المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: المنظور اليوناني للنمو الإنساني - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌أولا: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

لمفاهيم النمو الإنساني ماضٍ طويل يمتد بأصوله إلى التصور الديني والتأمل الفلسفي والخبرة الشخصية للإنسان. أما الدراسة المنظمة لهذا الموضوع، والتي تعتمد في جوهرها على الأسلوب العلمي في البحث القائم على الملاحظة، فلها تاريخ قصير لا يتجاوز المائة عام. ونعرض فيما يلي هذا الماضي الطويل والتاريخ القصير بشيء من الاختصار يتسع له المقام، وهذا العرض ليس هدفه مجرد الاستطراد التاريخي، وإنما الإشارة إلى الأصول النظرية والفلسفية التي استندت إليها الدراسات العلمية الحديثة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أو بشكل مضمر أو صريح، وبهذا قد تتحدد أوجه الاتفاق والخلاف التي تبدو لنا غير مفهومة إذا نظرنا إليها من السطح، بينما التعمق فيها وسبر أغوارها يكشف لنا الكثير من الفهم والحكمة والتبصر.

ونتناول هذا العرض من خلال منظورين للنمو، هما: المنظور الغربي والمنظور الإسلامي، ونخصص هذا الفصل للمنظور الأول من خلال الفكر اليوناني ودوره في تطور مفاهيم الحضارة الغربية عن الطبيعة البشرية ونمو الإنسان، ثم نخص الفصل التالي للمنظور الإسلامي، مع إشارة خاصة إلى كيفية توجيه بحوث النمو في العالمين العربي والإسلامي، على نحوٍ جديد.

أولًا: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

على الرغم من أن الحضارة اليونانية هي أحدث الحضارات القديمة نشأت، إلّا أن هناك إشارات متكررة لدى الحضارات القديمة الأخرى السابقة عليها إلى مسائل تتصل بطبيعة الإنسان، وعلى وجه الخصوص في الحضارة المصرية القديمة التي أظهرت رعايةً واهتمامًا كبيرين بالطفل، باعتباره كائنًا عاجزًا وضعيفًا، وفي حاجة إلى إشباع متطلباته الجسمية؛ من تغذية وحركة، بالإضافة إلى حاجته الاجتماعية للعب. "فؤاد أبو حطب، تحت الطبع". كما أن قوانين حمواربي

ص: 19

في حضارة بابل تضمنت ضرورة المحافظة على الطفل "Borstelmanm 1983" ونجد استبصارات لا تقل أهميةً في حضارات فارس والهند والصين، إلّا أن هذا التراث العظيم لم يعرض بالتنظيم والتفصيل الكافيين الذين عرض بهما تراث اليونانيين لأسباب تعود في جوهرها إلى تحيز مؤرخي العلم لدى الغرب، الذين يبدأون عادة باليونان، ثم يقفزون إلى عصر النهضة الأوربية، وهي قضية تناولها بالتفصيل فؤاد أبو حطب في عدد من دراساته "فؤاد أبو حطب، تحت الطبع 197، 1993"، Abou-hatab، 1996، 1997"، ولا يتسع المقام لتناول هذه المسألة بالتفصيل، وحسبنا أن نحيل القارئ للدراسات التي أشرنا إليها.

وما دام هذا الفصل قد خصصناه لأصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب، فسوف نعرض لهذه الأصول ابتداءً من اليونان، على النحو الذي عرفته كتابات مؤرخي الغرب للعلم والثقافة، ثم نتولى تصحيح هذا الموقف في الفصل التالي من خلال عرض النمو الإنساني من المنظور الإسلامي.

وبالطبع، لا يتسع المقام لعرض تفاصيل الفكر الفلسفي اليوناني حول الموضوع منذ عصر ما قبل سقراط، وحسبنا أن نشير إلى الاتجاهين الأساسين الذين مثلهما أفلاطون وأرسطو على وجه الخصوص، وهما الاتجاه المثالي من ناحية، والاتجاه الواقعي من ناحية أخرى.

