المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة: - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

توصف مرحلة الشيخوخة بصفة عامة بأنها مرحلة "ضعف الصحة الجسمية"، فحتى مع عدم الإصابة بمرض، يشعر المسنون عادةً بأنهم ليسوا على ما يرام، ويزداد هذا الشعور مع التقدُّم في الشيخوخة، وخاصةً لدى ذوي المستوى الاقتصادي والاجتماعي المنخفض، وهو أقل حدَّة لدى المتزوجين منه عند غير المتزوجين، وتوجد عدة مبادئ عامة لا بُدَّ من مراعاتها عند تناول موضوع صحة المسنين، وهذه المبادئ هي:

1-

أن متوسط توقع الحياة1 يزداد بصفة عامة في الأعمار الدنيا، ولكنه بالطبع يتناقص بالنسبة لمن يبلغ الخامسة والستين أو يتجاوزها، ويفسر الباحثون ذلك أن الرعاية الطبية التي يتلقاها الأطفال في الوقت الحاضر أدت إلى زيادة متوسط توقع الحياة لهم، وخاصةً بعد التغلُّب على الأمراض التي كانت تهدد حياتهم في الماضي مثل الجدري والدفتريا والسعال الديكي وشلل الأطفال، ولم يحدث ما يناظر ذلك من تقدُّمٍ طبيٍّ في مجال التغلب على أمراض منتصف العمر والشيخوخة.

2-

إن المسنين يعانون من الأمراض المزمنة chronic أكثر من الأمراض الحادة acute، صحيح أن عمل الطب طوَّرَ من أساليب علاج الأمراض الحادَّةِ خلال السنوات الماضية، من خلال استخدام وسائل التطعيم "للوقاية"، وتناول المضادات الحيوية، إلّا أنه بالنسبة للأمراض المزمنة لم يتجاوز حتى الآن حدود استخدام المسكنات، وبالطبع فإن الأمراض الحادة؛ كالأنفلونزا والتهاب المثانة وغيرها، تتسم بأنها قصيرة الأجل ولها سبب معروف، ويسهل اكتشافها وتشخيصها؛ لأنها تحدِثُ تغيرات باثولوجية غير عادية في الوظائف، ويتوافر لها طريقة واضحة في العلاج، أما الأمراض المزمنة "كأمراض القلب والسرطان والجلطة وغيرها" فعلى العكس من ذلك تمامًا، إنها تنمو على نحوٍ تدريجيٍّ إلى حدٍّ يمكنها من الوصول إلى درجة خطيرة، وعادةً لا تظهر تغيرات باثولوجية غير عادية في الوظائف قبل اكتشافها وتشخيصها، ولهذا توصف بأنها أمراض قد ينجح الأطباء في التحكم فيها ووقف استشرائها، ولكنهم لا ينجحون في شفاء المريض منها، ولعل السبب الجوهري لهذا الفرق أن الأمراض المزمنة يحدثها التعرض طويل الأمد لمواد ضارة في البيئة؛ كالتلوث أو الإشعاع، بينما كثير من الأمراض الحادة تنتج عن كائنات حية دقيقة؛ كالفيروسات أو البكتريا، وقد تنشأ الأمراض المزمنة في الشيخوخة نتيجة للتفاعل بين العمليات العادية للتقدم في السن مثل نقص

1 متوسط توقع الحياة "ALE أو average life expectancy" هو مفهوم إحصائي شائع في مجال علم الإحصاء الحيوي، ويقصد به إسقاط فرضي لمعدل الوفيات على أساس معدلات الوفاة الفعلية لمجموعة عمرية معينة في كل مائة ألف من السكان، وبالطبع فإن أطوال حياة الأفراد في هذه المجموعة العمرية تختلف من فردٍ لآخر، وعلى هذا فإن أطوال حياة الأفراد في هذه المجموعة العمرية تختلف من فرد لآخر، وعلى هذا فإن متوسط توقع الحياة هو محض إسقاط إحصائي لعدد السنوات الذي يحتمل للفرد من عمر معين أن يعيشه.

ص: 540

القدرة على التوازن الهوميوستازي، وتكاسل الأجهزة العضوية من ناحية، وبين العمليات المرتبطة بالمرض من ناحية أخرى، وبصرف النظر عن الأسباب، فإن الأمراض تزداد في حوالي سن الخامسة والأربعين، ثم تصل إلى قمتها في سن السبعين وما بعده، وهي بالطبع من علامات تدهور الأجهزة المختلفة؛ مثل الأوعية الدموية للقلب، والأوعية الدموية للمخ، والخلل الكلوي، والاضطرابات الحركية، وكلها فيما يبدو ترتبط بتدهور الجهاز العصبي المركزي والغدد الصماء وجهاز المناعة في الجسم.

