الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:
توجد خصائص وراثية معينة تسمى الخصائص المرتبطة بالجنس، والتي تتأثر بالمورثات التي توجد على صبغيات الجنس، ومن المعروف أن الكروموزوم "ص" أقل في عدد مورثاته من الكروموزوم "س" كما ذكرنا، لهذا نجد أن معظم تلك الخصائص تحملها مورثات النوع الأخير، أي:"س"، وهو في جوهره صبغي أنثوي، ومن الاضطرابات الوراثية التي يحملها هذا الكروموزوم مرض الهيموفيليا "سيولة الدم"، وعمى الألوان المرتبط باللونين الأحمر والأخضر، والصلع، وبعض صور الصمم، وبعض صور خلل الجهاز العضلي.
وفي بعض حالات الوراثة المرتبطة بالجنس يكون المورث متنحيًا، خذ على سبيل المثال: الاضطراب الجسمي المعروف باسم الهيموفيليا "سيولة الدم" الذي قد يظهر في الجنين إذا كان مورثه متنحيًا، ولا يوجد في النمط الوراثي مورث سائد خاص بتجلط الدم، إلّا أنه في معظم الحالات نجد أن الأجنة الذين لديهم مورث متنحٍ لسيولة الدم يكون لديهم أيضًا مورث سائد خاص بالتجلط الصحي للدم، ولذلك لا يظهرون هذا الخلل، ويصبحون فقط حاملين وراثيين له، وبالطبع إذا كانت الأم حاملة لهذا المورث المرضي فإنها تنقله إلى نسلها، إلّا أن هذا الانتقال يختلف في الذكور عن الإناث، فإذا كان الجنين ذكرًا، فإن نسبة وراثيته لهذا الاضطراب تصبح 50%، ما دام لا يوجد مورث صحي سائد في الكروموزوم الأصغر "ص"، الذي يرثه الذكر عن والده؛ بحيث يمنع ظهور الهيموفيليا، أما إذا كان الجنين أنثى لهذه الأم الحاملة للمرض في صورة مورث متنحٍ، فإن الفرصة حينئذ تصبح أكبر بألا تصاب بالمرض؛ لأنها قد ترث عن والدها مورث سائد لتجلط الدم، وقد تكون أحيانًا حاملة للمرض، والطريق الوحيد لانتقال المرض وراثيًّا إلى الجنين الأنثى في هذه الحالة، وظهوره عندها بشكل صريح في في شكل مظهر موروث، أن يكون مورث الأب من النوع المريض أيضًا، وبالتالي يسهم في الجنين الأنثى بمورث متنحٍ له، أي: أن الأنثى المصابة بالهيموفيليا -وغيره من الأمراض السابقة كعمى الألوان- تتلقى مورثة من كلٍّ من الاب والأم في صورة متنحية.
ولعل هذه الحقائق العلمية تفسر لنا ما نلاحظه من أن الخصائص المرتبطة بالجنس أكثر حدوثًا بين الذكور منها بين الإناث، ومن ذلك مثلًَا: أن عمى الألوان "بالنسبة للونين الأحمر والأخضر" ينتشر بين الذكور بمعدل يبلغ ثمانية أضعاف انتشاره بين الإناث "Mussen 1970"، وبالمنطق الوراثي السابق نقول: إن جميع النساء المصابات بعمى الألوان لا بد أن يكون أباؤهن لديهم مورثه أولًا.
خلل صبغيات الجنس:
في معظم الحالات يكون نمط صبغي الجنس في الجنين من النوع "س س" للأنثى، و"س ص" للذكر على النحو الذي بيناه، إلّا أنه في بعض الحالات يحدث تنظيم مختلف يترتب عليه حدوث اضطرابات هامة يرثها الطفل، ومنها:
1-
زملة1 النقص في أحد الصبغيين "س" عند الإناث، ويكون النمط
1 كلمة زملة هي ترجمة المرحوم أ. د: يوسف مراد لكلمة syndrome الأجنبية، وقد شاعت في الوقت الحاضر ألفاظ أخرى مثل: متزامنة، إلّا أن هذه الترجمة الأصلية في رأينا هي الأصوب، وتدل على مجموعة أعراض مرضية خاصة بمرض واحد.
الوراثي عندهن من النوع "س صفر" أي: عدم وجود الكروموزوم "س" الآخر، وتسمى زملة ترنر Turner، ويظهر هذا النقص بنسبة 1: 250 حالة ولادة، والأنثى التي تولد بهذا النقص الوراثي يكون نموها محدودًا، وعلى الرغم من أنها قد لا تظهر تخلفًا عقليًّا شاملًا، إلّا أنها تظهر بعض مظاهر العجز في القدرات المكانية على وجه الخصوص "أي: القدرة على التعامل مع الأشكال في المكان".
2-
زملة الزيادة في بعض صبغيات "س" عند الإناث أيضًا، وفي هذه الحالة يكون النمط الوراثي "س س س" أو أكثر، وفي هذه الحالة تظهر مظاهر العجز الجسمي والعقلي مع كل كروموزوم "س" إضافي.
