصية فيما بعد.

ولأن بيئة الرضيع محدودة "ببيئة المنزل"، ولأن والديه "وبخاصة أمه" هما رفيقاه الدائمان، يرى معظم علماء نفس النمو أن شخصية الفرد تتأثر تأثرًا كبيرًا بالعلاقة بين الطفل ووالديه في هذه المرحلة.

ومن المسائل الهامة التي يجب أن ننوِّهَ بها في هذه المرحلة، أن الرضيع لا يمكن وصفه بأنه كائنٌ خلقي أو لا خلقي؛ فالضمير لا يكون قد تَكَوَّنَ عنده بعد، كما لا يتوافر له مقياس للقيمة، ويمكن وصفه بأن سلوكه لا توجهه المعايير الخلقية بعد، ومع مرور الوقت يتعلم من والديه، ثم بعد ذلك من رفاقه ومعلميه، القواعد الخلقية للجماعة وضرورة مسايرتها.

وبالطبع، فإن تعلُّمَ الطفل السلوك على نحوٍ مقبولٍ اجتماعيًّا عمليةً طويلة المدى، بطيئة السرعة، ومع ذلك نستطيع القول أن أسس هذه السلوك- كغيرها من أسس بناء الشخصية الإنسانية- توضع في هذه المرحلة، وعليها يقيم بناءه الأخلاقي الذي يوجه سلوكه مع نموِّه فيما بعد.

ص: 215

فالطفل في هذه المرحلة حين يحكم بالخطأ أو الصواب، يكون هذا الحكم في ضوء محكِّ اللذة والألم الناتجين عن الفعل، وليس في ضوء ما ينشأ عنه بالنسبة للجماعة من خيرٍ أو ضُرٍّ، وبسبب نقص النمو العقلي في هذه المرحلة لا يستطيع الرضيع الحكم على السلوك إلّا في ضوء آثاره المباشرة فيه هو، ولا يتجاوز ذلك إلى آثاره في الآخرين، وعلى هذا يحكم الطفل على الفعل بأنه "خطأ" إذا كان مكدِّرًا له هو، ولا يشعر الطفل في هذه المرحلة بالذنب على "خطأ" يقع فيه؛ لأنه تعوزه المعايير المحددة للصواب والخطأ، فمثلًا لا يشعر "بالذنب" لأنه يستولي على لعب الآخرين وأشيائهم؛ لأنه لم تتوافر لديه بعد معايير حقوق الملكية.

ومعنى ذلك أن الأخلاق في هذا الطور هي -كما يصفه كولبرج- أخلاق الفردية والأنانية مع أخلاق الخضوع؛ حيث يظل في حاجة دائمة إلى من يوجهه إلى الخطأ والصواب.

ومع ذلك، فإن واجب الوالدين -طوال مرحلة الرضاعة- تدريب الطفل على إصدار الاستجابات الصحيحة في المواقف الخاصَّة، سواء في البيت أو خارجه، والفعل الخطأ يجب أن يظل الحكم عليه كذلك، بصرف النظر عن الموقف الذي يصدر فيه، وإلّا فإن الطفل سوف يقع في الخلط وسوء التمييز إذا كان الفعل الواحد يحكم عليه مرةً بالخطأ، ومرةً أخرى بالصواب، ومرةً ثالثةً يقابل بالتجاهل أو الإهمال، إنه في هذه الحالة لن يستطيع تحديد ما هو متوقع منه.

ومع أسلوب التدريب الحازم التي يستخدم أساليب الثواب والعقاب، يمكن أن يتوجه الطفل إلى أنماط السلوك الذي تجعله أقلّ إزعاجًا لوالديه خلال العام الثاني من هذه المرحلة، وهي الفترة التي يزداد فيها السلوك الاستكشافي والاستطلاعي للطفل، ويزداد رفضه لمطالب الوالدين، إلّا أن الهدف من هذا التدريب يجب أن يكون في جميع الحالات أن يميِّزَ الطفل بين الخطأ والصواب، وهذا التعليم التمييزي جهدٌ تربويٌّ طويل الأمد، مع ملاحظة أن إثابة الطفل على السلوك الصحيح بإظهار التقبل له والعاطفة نحوه، أكثر فعالية من عقابه على السلوك الخاطئ، وفي رأينا أن العقاب في هذه المرحلة "ولا يجب أن يتضمن على أيّ نحوٍ العقاب البدني" يجب أن يقتصر على الخطأ المتعمد، وفي حالة الضرورة القصوى، حين لا يستجيب الطفل لمطالب الوالدين بشكل متكرر.