1-

مثالية أفلاطون:

يرى أفلاطون "427-347ق. م" في تصوره للطبيعة البشرية، أن النفس "وهي مفهوم فلسفي يقابل ما يسمى في علم النفس الحديث الشخصية" تتألف من الشهوة والإرادة والعقل، وتظهر الشهوات "وهي الرغبات والانفعالات" في الإنسان عند ميلاده، وتسيطر على حياة الوليد، وسنوات طفولته المبكرة، وتبدو على وجه الخصوص في الحاجات الجسيمة والانفعالية للفرد، وتنمو الإرادة خلال الطفولة المتأخرة والمراهقة، وتمثل نزوع الشخص وشجاعته وخلقه واعتقاده، ومع النضج يسيطر المكون العقلي للنفس.

ويصور لنا أفلاطون في محاورة فيداروس العلاقةَ بين هذه المكونات الثلاثة في أسطورة العربة التي يشبه فيها النفس بعربة يجرها جوادان ويقودها سائق.

وأحد الجوادين عريق الأصل، سلس القيادة "الإرادة"، أما الآخر فرديء الطبع، جامح غضوب عصي "الرغة أو الشهوة"، وسائق العربة هو العقل؛ فالعقل هو الذي يقود سلوك الإنسان، والمكونان الآخران يزودانه بالقوة والطاقة.

وفي الفلسفة المثالية لأفلاطون، أن القدرة على الاستدلال والتفكير والتعقل هي

ص: 20

التي تميز جوهريًّا بين الإنسان والحيوان، وعلى الرغم من أنه لم ينكر الجانب اللاعقلاني في الطبيعة البشرية إلّا أنه يرى أن التدريب على التفكير قد يعين الإنسان على تخطي الشهوة والنزوع، ومع ذلك فإنه يرى أنه نتيجة للتكوين الفطري للإنسان، فقد يكون لأحد هذه المكونات الثلاثة الغلبة والسيطر على "نفس" معينة، ولهذا يرى أفلاطون في "الجمهورية" أن تحدد المهام التي يسمح للطفل أن يقوم بها لمصلحة الدولة في ضوء إمكاناته الفطرية، ثم تربيته تبعًا لذلك، فمعظم الناس عند أفلاطون تحكمهم الشهوات والعواطف، وبالتالي يجب تدريبهم على أن يصبحوا عمّالًا، وبعضهم تسيطر عليه الإرادة والنزوع، ولهذا يجب عليهم خدمة الأمة كجنود، أما الأقلية التي يسيطر عليها العقل، فهم ساسة المجتمع وفلاسفته.

وهكذا، فإن الطبيعة البشرية عند أفلاطون تحكمها الفطرة، ومهمة البيئة أو الخبرة، أن تنشط هذه الفطرة وتصل إلى أقصى حدودها الممكنة، وهي ما يسميه أفلاطون "المثل" الموجودة بالفعل داخل العقل، أما الخبرة أو التعلم فهما محض خداع.

وكذا كان أفلاطون أول فيلسوف يصوغ الاتجاه الذي عرف في تاريخ الفكر الإنساني بالمثالية أو العقلانية، والتي تتميز بثنائي الجسم والعقل، وهو الاتجاه الذي أثَّر في علم النفس الغربي الحديث بمعالمه الأربعة: الفطرة، ولكلية، والحدس، والحيوية، وهي المعالم التي عرضها هولس وزميلاه "ترجمة فؤاد أبو حطب، آمال صادق، 1982".

2-

واقعية أرسطو:

في مقابل مثالية وفطرية أفلاطون، كان أرسطو "384-323 ق. م" يرى أن جوهر الطبيعة البشرية ليس "مثلًا" محددة مقدمًا بالفطرة، وإنما هي طبيعة محددة أساسًا بالخبرة، وهكذا ظهر أول صراع في التاريخ بين أنصار الفطرة وأنصار الخبرة؛ فالعقل عند أرسطو يتألف من الإحساسات الأساسية التي تترابط معًا بقوانين التداعي، ولعله بذلك كان أول من عَبَّر عن الفكرة التي شاعت بعد ذلك في الفلسفة الغربية وفي علم النفس الغربي الحديث، وهي أن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء، وفي هذا الصدد يوحد أرسطو بين العقل والجسم. وخبرات الإنسان عنده "وخاصة ملاحظاته الدقيقة" تعين على توضيح الحقيقة، وليس تشويهها، أو سوء عرضها "ما يرى أفلاطون".

