الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"الذي يولد قبل إكمال الشهور التسعة" أن يعيش، فإذا قلَّ وزنه عن خمسة أرطال، لابد من وضعه في محضن شبيه ببيئة الرحم.
وفي هذه الفترة يستطيع الجنين التمييز بين الأصوات، كما يتمثل ذلك في زيادة حركة الجنين؛ كمؤشر على الانتباه، واتضح أن الجنين يفضل الأصوات ذات الدرجة العالية، سواء في الصوت البشري "صوت المرأة على صوت الرجل"، أو في المقطوعات الموسيقية "الموسيقى الكلاسيكية المركبة مثل أعمال فيفالدى على أعمال بيتهوفن"، كما يفضل الموسيقى الإيقاعية على موسيقى الروك "Verny 1982".
وعند بلوغ الجنين النصف الثاني من الشهر التاسع من عمره، يصل طوله إلى حوالي 20 بوصة "أو50 سنتيمترًا"، ووزنه إلى حوالي 7 أرطال "أو 3،6 كيلو جرامًا"، وهو وزن وطول تضيق به بيئة الرحم، ولهذا تشعر بعض الأمهات بأن يدًا أو رأسًا تضغط في اتجاه الخروج، وإذا لمس المرء بطن الأم يشعر بشكل الجنين كاملًا، وقد يتحرك الجنين استجابةً لهذا الملمس، وهكذا يصبح الطفل مستعدًّا للخروج من بيئة الرحم إلى بيئة العالم الخارجي الواسع.
سادسًا: تعلم الأجنة
…
تعلم الأجنة:
من النتائج الطريفة التي توصل إليها ديكاسبر وفيفر، DeCasper Fifer 1980" أنه لو تحدث رجل وامرأة في وقتٍ واحدٍ إلى الجنين، وكلٌّ منهما في جانب من جوانب الغرفة، فإن الجنين يتحول نحو الصوت الأنثوي، والسؤال هنا: هل هذه استجابة فطرية للصوت ذي الدرجة الأعلى كما بينا، أم هي ناتجة عن زيادة ألفة الجنين بصوت الأم، وبالتالي فهي نتاج التعلم؟
للإجابة على هذا السؤال نقول: إن هناك أدلة على تعلم الأجنة، ومن ذلك أن البحث السابق، وبحث آخر قام به ديكاسبر أيضًا مع سبنس DeCasper Spence 1986"، أظهر أن الطفل يفضل صوت أمه على غيره من أصوات النساء، إلّا أن البحوث حتى وقتنا الحاضر تبين أن الجنين لا يظهر أيّ تفضيل لصوت الأب "De Casper Prescott 1984"، ومع ذلك، فإن زيادة تعود الجنين لهذا الصوت قد يؤدي به للإستجابة له "تفضيلَا له على غيره من الأصوات" حتى في غرفة الولادة، إلّا أن الأدلة لا تزال غير كاملة. وعمومًا فإن النتائج المتناثرة تقول لنا: إن أطفال الأمهات البكماوات نادرًا ما يصرخون، ويعقب "Truby Lind"1965" على ذلك بقولهما: أن أمثال هؤلاء الأطفال يفتقدون دروس الكلام أثناء وجودهم في أرحام أمهاتهم"، وحيث أن الصراخ من مؤشرات القدرة على الكلام
عند الطفل، بالإضافة إلى أنه من وسائل التعبير عن الانفعالات، فإن مثل هؤلاء الأطفال ربما يعانون بعد ذلك من صعوبات التواصل.
