الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين
…
تصنيف دوافع التعلُّمِ لدى الراشدين:
يمكن أن تصنف دوافع التعلُّمِ لدى الراشدين إلى فئاتٍ ثلاث أساسية هي: الدوافع المهنية، ودوافع الذات، والدوافع الاجتماعية، ونعرض لهذه الفئات فيما يلي:
أولًا: الدوافع المهنية: من أهم الدوافع للتعلُّمِ عند الراشدين على الإطلاق -وخاصة عند الراشدين الصغار- الدوافع المهنية voctional، أي: ما يتصل بالالتحاق بالعمل، أو النموِّ والترقية فيه، وقد لوحظت أهمية هذا النوع من الدوافع، فقد وُجِدَ أن حوالي 10% من الدارسين في الفصول غير المهنية، ذكروا أن دافعهم الأساسي مهنيٌّ في جوهره، ومن الواضح أنه في البرامج ذات الطابع الصناعي أو المهني المباشر سوف يسود هذا الدافع إلى الحد الذي يمكن أن يستبعد جميع الدوافع الأخرى.
إلّا أن ما يجب أن ننبه إليه أنه في معظم برامج تربية الراشدين أو التدريب الصناعي، نجد أن ما يبدو أنه دافع مهني مباشر قد يتغلب عليه دوافع أخرى؛ مثل: الميل إلى موضوع التعليم لذاته، أو الرغبة في البحث عن مجالٍ لتخفيف آثار الملل الناجم عن العمل الروتيني، من خلال "الترويح" أو "قضاء الفراغ"؛ حيث لا نجد العنصر المهني واضحًا.
ثانيًا: دوافع تنمية الذات: توجد فئة أخرى من دوافع التعلُّمِ عند الراشدين يمكن أن تُسَمَّى دوافع تنمية الذات self-development، أو الدوافع الشخصية، كما تتمثل في رغبة الفرد في تحسين تعليمه العام، أو الرغبة في إشباع الميل نحو موضوعٍ معينٍ أو هواية خاصة، وكثير من المسوح التي أُجْرِيَتْ أثبتت أن هذه الدوافع شائعة لدى الراشدين، وهي أكثر شيوعًا عند النساء منها عند الرجال، حتى أن النساء اعتبرنها دوافعهن الأساسية بالمقارنة بالدوافع المهنية عند الرجال.
والواقع أن التمييز بين الدوافع المهنية ودوافع تنمية الذات ليس حاسمًا، فإذا علمنا أن معظم النساء اللاتي اخترن الدوافع الشخصية؛ كدوافع للتعلم، كن من النوع التي تسميه جافرون "1968""الزوجات الأسيرات""captive wives"، أي: الأمهات الصغيرات والزوجات في وسط العمر، اللاتي يشعرن بالعزلة داخل أسرهن، وهؤلاء يشعرن بالحاجة إلى تحسين تعليمهن العام؛ كطريقة لإثبات أنهن لازلن
مستقلات وقادرات على التفكير، سواء لأنفسهن أم لأسرهن، إلّا أن هذه الحاجة قد تمتد أيضًا عندهن لتتمثل في اعتبار هذا التعليم تدريبًا أوليًّا على عمل جديد؛ فعمل ربة البيت عندهن -مهما كان صعبًا وشاقًّا- لا يعد عملًا بالمعنى الشائع في المجتمعات الموجهة بالعمل الذي يتخذ في جوهره صورة الجهد المدفوع الأجر.
وهذا النوع من النساء -الذي يزداد عدده في الوقت الحاضر في مجتمعاتنا العربية- يشعرن أحيانًا بالسعادة بأي تعليم يسمح لهنّ بالخروج من المنزل، ومعه يبدو ميلٌ متزايد لاختيار فرع التعليم الذي يقود إلى اكتساب بعض المهارات؛ لأن هذا يهيئ لهن ليس فقط هدفًا واضح المعالم يتحداهن، وإنما يعتبر أيضًا خطوة نحو عالم العمل وما يرتبط به من مزيدٍ من احترام الذات.