أزمة الثقة في مقابل عدم الثقة:

يرى أريكسون في نموذجه للنمو الوجداني أن هذه الأزمة أخطر الأزمات الوجدانية في هذا الطور؛ ففي طور الرضاعة تؤثِّرُ نوعية الحياة التي يعيشها الطفل

ص: 216

في مشاعره الجوهرية والبدائية نحو البيئة؛ من حيث الثقة أو عدم الثقة فيها، ويشمل ذلك علاقات الحب والانتباه واللمس والتغذية.

ويقصد بالشعور بالثقة: قدرة الطفل على التنبؤ بسلوكه وسلوك الآخرين والاعتماد عليهما، وهو يشتق أساسًا من خبرات السنة الأولى من حياة الطفل "جزء من مرحلة الرضاعة"، ومعنى ذلك أن اتجاه الطفل الأساسي نحو "اعتمادية العالم بعضه على بعض" يتكون من طبيعة العلاقات التي يتعرض لها خلال تلك المرحلة التي يسميها فرويد "المرحلة الفمية"، والتي تحتل فيها الأشياء المتصلة بالتغذية ونشاط الفم أهمية بالغة، وتُعَدُّ الأم "أو بديل الأم" الشخص المهم في حياة الطفل في هذ المرحلة، وتؤثر طبيعة العلاقات بين الطفل والشخص القائم بدور الأمومة خلال هذه السنة الأول في تحديد المستوى الذي يصل إليه الطفل في مقياس الثقة - عدم الثقة، فإذا كانت حاجة الطفل إلى الطعام تحبط بشكل متكرر، فإن الطفل سوف يبدأ حياته وهو أقرب إلى بعد عدم الثقة، وقد يقضي على الشعور بالثقة سوء العلاقة الانفعالية الوجدانية، ورفض الأم للطفل انفعاليًّا أثناء إشباع حاجاته الجسمية.

ويرى أريكسون أن الخلل في الثقة الذي تتعرض له العلاقة الانفعالية بين الطفل والأم خلال السنة الأولى، يمكن إصلاحه إلى حَدٍّ ما في السنوات التالية، إذا تعرَّضَ الطفل لبيئةٍ اجتماعية ملائمة، إلّا أن هذا الخلل لا يتم التغلب عليه تمامًا مهما كانت الخبرات التالية إيجابية، وبالمثل فإن الطفل الذي يكوّن اتجاه الثقة خلال السنة الأولى، قد يتعرض لبعض الخبرات السلبية في المستقبل من أشخاصٍ مهمين بالنسبة إليه، تهز فيه هذا الشعور، ومع ذلك سوف يحتفظ بقدرٍ من الإحساس بالثقة في الذات، والثقة في الآخرين، ينشأ نتيجة لنجاحه في اجتياز أزمة الثقة - عدم الثقة في مرحلة الرضاعة، وهذه الفكرة حول دوام واستمرار الثقة أو عدم استمرارها تُعَدُّ المصدر الأساسي للنمو الوجداني في هذا الطور.

دور العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة في مرحلة الرضاعة:

الأسرة هي البيئة الاجتماعية الأولى التي يعيش فيها الطفل، ولهذا تلعب العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة دورًا هامًّا في تشكيل سلوك الرضيع، فوالداه وأخوته وأقاربه الذين يتصلون به اتصالًا مباشرًا ومنتظمًا خلال هذه السنوات التكوينية الهامة، يحددون جميعًا اتجاهاته نحو الناس والأشياء والحياة، وعلى الرغم من أن هذه الاتجاهات تتغير وتتعدل بلا شكٍّ مع نموِّ الطفل ومع اتساع آفاق البيئة التي يعيش فيها، إلّا أن جوهر هذه الاتجاهات ومحورها يظلُّ ثابتًا لفترةٍ طويلةٍ من الزمن.

ص: 217

وتأتي الأدلة على أهمية العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة في حياة الرضيع من مصدرين، أحدهما: دراسة الأطفال الذين حُرِمُوا من أمهاتهم وأودعوا في المؤسسات الإيوائية "كالملاجئ وغيرها"، لقد لوحظ على هؤلاء الأطفال أنهم حين يُحْرَمُون من أن يحبوا، وأن يكونوا محبوبين، تتأثر شخصايتهم بشكل خطير؛ فالطفل في هذه الحالة يصبح هادئًا ساكنًا غير مستجيبٍ لابتسامات الآخرين، ويظهر حِدَّةً انفعالية بالغة، كما لو كان بذلك يبحث عن اهتمام الآخرين، وتظهر عليه بوجهٍ عامٍّ مظاهر الشقاء والتعاسة.