3-

المسنون، إذا قُورِنُوا بغيرهم في المراحل العمرية الأدنى، هم أكثر تعرضًا للإصابة بعدة أمراض مزمنة في وقت واحد، ولهذا لا تصلح معهم الممارسة الطبية المعتادة التي تركِّز على تشخيص مرض واحد وعلاجه، ففي مرحلة الشيخوخة تكون الإصابة بمرضٍ واحد هي الاستثناء وليس القاعدة، ومعاناة المسن من أكثر من مرض واحد تؤدي إلى أن يؤثر كلٌّ منها في الآخر، على نحوٍ يجعل التشخيص والعلاج صعبًا؛ فآلام الصدر مثلًا قد يكون سببها مرض في القلب، أو أزمة قلبية محتملة، أو اضطراب في الجهاز الهضمي المعوي، أو خلل في نشاط المريء والحجاب الحاجز، أو العصبية الزائدة، وكثيرًا ما يحدث أن بعض الأعراض الهامة لاضطراب جديد تختلط بأعراض حالة مرضية موجودة بالفعل؛ فآلام الصدر قد ترد إلى سوء الهضم، وآلام العظام قد تفسر على أنها نوع من الروماتيزم، ونزيف المستقيم الناجم عن السرطان قد يُعَدٌّ ناتجًا عن البواسير.

4-

قد يظهر المرض لدى المسنين في صورة تختلف عنها لدى من هم أصغر سنًّا، ويمثل ذلك إحدى صعوبات التشخيص الطبي في مرحلة الشيخوخة؛ لأن التغيرات المرتبطة بالعمر تغيِّر الصورة الكلينيكية التقليدية المرتبطة بأمراض معينة، ومن ذلك مثلًا أن الحساسية للألم تقل، كما أن مواضع الألم تكون متغيرة في هذه المرحلة. فضيق التنفس والتهاب الزائدة الدودية مثلًا لا يصاحبها ألم لدى المسنين، وحين يحدث الألم لا يكون حادًّا، بل قد يُنْسَى عندما يصل المسن إلى طور متأخر من الشيخوخة "يقترب من طور أرذل العمر"، بل إن كلًّا من الأطباء والمسنين جميعًا قد يعتبرون الألم في هذه المرحلة عبئًا يجب التعايش معه، أو شرًّا لا بُدَّ منه، على الرغم من أنه ليس أمرًا حتميًّا في الشيخوخة، وتختلف آثار العقاقير الطبية لدى المسنين عنها لدى من هم أصغر سنًّا؛ فالجرعة التي تناسب الشاب أو الراشد، قد يكون لها أثر جانبي لدى المسن،. كما لا تظهر في هذه المرحلة

ص: 541

بعض الأمراض الشائعة لمرض معين، ومن ذلك مثلًا أن الحمى قد لا تظهر دائمًا في الأمراض المعدية التي هي من أعراضها المعروفة.

5-

في الأمراض القابلة للشفاء "كالأمراض الحادة" يستغرق المسنون وقتًا أطول لاستعادة صحتهم، وذلك بسبب عدم التوازن الهوميوستازى؛ فمن المعروف أن الراشد الصحيح بدنيًّا يعيش في توازن مع بيئته وتعمل أجهزته بكفاءة في نشاط الخلايا وتجديدها، ومع الشيخوخة تصبح عملية تجديد الخلايا أقل فعالية، وحينئذ تموت الخلايا وتصبح الأعضاء أقل فعالية، أضف إلى ذلك أن نقص الغذاء وسوء التغذية قد ينتجان تغيرات أيضية تتداخل مع الخلل السابق في نشاط الخلايا، وهكذا إذا أضيف إلى الشيخوخة المرض والحرمان والصدمات وغيرها من الضغوط، فإن ذلك يؤدي إلى نقص الاحتياطي الفسيولوجي لدى الإنسان، ويؤدي نقص التوازن الهوميوستازي بالمسنين إلى أن يصبحوا أكثر تعرضًا لنقص البلازما أو الدم، والجفاف، ونفاذ البوتاسيوم، واضطراب عمليات الأيض بالطبع، ومن الأمثلة التي توضح بطء الشفاء في هذه المرحلة أن المضادات الحيوية يحدث أثرها لدى الراشدين الأصغر سنًّا خلال فترة من 24-26 ساعة، بينما هذا الأثر لا يظهر لدى المسنين إلّا بعد انقضاء فترة من 48-72 ساعة على الأقل، ولهذا فإن الأمراض الحادة على الرغم من أنها لدى الصغار تأتي فجاةً، ثم تمضي، ونادرًا ما تسبب العجز أو الوفاة، إلّا أن منها لدى المسنين ما قتل.

