الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصدرًا لدهشة الدارسين بل واستنكارهم، فهو عندهم نوع من الفوضى وضياع الوقت لمن جاءوا بمحض الحماس للتعلُّم المعرفي وحده، ومعنى هذا أن معلِّمَ الراشدين مطالَبٌ بمعرفة وتقبل وفهم الدوافع الأصلية للتعلم عند المتعلمين، واستخدامها في إعداد مواقف تعليمية على درجةٍ عاليةٍ من الملاءمة والدينامية والكفاءة، وإذا كانت هذه المسألة لها أهميتها في تعلُّمِ الراشدين المتعلمين بالفعل والباحثين عن مزيد من التعلم، تحقيقًا لمبدأ التعليم المستمر، كما هو الحال في برامج التدريب أثناء الخدمة أو برامج الخدمة العامة والثقافة العامة التي تقدمها بعض الجامعات، فإنها أكثر أهميةً وحيويةً في تعلم الراشدين الأميين، ومعظم أسباب فشل جهود محو الأمية ترجع في جوهرها إلى الفشل في التَّعَرُّفِ الواضح على دافع التعلم عند هؤلاء، وهي مسألة لم تَحْظَ بجهودٍ جادَّةٍ من الباحثين في هذا الميدان.
مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب
"
…
مثبطات التعلم عن الراشدين "التسرب":
لا شكَّ في أن المتعلِّمَ الراشد يختلف عن المتعلِّمِ الصغير "الطفل أو المراهق أو الشاب" في مسألة هامة، وهي أنه أكثر حريةً في الاستمرار في التعليم أو الانقطاع عنه، وقد شغل هذا الموضوع اهتمام الباحثين في ميدان تربية الراشدين وتركز انتباههم حول التسرب Dropout والفقد Wastage في تعليمهم، بالإضافة إلى ما يمكن استنتاجه في المحتوى أو مناخ المؤسسة أو علميات التدريس.
ومن هذه الدراسات يمكن أن نستخلص صورةً عامةً لما نسميه مثبطات التعلُّم عند هذه الفئة من المتعلمين، نوجزها فيما يلي:
1-
العوامل الرئيسية لانقطاع الراشدين عن التعلُّمِ لا ترجع في جوهرها إلى خصائص التدريس، وإنما يذكر هؤلاء عوامل أخرى؛ مثل: المرض أو الانتقال إلى مكان آخر، أو تغيير العمل، أو الاضطراب المنزلي والعائلي، أو عدم الاستقرار في العمل، وبالرغم من أن هذه النتائج تعطي المعلمين إحساسًا بالراحة؛ لأنهم ليسوا السبب الأساسيّ لانقطاع الراشدين عن الدراسة، إلّا أنها تستحق الاهتمام، فحتَّى لو تناولناها بقيمتها الظاهرة فهي توحي بأن الالتحاق ببرامج الدراسة عند كثير من
الراشدين هو نشاط ثانوي أو هامشي، بل قد يكون في ذاته مصدرًا للاضطرابات داخل الأسرة أو في محيط العمل.
2-
يذكر حوالي ثلث المنقطعين عن الدراسة من الراشدين في مسح NlAE المشار إليه آنفًا، أن العوامل الأساسية لذلك هي مجموعة من مشاعر عدم الرضا عن الدراسة أو طريقة التدريس، ولذلك تأتي عوامل الإحباط المرتبطة بالدراسة تالية مباشرة للعوامل المشار إليها في الفقرة السابقة.
3-
الفئة الثالثة من عوامل الانقطاع عن الدراسة عند الراشدين "والتي حددها حوالي ربع المفحوصين في البحث السابق" ترتبط في جوهرها باتجاهات الدارسين أنفسهم، كما يتمثَّل في فقدان الميل للدراسة، أو بسبب تحوّل اهتمامهم إلى موضوع جديد بديل.
4-
توجد فئة رابعة من العوامل ترتبط بالجوِّ الاجتماعيِّ في برنامج الدراسة، فيذكر البعض أنهم انقطعوا عن الدراسة لأنهم لا يحبون الدارسين الآخرين زملاءهم في الفصل، وهذا العامل يثير عند الباحثين في هذا الميدان مسألة هامة تتصل بضرورة الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية بين الدارسين أنفسهم؛ فالدارس الراشد بل والدارس الصغير، يتأثر بالنجاح أو الفشل في العلاقات الاجتماعية بين أعضاء جماعة التعلُّم.