3-
زملة الزيادة في بعض صبغيات "س" عند الذكور، ويكون النمط الوراثي من النوع "س س ص"، وتسمى زملة كلاينفلتر Klinefelret، ويحدث بنسبة 1: 500 حالة ولادة، ويؤدي ذلك الاضطراب إلى طول في القامة وإلى نمو جنسي معوق، وقد يصاحبه تخلف عقلي طفيف، وبعض الاضطراب في الشخصية.
4-
زملة الزيادة في الصبغي "ص" عند الذكور أيضًا، وتسمى اضطراب الذكورة الزائدة supermale disorder، ويكون النمط الوراثي في هذه الحالة "س ص ص" أو أكثر، وهذا الخلل يصاحبه طول في القامة مع تآزر حركي ضعيف، ونقص في الذكاء وكثرة بثور الوجه، وقد افترض في الماضي -في ضوء الدراسات المبكرة التي أجريت على الذكور المسجونين بسبب جرائم العنف والاغتصاب- أن هذه الزملة تمثل أحد الأنماط "الوراثية" للجريمة، إلّا أن هذا الفرض يوضع في وقتنا الحاضر موضع التشكك بسبب نقص الضوابط المنهجية في البحوث المبكرة، وأهمها: عدم استخدام المجموعات الضابطة، ويرى بعض الباحثين المعاصرين أن ارتفاع معدل الجريمة المرتبط بهذا الاضطراب الوراثي لدى الذكور، لا يتربط بزيادة مستويات العدوان بقدر ما يرتبط بنقص الذكاء لديهم.
"Brodzinsky et al 1986"
الخلل العام في الصبغيات:
يوجد نوعان من الخلل العام في الصبغيات، أحدهما: يتمثل في العدد غير العادي من الكروموزومات، وثانيهما: البنية غير العادية لها، ويحدث النوع الأول أثناء الانقسام النصفي للنطف الأصلية للأم والأب "البويضة والحيوان المنوي"، وقد يحدث أيضًا أثناء مراحل النمو المبكر للنطفة الأمشاج "الزيجوت"، وفي كلتا
الحالتين فإن زوج الصبغيات لا ينفصل كما يجب، ويترتب على ذلك زيادة أو نقص أحد صبغيات الخلية.
أما الخلل الثاني، وهو خلل بنية الصبغيات في الخلية فيتضمن أنواعًا عديدة، لعل أهمها تحطم الكروموزوم، أو إعادة بنائه بطريقة غير طبيعية، ومن أسباب ذلك التعرض للإشعاع أو العناصر الكيميائية أو الفيروسات أو حدوث طفرة وراثية، كما يزيد من احتمال خلل الكروموزومات تقدم الأم في السن.
ويعد الخلل العام في الصبغيات مسئولًا عن حوالي 50% من حالات الإجهاض التلقائي في بداية الحمل، وعن حوالي 6% من حالات الوفاة عقب الولادة، ومن المعروف أن حوالي 6. % "أي: 6 في الألف" من الأطفال الذين يولدون أحياء، يحملون بعض صور الخلل العام في الصبغيات، على الرغم من أنه ليس من الضروري أن يظهروا جميعًا نقائص من نوعٍ ما "Liebert et al" "1986، ولحسن الحظ، فإن التطورات الراهنة في ميدان الفحص الوراثي والإرشاد الوراثي، يمكن أن تعين في منع حدوث هذه الحالات من الخلل الوراثي أو في التحكم فيها، وهذا ما سنتناوله فيما بعد.
ومن صور خلل الصبغيات الشائعة ما يسمى زملة داون Down ُ s syndrome، وقد كشف العلماء منذ عام 1959 أن معظم حالات هذا الخلل يتسبب فيها وجود كروموزوم إضافي من النوع رقم 21، وأنه موروث، ويزيد احتمال حدوثه مع تقدم الأم في السن، وربما لهذا السب يطلب من الأم التي يتجاوز عمرها الخامسة والثلاثين أن تفحص بشكل روتيني قبل الحمل أو أثناءه، للتأكد من عدم وجود مثل هذا الخلل الوراثي الخطير.
وتظهر زملة داون في صورة تخلف عقلي متوسط أو شديد، بالإضافة إلى مظاهر جسمية خارجية واضحة: صغر حجم الجمجمة والذقن والأذنين، وقصر الرقبة والأيدي والأقدام، بالإضافة إلى غلظ الرقبة وفلطحة الأنف، وخفة الشعر، وانشقاق اللسان، ووجود ثنية فوق جفن العين، ولهذا يبدو مظهر الشخص في هذه الحالة وكأنه من المغول "سكان منغوليا"، ولهذا يطلق على هذه الحالة اسم المغولية mongolism 1 "نسبة إليهم"، وهي حالة شائعة في ميدان التخلف العقلي.
1 شاعت ترجمة هذا اللفظ بالمنغولية، وهي ترجمة مباشرة للفظ الأجنبي، والأصح استخدام اللفظ الذي شاع في التراث العربي وهو "المغول" وتنسب إليهم المغولية.