وتوجد أدلة على قدرة الجنين على تذكر المثيرات الصوتية "والتذكر من علامات التعلم"؛ ففي الدراسة التي قام بها ديكاسبر وسبنس عام 1986 التي أشرنا إليها، قاما بتعريض الأجنة لثلاث قصص قصيرة، إحداها قيلت بصوت الأم مرتين يوميًّا خلال الفصل الأخير "الثالث" من طور الجنين، وأظهرت النتائج أن الأجنة أظهروا تفضيلًا للقصة الأكثر مألوفية "المقروءة عددًا أكبر من المرات وبصوت الأم"، سواء قرئت في موقف الاختبار "بعد التدريب" بصوت الأم، أو بصوت إمرأة أخرى، والسؤال هو: هل يؤدي استماع الجنين إلى صوت الأم وأنماطها في الكلام والتحدث إلى إعداد الطفل لتعلم لغة الأم؟ "ولعلنا نشير هنا إلى أن اللغة القومية؛ كاللغة العربية في مجتمعاتنا تسمى اللغة الأم "Mother rongue".
ربما يدعم الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب تلك النتيجة الطريفة التي توصل إليها "Lind Hardgrove 1978" منذ أواخر السبعينيات، وخلاصتها: أن الجنين يظهر استجابات تفضيلية للأنماط المختلفة من الأصوات، والموسيقى التي تقوم الأم أثناء الحمل بغنائها، أو بإصدارها ببعض الآلات الموسيقية، بل إن الأكثر أهميةً أن الطفل يظهر تفضيلًا لنفس الأنماط الصوتية بعد الولادة، بل إن هذه الدراسة، ودراسة أخرى قام بها جاكسون "Jackson 1978" أكدتا أن تفضيل الطفل لهذه الموسيقى قد يظهر بعد فاصل زمني، قد يمتد إلى ما بين ثلاثة وخمسة شهور بعد الولادة "حين يتعرض الطفل لنفس المثيرات الصوتية"، بل إن هذا الأثر قد يمتد لبضعة سنوات.
ومن علامات تعلم الأجنة أن الجنين في الفصل الثالث من طور نموه، يتعلم الاستجابة الحركة "بالرفس مثلًا" عند لمس بطن أمه في أماكن معينة تعود الجنين عليها، كما أكدت دراسة قام بها ماديسون وزميلاه "Madison et al 1986" أن الجنين الذي يتعرض لخبرات صوتية، ويتعود عليها بسرعة قبل ولادته، يظهر قدرةً عاليةً على التوجه المكاني، والاستجابة للمثيرات البيئية عقب الولادة، وبالطبع فإن النمط الأساسي للتعلم في هذه الحالة هو التعلم بالاشتراط، وهذه مسألة تحتاج لمزيد من البحث.
ومن الدراسات الحديثة حول هذا الموضوع بحث "Wilkin 1991" التي أجرته على مجموعتين من النساء الحوامل؛ إحداهما: تجريبية، والأخرى ضابطة؛ حيث تعرضت المجموعة التجريبية لخبرة موسيقية تصل مباشرة للجنين من خلال جهاز تسجيل موصل مباشرة لبطن الأم، بينما لم تتعرض المجموعة الضابطة
لهذه الخبرة، وتَمَّ قياس معدل القلب والنشاط الحركي للجنين في الحالتين، ثم عرضتت نفس المثيرات الموسيقية على الأطفال من المجموعتين بعد الولادة، وسجلت نفس الاستجابات التي قيست لهؤلاء الأطفال حين كانوا أجنة، لقد أظهرت النتائج فروقًا جوهرية بين مجموعتى الأطفال، مما يدل على حدوث تعلم أثناء مرحلة الجنين.
خلاصة المرحلة المعجزة:
هكذا نأتي إلى نهاية الطور الأول من رحلة حياة الإنسان: طور الجنين، وهي مرحلة معجزة، وصفها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنًا، ولم يكشف العالم الحديث عن بعض أسرارها إلّا منذ بضعة عقود.
وحتّى يتضح لنا المعنى الكلي لهذه المرحلة نعرض خلاصة لها في الجدول رقم "7-1"، يوضح التغيرات الجوهرية التي تطرأ على كل طور منها.
جدول رقم "7-1" خلاصة التطورات الجوهرية التي تطرأ على الجنين في أطواره المختلفة