6-

الأمراض النفسية المصاحبة للاضطرابات الجسمية لدى المسنين أكثر شيوعًا منها لدى من هم أصغر سنًّا؛ فالعلاج طويل الأمد بالعقاقير يسبب مرض مزمن قد يؤدي إلى حدوث بعض الآثار النفسية الجانبية؛ كالدوار والخلط الذهني، بل إن بعض الأعراض الذهانية قد تنتج من هذا النوع من العلاج، بل إن بعض الأمراض المزمنة قد تؤدي إلى بعض الأمراض الذهانية، وأشهرها الاكتئاب، بالإضافة إلى أن نقص تدفق الدم إلى المخ قد يؤدي إلى تغيرات في النشاط العقلي؛ مثل الخلط المكاني، ونقائص الذاكرة، والتقلب المزاجي، وضعف الأداء الذهني، وبهذا قد يسرع المسنون الخطى إلى الطور الأخير من حياتهم وهو "أرذل العمر".

ويوجد عدد قليل من الأمراض يمكن اعتبارها من أمراض الشيخوخة، إلّا أن بعض الأمراض الأخرى أكثر حدوثًا في هذه المرحلة من سواها، ومن النوع الأخير نجد الإمساك، والبواسير، واضطرابات الجهاز الهضمي من مختلف الأنواع ومختلف صور أمراض القلب، أما الأعراض التي تخص الشيخوخة فهي اضطرابات الجهاز الدوري وخاصةً الأوعية الدموية، وعلى وجه أخص تصلب

ص: 542

الشرايين، واضطرابات الأيض، واضطرابات المفاصل والعظام، ومختلف أنواع الأورام وخاصةً السرطان، وفي هذه المرحلة يكون أيّ مرض أكثر خطورة من أيّ مرحلة سابقة؛ لأن أعضاء الجسم كما أشرنا تجدد خلاياها ببطء شديد، وبالإضافة إلى الأمراض الحقيقية فإن المسنين يعانون أيضًا من الأمراض المتوهمة، ويركزون على أيّ صداعٍ أو ألمٍ ويبالغون فيه، كما أن الحديث عن الآلام والأوجاع والطب والأطباء حديث مفضل لدى معظمهم لقضاء الوقت، ويفيد ذلك كوسيلة لجذب الانتباه إليهم، وكسب المشاركة الوجدانية من الآخرين.

والعلاقة بين الصحة والتوافق في هذه المرحلة هي علاقة ارتباط لا علاقة سببية؛ فالصحة السيئة تؤدي إلى تدهور التكيف الجيد، كما أن التكيّف السيئ يؤثر جزئيًّا في الصحة الجيدة، وتكيف المسنين للقيود التي تفرض على الأنشطة التي كانوا يمارسونها من قبل بسبب ضعف الصحة لا يتم إلّا بمقاومة كبيرة؛ لأنهم يشعرون بأن فرص العودة إلى هذه الأنشطة قليلة، إن لم تكن معدومة، فالتدهور بالطبع يزداد معدله مع الأيام، ومقاومة التكيف هذه مصدر آخر للشكوى المستمرة من المرض، وتزداد هذه الشكوى عند النساء أكثر من الرجال. ومن الطريف أن نلاحظ أن هذه الشكوى تقل مع التقدم في السن، وترى هيرلوك Hurlock "1980" أن هذا لا يعني التوافق الجيد مع المرض باعتباره من حقائق الشيخوخة، وإنما السبب في ذلك أن "عتبة المرض" ترتفع مع التقدم في السن، ولهذا فإن المسنين لا يشعرون كثيرًا بالآلام الجسمية كما كانوا يفعلون من قبل. وبالطبع فإن بعض المسنين يتكيفون مع الاضطرابات الجسمية في الشيخوخة، والبعض لا يفعلون، بل إنهم يشعرون دائمًا بالأسى على أنفسهم، ويتحسرون غالبًا على "الشباب الضائع"، وتؤدي بهم هذه المشاعر إلى فشل أيّ محاولة للتكيف مع هذه الاضطرابات الجسمية، كما قد تؤدي ببعضهم إلى استخدامها في الضغط على الآخرين والتأثير فيهم، فبها يحصلون على اهتمام أفراد الأسرة ورعايتهم.

ويعاني المسنون من أمراض سوء التغذية، إلّا أن معظم هذه الحالات ترجع إلى أسبابٍ نفسية وليست اقتصادية، فهم يأكلون طعامًا قد لا يتفق مع حاجات الجسم في هذه المرحلة، وخاصةً نوعية الطعام اللازم لاستمرار الكفاءة الجسمية والعقلية، ومن أهم هذه العوامل النفسية نقص الشهية نتيجةً للقلق والاكتئاب، وقد يكون ذلك نتيجةً للعزلة، فضعف الميل إلى الطعام قد يكون بسبب اضطرار المسن إلى الأكل وحيدًا، أو نتيجة لرفض الطعام بسبب عوامل انفعالية أحدثتها خبرات غير سارة في مراحل سابقة من العمر، وكذلك فإن مشكلات الأسنان تضاف إلى

ص: 543