5-
ذكر بعض الدارسين مستويات الدراسة كسبب للانقطاع عنها، ومن الطريف أن نشير إلى أن عددًا كبيرًا من هؤلاء المتسربين ذكروا أنهم شعروا بأن مستويات العمل أثناء التعليم بسيطة أو تافهة أكثر ما ذكروا أنها صعبة، وآخرون ينتقدون البرامج التي قُدِّمَتْ لهم بأنها قصيرة أكثر منها طويلة، وهذه المسألة تثير عند المهتمين ضرورة النظر إلى برامج تعليم الراشدين بحيث تمتدُّ في مدًى زمنيٍّ كافٍ، وتكون من النوع الذي يفرض بعض المطالب عليهم حتى يستمتعون بها.
وتثير النتائج السابقة مجموعة من التساؤلات حول دوافع ومثبطات التعلم عند الراشدين، ومن ذلك أنها لا تدلنا على ما يطرأ على سلوك أولئك الذين يستمرون في تعلمهم إذا تغيرت الظروف بحيث تلائم حاجات المتسربين، كما أن من الصعب، حتى ولو استخدمنا أفضل وسائل البحث وجمع البيانات، الكشف بدقة عن مركب الدوافع الذي يدفع الإنسان إلى التعلم أو يعوقه عن ذلك، فقد لا يعرف الدارسون جيدًا لماذا تركوا الدراسة، وقد يشعرون بالخجل لذلك، وخاصةً إذا أدركوا أن سبب ذلك هو صعوبة المهام التعليمية، ولهذا قد يلجأون إلى إخفاء
الدافع الحقيقي وراء سبب أكثر حيادًا من الناحية الانفعالية، وقد تلعب حينئذ الحيل الاشعورية" كالتبرير" دورها المعروف، وإلّا فكيف يمكن للمرء أن يحكم على الدافع الحقيقي لترك الدراسة حين يقول الدارس مثلًا "سأعود إلى عملي قانعًا بما حصلت":
1-
فهل الدارس يخفي عن نفسه حقيقة أن البرنامج كان صعبًا عليه؟
2-
هل هو يحاول حفظ ماء وجه المعلِّمِ بإعطاء سبب خارجيٍّ بدلًا من إيذاء شخص يحترمه؟
3-
هل هو يتجنب عدم موافقة زملائه من الدارسين، وخاصةً حين يعلم أن انسحابه من الدراسة قد يؤدي إلى وقف البرنامج بسبب نقص عدد المسجلين فيه؟
4-
أم هو السبب البسيط الذي ذكره بالفعل؟
قد يكون بعض هذا أو كله هو السبب الحقيقي لترك الدراسة، وما يذكره الدارس على أنه السبب الرئيسي قد لا يكون سوى مركب من مشاعر عديدة؛ من الأحباط والفشل وعدم الرضا عن الدارسة.
وتوجد مشكلة أخرى تثيرها بحوث دوافع ومثبطات التعلُّمِ عند الراشدين، وهي أن الراشدين قد يميلون إلى إعطاء الإجابات التي يتوقعها الفاحصون "عند استخدام طريقة المقابلة" أو التي لها مرغوبية اجتماعية "عند استخدام وسائل التقرير الذاتي"، وبصفة عامة فإن من الأفضل أن يكون الفاصحون مستقلين عن برنامج تعلم الراشدين ذاته، ونضرب مثلًا على ذلك بدراسة نيوسن وزوجته التي أجرياها عام 1963، حول أنماط رعاية الطفل، وفيها اختلفت نسبة الأمهات اللاتي أجبن على أسئلة المقابلة، حين كانت الفاحصات زائرات صحيّات يعملن في برنامج رعاية الطفل من ناحية، ثم طالبات جامعيات محايدات، وعلى آية حالٍ، فإن موضوع التسرُّبِ لا يزال في حاجةٍ إلى بحوث أكثر جدية مما تَمَّ حتى الآن، وحبذا لو أمكن الكشف عن مركب العوامل التي تؤدي إليه والذي يشمل الظروف الخارجية "في البيت أو العمل" وعدم الرضا الشخصي، والفشل في العلاقة بين المعلِّمِ والدارسين، وجوانب التوتر التي تستثار في الجماعة، وظروف الدارسة العامة، وهي تحدد جميعًا معظم مثبطات التعلُّمِ عند الراشدين، وبالتالي تسربهم.
ولعل ذلك كله يفيد في التوصُّلِ إلى ما يسميه "Boshir، 1985" حسن المطابقة بين خصائص المتعلمين الراشدين وبيئة تعلمهم، أو بين السمات والمعالجات، ولعلنا نتوصل إلى تحديد الظروف التي تدفع بعض هؤلاء المتعلمين إلى الاستمرار في التعلم والمثابرة عليها، أو التوقف عنه والتسرب منه.