أما المصدر الآخر: فهو دراسة الأمهات العاملات، فمن المعروف أن نسبةً متزايدةً من الأمهات يستوعبهن في الوقت الحاضر سوق العمل في معظم دول العالم، وقد تَرَتَّبَ على ذلك إنشاء "مراكز الرعاية النهارية" للرضَّعِ، والتي يطلق عليها أحيانًا تسمية "دور الحضانة"، وهي مؤسسات يتلقى فيها الأطفال رعاية جماعية في فترة غياب الأم في عملها، وقد تعرضت فكرة هذه المؤسسات للنقد في كثيرٍ من الأحيان، على أساس افتراض أن الطفل في هذه المرحلة في حاجةٍ إلى شخصٍ مهمٍّ واحدٍ يوجِّه إليه مشاعر التعلق، بالإضافة إلى الاعتقاد بأن الرضَّع يتلقون في هذه المؤسسات اهتمامًا ورعايةً وعاطفةً واستثارةً أقلَّ مما يتلقونه في المنزل، وهذا في حَدِّ ذاته يؤثر على النمو الاجتماعي والانفعالي والمعرفي للطفل.

ويصدق هذا القول بالطبع إذا كانت دور الحضانة هذه نوعًا من "مخازن الأطفال" كما وصفها فؤاد أبو حطب "1983"، إلّا أن نتائج البحوث تؤكد لنا أن رعايةً جماعيةً صحيحةً من الوجهة النفسية يمكن أن تهيئ ظروفًا مناسبة للنموِّ السليم، كما يحدث تمامًا في بيئة المنزل، وخاصةً إذا توافرت فيها التغذية المنظمة والتفاعل الاجتماعي المتكرر وفرص الاستطلاع والاستكشاف والاستثارة، ومع عدد مناسب من الصغار الذين ترعاهم المشرفة في دار الحضانة، وهو ما لا يجب أن يتجاوز ثلاثة أطفال بحالٍ من الأحوال، بشرط أن يقضي الطفل معظم يومه مع أمِّه بعد انتهاء فترة عملها.

والسؤال الآن: ما هو دور الأب في مرحلة الرضاعة؟ لقد أثير هذا السؤال في السنوات الأخيرة بسبب التنبه إلى الفائدة التي يجنيها الرضيع من الرعاية التي يقدمها له أبوه إلى جانب رعاية الأم، وقد أكدت البحوث أن الآباء يظهرون قدرًا كبيرًا من الحساسية والعاطفة والمهارة في التعامل مع أطفالهم الرضع، إلّا أن نمط السلوك في الحالتين مختلف؛ فالأب يمارس مع طفله أنماط النشاط التي تتطلب اللعب الجسمي "مثل قذف الطفل في الهواء" أما الأم، فإنها تمارس مع الطفل لعبًا أكثر رقَّةً "كاستخدام اللعب"، بالإضافة إلى أنها تتصل بطفلها اتصالًا فيزيائيًّا أكثر

ص: 218

"وخاصةً في حالة الرضاعة الطبيعية، وبصفة عامَّةٍ يُلَاحَظُ أن الأم أكثر قدرةً من الأب على توجيه عاطفتها واهتمامها نحو الطفل، ويدل هذا على أن الأمومة هي الدافع الأقوى في هذه المرحلة، فهي الدافع الذي يهيئ الأم للقيام برسالتها الهامة في الحياة، وهي بقاء النوع "الحمل والولادة والرضاعة"، وهذه جميعًا ترتبط بها مشاعر العناية والحُنُوِّ على الطفل حتى ينمو، وهذه الوظائف لا ترتبط بدور الأبوة، وربما لهذا السبب أننا لا نجد في الحيوانات إلّا "أمومة" فقط، وقد جاء تكريم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة للأمومة تتويجًا لهذا الدور الهامِّ في حياة الإنسان.

وتتغير علاقة الرضيع بوالديه مع تحوله من طفلٍ عاجزٍ معتمدٍ إلى طفلٍ أكثرَ استقلالًا نسبيًّا "مع النمو الحركي خاصة"، ولعلَّ أهم ما يشغل الوالدين في هذه المرحلة الظروف الجسمية للطفل، ويُسَبِّبُ هذا قلقًا زائدًا لدى الأمهات "وخاصة أولئك اللاتي يمارسن دور الأمومة لأول مرة"، فهن يخشين الفشل في رعاية الطفل، وقد يؤدي هذا القلق إلى توتر الطفل الذي قد يؤثر على أكله ونومه.

