الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر
"
الخصائص العامة:
الرشد المبكر early adulthood: هو تلك الفترة التي تمتد من سن الرشد القانوني "21 عامًا" -أو قبلها أو بعدها، حسب التبكير أو التأخير في ظهور علامات الرشد كما بينا في الفصل السابق- وحتى سن الأربعين، الذي يصفه القرآن الكريم بأنه سن بلوغ الأشد، وفي هذا الطور تحدث أكبر عمليات التوافق في حياة الإنسان، وهذا ما يجعل له خصائص مميزة عن الفترات والأطوار التي تسبقه، وتلك التي ستتلوه.
وتلخص "Hurlock 1980" هذه الخصائص فيما يلي:
1-
الرشد المبكر هو طور الإنجاب: فعند معظم الراشدين الصغار تمثِّلُ الوالدية أحد الأدوار الأكثر أهمية في حياتهم، ويصدق هذا على المرأة أكثر من الرجل، على الرغم من أن الرجل في عصرنا يقوم بدور في رعاية الأطفال أكثر إيجابية مما كان يفعل في الماضي، وحين يتم الزواج خلال السنوات المتأخرة من المراهقة وقبل سن الرشد القانوني "فالقانون يسمح بذلك، وهذا أعظم متناقضاته" تكون الوالدية الدور الشاغل للراشدين الصغار خلال العشرينات والثلاثينات من العمر، بل إن بعض هؤلاء قد يصيرون أجدادًا قبل نهاية الرشد المبكر، أما الراشدون الذين لا يتزوجون إلّا بعد إكمال تعليمهم، أو بعد حلِّ مشكلات الحياة التي تزداد تعقيدًا وصعوبةً "كمشكلة البحث عن عمل أو سكن"، فإنهم يقضون معظم هذا الطور يلعبون دور الوالدية، بل إن بعض هؤلاء يستمرون في لعب نفس الدور في طور بلوغ الأشد أو الرشد المتوسط "وسط العمر"، وهو الطور التالي في دورة حياة الإنسان.
2-
الرشد المكبر هو طور الاستقرار: فمع قيام الراشد الصغير بدور العائل، أي: كاسب الرزق للعيال، يجبره هذا الدور -إلى جانب دور الوالدية- على
أن يتَّبِعَ نمطًا ثابتًا من السلوك في مجالات الحياة، قد يميزه ما بقي من عمره، وأي محاولة لتغيير هذا النمط في مرحلة وسط العمر أو الرشد المتأخر تكون صعبة، بل قد تؤدي للاضطراب الانفعالي عند الفرد، وفي الظروف العادية فإن معظم الراشدين لا يحتاجون لمثل هذا التغيير. إنهم حينئذٍ حالما يصلون إلى النضج فالرشد يتزوجون وينجبون وينخرطون في عملٍ يظلون يؤدونه معظم حياتهم، بل يستقرون في حيٍّ يعيشون فيه معيشة شبه دائمة.
وهذه الحلول المبكرة لمشكلات حياة الراشدين قد تكون ملائمة أو غير ملائمة للمستقبل، وإذا كانت القرارات معتمدة على دوافع قوية وميول صحيحة وقدرات ملائمة، فإنها قد تكون قرارات رشيدة، أما إذا اتُّخِذَتْ بسرعة لإرضاء رغبات والدية عاجلة، أو رغبات خاصة، فقد يأتي عليهم وقتٌ يندمون فيه كثيرًا على ما فعلوا، ولات حين مندم.
3-
الرشد المبكر هو طور الحل المستقل للمشكلات: ففيه يواجه المرء مشكلات عديدة جديدة، تختلف في جوهرها عن تلك التي كان يواجهها في المراحل السابقة من حياته، وهو مطالب بمواجهة هذه المشكلات دون إشرافٍ أو توجيهٍ أو معاونةٍ من الآباء أو المعلمين، كما كان يحدث من قبل، وبالطبع لو فُرِضَ على البعض التعامل مع مشكلات الرشد في مرحلة المراهقة أو الشباب بسبب الزواج أو العمل المبكرين، فإنهم قد يتوقعون مساعدة الوالدين؛ لأن هذه المشكلات عادةً ما تكون أقوى من قدراتهم على حلها بمفردهم، إلّا أن الشخص بعد وصوله إلى سن الرشد يتوقع له الوالدان والكبار عامةً أن يواجه المشكلات وحده، بل إن كبرياءه قد يمنعه من اللجوء إليهم طلبًا للمعونة، وتصبح المشكلة أشد تعقيدًا بالنسبة للراشد الصغير الذي يقضي مراهقته كلها، ومعظم شبابه، وجزءًا من مرحلة الرشد "حتى سن الخامسة والعشرين مثلًا" في التعليم، فذلك يجعله في حالة اعتماد "شبه دائم" على الوالدين، الذي يتمثّل في أبسط صورة في الاعتماد المالي والاقتصادي.
4-
الرشد المبكر هو طور القرارات الهامة: ففيه يحاول المرء تحسس معالم الأرض الجديدة التي يجد نفسه فيها، وأيّ قرارٍ يتخذه له خطره على مسار حياته طوال السنوات الباقية من عمره، أو على مَنْ يرغب أن يشاركه حياته، ولهذا فقد يجد نفسه في موقف اللاقرار indicison، يحاول فيه اختبار الحلول المختلفة للمشكلة الواحدة حتى يصل إلى أفضل الحلول، وهذا في حَدِّ ذاته مصدر للتوتر، بل وللصراع، ولهذا نجد الفرد في هذا الطور مواجهًا بمشكلات توافق أكثر بكثيرٍ مما واجهه من قبل، بل أكثر مما يواجهه في العادة المراهقون المبكرون، إلّا أنه عند منتصف الثلاثينات يكون قد حلَّ معظم المشكلات على نحوٍ كافٍ بحيث يتناقص التوتر الانفعالي، ويحل محله الاستقرار الانفعالي مع نهاية هذه المرحلة عند حوالي سن الأربعين "Havighurst 1953".
ويتناول هذا الفصل التغيرات التي تطرأ على الجوانب المختلفة في السلوك الإنساني في هذا الطور من الحياة.