وبيما كان أفلاطون يشك في الدليل الذي تقدمه الانطباعات الحسية، فإن أرسطو كان أكثر شكًّا في قدرة العقل وحده على إدراك الحقيقة دون خطأ، وعنده أن الحقيقة لا يتم البرهان عليها إلّا بالاتفاق المتبادل على الملاحظات. وأي

ص: 21

ملاحظات يتفق عليها على أنها تمثل الحقيقة، يجب التعبير عنها منطقيًّا، وهي وحدها التي تقودنا إلى تفسير الأحداث أو السلوك، أي: بالبحث عن أسبابها، وعللها، ومرة أخرى نقول: إن أرسطو كان أول من صاغ معالم هذا الاتجاه المضاد الذي يُسَمَّى الواقعية أو المادية، والذي تتحدد معالمه الأربعة في الطرفية والاختزالية والترابطية والأمبريقية، وهي المعالم التي لعبت دورًا خطيرًا في تطور علم النفس الحديث "هولس وآخران، ترجمة فؤاد أبو حطب، آمال صادق، 1982".

3-

طفل إسبرطة:

كانت إسبرطة هي المقابل الحضاري لأثينا، وإذا كانت أثينا "الديمقراطية" قد أنتجت عمالقة للفكر الإنساني؛ مثل: أفلاطون وأرسطو، فإن إسبرطة "الديكتاتورية" لم تنتج فكرًا، وإنما أفرزت ممارسة عملية في تنشئة الطفل يكمن وراءها تصور معين للطبيعة البشرية، وتتلخص هذه الممارسة في أن الطفل عقب ولادته مباشرة يعرض على "مجلس الحكماء"، الذي يتولى فحصه لتحديد مدى قوته وصحته وصلاحيته للبقاء في المدينة، فإذا كان الطفل ضعيفًا أو معوقًا يؤخذ إلى البرية ويتترك فيها ليموت "أليس في هذا بذور فكرة البقاء للأصلح التي أشاعتها نظرية التطور في القرن التاسع عشر؟! "، أما الطفل السعيد: فهو الذي يعلن المجلس أنه صحيح. وعندئذ يتعرض لبرنامج من التدريب القاسي لتقويته وتدريبه للمهنة الشاقة، وهي خدمة الدولة العسكرية، وفي هذا التدريب "الذي يشمل حمامات الماء البارد في عز الشتاء الأوروبي" لا يسمح للطفل بالصراخ؛ لأنه علامة على ضعف الخلق، وفي سن السابعة يؤخذ الطفل من منزل أسرته ويعيش في معسكرات عامة، ويتعرض في حياته الجديدة لنظام أكثر مشقة وقسوة.

وحتى يكتسب الطفل صفات النظام والصلابة العقلية، كان قادة هذه المعسكرات يستخدمون أساليب العقاب البدني العنيف والحرمان من الطعام لعدة أيام، وطوال حياة الأطفال في هذه المعسكرات، والتي تستمر لأكثر من عشر سنوات، يغلب على تربيتهم الاهتمام بالجانب الجسمي على حساب النواحي العقلية والوجدانية.

وفي سن الثامنة عشرة وحتى سن العشرين، يتدرب الشاب تدريبًا مباشرًا على العمل العسكري وفنون القتال، ثم يلتحق بصفوف الجيش ويظل فيه لمدة عشر سنوات أخرى، في حياة أكثر خشونة وقسوة، وفي سن الثلاثين يتم الاعتراف للفرد بحقوق المواطنة الكاملة، وعندئذ يمكنه أن يتزوج وأن يسهم في إدارة المدينة.

ولم يعترف الإسبرطيون بالفروق بين الجنسين، إلّا أن تدريب البنات على المهام لم يتطلب التحاقهم بمعسكرت، وإنما كان يتم في ساحات المدينة العامة بإشراف الأمهات، أما الهدف في الالتين فكان واحدًا: إعداد الذكور الأقوياء جسميًّا للدفاع عن الدولة، وإعداد الإناث القويات جسميًّا لإنجاب الأطفال الأقوياء للقيام بنفس المهام.

ص: 22