ولعلَّ من أخطر المشكلات في هذه المرحلة "الحماية الزائدة" التي يخلعها الوالدان على الطفل "وخاصة الطفل الأول" بسبب شعورهما بعجزه الكامل، وقد يؤدي ذلك بالطفل إلى تنمية اتجاه الاعتمادية، ومن المؤكَّد أن في مرحلة الرضاعة فترتين حرجتين لاتجاه الحماية الزائدة؛ أولاهما: في نهاية العام الأول، حين يختبر الطفل أمه لمعرفة ما إذا كان يمكنه الاعتماد عليها، والطفل في هذه الفترة لا يزال عاجزًا ولا يزال في حاجةٍ إلى من يشبع له حاجته، إلّا أن ما يلاحظ أحيانًا أن بعض الأمهات يتجاوزن حاجات الطفل، ولا يشجعن فيه الاستقلال قدر الإمكان، أما الفترة الثانية: فهي في نهاية العام الثاني "ونهاية المرحلة ككل" حين تكون هناك مطالب اجتماعية من الطفل لتغيير أساليبه السابقة في السلوك، ومع ذلك تسبغ الأمهات عليه طابع الحماية الزائدة، ولهذا نجد بعض الأطفال يتشبثون بالوضع الذي هم فيه "الاعتماد الطفولي الزائد".

ومع نموِّ الطفل يزداد سعيه للاستقلال وضوحًا وتحديدًا، إلّا أنه بسبب عجزه عن القيام بالمهارات المطلوبة واللازمة لهذا الاستقلال نتيجةً للحماية الزائدة، يبدأ الصراع بين الطفل والوالدين في الظهور، ثم يتحول بغضبه إلى نفسه، وإلى كلِّ من يحيط به، عندما يعجز عن القيام بما يريد.

وقد يُوجَدُ الطفل في أسرةٍ لها أطفالٌ آخرون هم أخوة الرضيع، وبالطبع فإن اتجاه الرضيع نحو هؤلاء الإخوة يتوقف على طرق معاملتهم له، فإذا كانوا يلعبون معه، ويبدون العاطفة نحوه، فإنه يتوجه إلى حبهم، ويتوقف هذا على نجاح الوالدين

ص: 219

في تهيئة الإخوة لاستقبال الطفل قبل مولده، وعادةً ما تظهر الأخت هذا الاتجاه الإيجابي نحو الرضيع أكثر من الأخ؛ لأن رعاية الطفل تعتبر في معظم المجتمعات وظيفة أنثوية، ولهذا فإننا كثيرًا ما نجد الرضيع يُفَضِّلُ أخته الكبرى على أخيه الأكبر.

ويتركز اهتمام الأسرة خلال فترة الرضاعة على تدريب الطفل على الطعام "الفطام التدريجي" والنوم والإخراج، وقد لوحظ أن الوالدين الأكثر تفتحًا يميلون إلى أن يكونوا أكثر تسامحًا في هذا التدريب، إلّا أن المهم أن يكون ذلك جزءًا من برنامج واضح لرعاية الطفل في هذه المرحلة، يهدف إلى إشاعة الثقة في الطفل وتجاوزه أزمة الشك التي تشير إليها إيرك أريكسون "راجع الفصل الثالث". ويحدد محمد عماد الدين إسماعيل "1986" أربعة مبادئ عامة تحدد دور الوالدين في هذه الرعاية هي:

1-

الفورية والثبات في استجابة الأم "أو من يقوم برعاية الطفل" بشكل عامٍّ لمؤشرات التوتر التي تصدر عن الطفل.

2-

ضرورة التفاعل المستمر بين الطفل والأم، على ألَّا تكون محض مستجيب لحاجات الطفل، وإنما يجب أن يكون لها دور المبادأة في استثارة نموه المعرفي والانفعالي والوجداني، وهذان العاملان يؤديان إلى كسب ثقة الطفل، ويحققان له "التعلق" المستقر بها.

3-

تشجيع الطفل عل استطلاع البيئة التي يعيش فيها، سواء باستخدام الحواس والحركة، أو من خلال نشاطه الاجتماعي.

4-

تشكيل البيئة المادية للطفل؛ بحيث تكون ملائمة لمستوى نموه؛ وبحيث تشجعه على على الاستكشاف والاستطلاع المستمر.

ص: 220