ثالثًا: الدوافع الاجتماعية: من الأساطير الشائعة حول تربية الراشدين أنهم يسعون إلى التعليم لأسباب اجتماعية في جوهرها، ومن المؤكد أن من السهل إدراك أن المرأة -إلى جانب الدوافع العقلية والمعرفية- للتعلُّم، كما أن كثيرًا من الدارسين الرجال قد تكون لديهم أهداف اجتماعية يسعَوْنَ إلى تحقيقها من خلال هذا التعلُّم، إلّا أن البحوث المسحية التي أُجْرِيَتْ أثبتت أن الدوافع الاجتماعية ليست شائعة الذكر عند المتعلمين الراشدين، ففي مسح المعهد القومي لتربية الراشدين لم يذكرها سوى 10% فقط من عينة البحث،
إلّا أن هذا لا يعني أن الدوافع الاجتماعية لا تلعب دورًا في تعليم الراشدين، فبعض هؤلاء يلتحقون في البرامج بحثًا عن الأصدقاء، بل إن بعض هؤلاء يذكرون ذلك صراحةً تخفيفًا من الوحدة بعد فقدان شريك العمر، وفي بعض الأحيان قد يلتحق بالدراسة مجموعة من الأصدقاء أو الجيران لا تتوحد اهتماماتهم وميولهم حول موضوع معين، وإنما لمحض أن يلتقوا، بل إن بعض هؤلاء يسعى للتعليم لأن صديقًا حميمًا لهم قرر هذا بالفعل، بل إن الباحث في هذا الميدان كثيرًا ما يسمع من الدارسين الراشدين أنهم التحقوا بالدراسة لشغل وقت الفراغ، وحين يختارون ما يدرسون -في فصول الخدمة العامة مثلًا- يكون غرضهم من الاختيار غير مادي، ومن ذلك دراسة تنسيق الحدائق، والموسيقى، والأشغال المعدنية والفنون وغيرها.
ومن ناحيةٍ أخرى يجب ألَّا نعتبر هذه الدوافع فئة مستقلة عن الدوافع الأخرى التي أشرنا إليها، فلا يوجد سبب معقول للقول أن الدارسين الراشدين الذين
الذين يكون دافعهم الأولى اجتماعيًّا في جوهره يرفضون عملًا يرتبط بالمعارف والمهارات التي تعلموها في هذا السن، بل إن هؤلاء قد يسعون إلى العمل بالفعل إشباعا للحاجة إلى الأمن داخل جماعة.
وقد حاول بعض المربين الربط بين الدافع للتعلم ودورة الحياة عند الإنسان، ومن ذلك مثلًا القول بأن دوافع التعلُّم في الرشد المبكر ترتبط بالحصول على المعلومات واكتساب المهارات الخاصة بتكوين الأسرة وإدارة المنزل وتربية الأطفال والتكيُّف لظروف العمل ومطالبه، وفي مرحلة وسط العمر تتمركز دوافع التعلُّم على ما يُشْبِعُ المطالب المتغيرة للعمل والنمو المهنيّ، وطرق التعامل مع الأبناء المراهقين والشباب، والتغلب على جوانب الفشل التي قد يتعرض لها المرء، وخاصةً مع إحباط بعض المطامح الشخصية والآمال الخاصة، أما في مرحلة الرشد المتأخرة "الشيخوخة" فترتبط الدوافع الهامة للتعلُّم بالتكيف للتقاعد ونقصان القوة الجسمية واستغلال وقت الفراغ استغلالًا مفيدًا، والبحث عن فلسفةٍ للحياة تعطيها معنًى ومغزًى واضحين من خلال المعرفة الدينية خاصةً.
ولا شكَّ أن في اكتشاف الدوافع الكامنة أو الأقل وضوحًا من المسائل الصعبة وتستحق الجهد الذي يبذل في ذلك؛ لأنها تحدد لنا بالفعل ما يمكن أن يدفع الإنسان الراشد للتعلم، وقد يكون من أهم الدوافع هنا رغبة المتعلِّم في اختيار نفسه، وفي هذا نميز بين دوافع الالتحاق ببرنامج الدراسة ودوافع التعلم بالفعل، فما يرغب الدارسون في تعلمه قد يكون شيئًا مختلفًا تمامًا عَمَّا يُقَدَّمُ لهم بالفعل، فليست دراسة اللغات أو ميكانيكا السيارت في ذاتهما هي التي تدفع الدارسين الراشدين للتعلُّم، وإنما قد يكون الأكثر أهميةً عندهم أن يهيئوا لأنفسهم فرصةً لمعرفة ما إذا كانوا يستطيعون تعلُّم شيءٍ يظنونه صعبًا أو مستحيلًا.
وبالطبع فإن دوافع التعلم عند الراشدين -كغيرهم من فئات المتعلمين- قابلة للتغير، وهذا التغير ذو وجهتين؛ فالدارس مثلًا الذي يأتي للتعلُّم مليئًا بالحماس والرغبة قد يفقد بسرعة أو بالتدريج هذا الحماس وتلك الدافعية العالية إذا كان موضوع التعلم سيئ العرض، أو كانت طريقة التعليم وظروفه غير مشجعة، وبالمثل فإن الدارس الذي يأتي إلى برنامج الدراسة لأن "صديقًا" مشترك له فيه دون رغبة حقيقية في التعلُّم قد يتحول إلى الحماس القوي للتعلم والرغبة الشديدة فيه إذا كان التدريس جيدًا، وفي بعض الأحيان قد يكون الجو الاجتماعي في البرنامج أحد العناصر التي تدفع الدارسين للاستمرار فيه، وعند البعض قد يكون