الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النمو الجسمي:
خلال طور الرشد المبكر وخاصةً من أوائل العشرينات وحتى أوائل الثلاثينات، يكون الفرد قد وصل إلى قمة نموه البيولوجي والفسيولوجي، وبالطبع لا تصل جميع أجهزة الجسم إلى قمة النموِّ في وقتٍ واحدٍ، بل لا تصل كلها إلى قمة النموِّ خلال هذا الطور من الحياة؛ فكل جهاز من أجهزة الجسم له نمطه الخاص ومعدله المميز في النموِّ، ومن الطريف أن نذكر أن طور الرشد المبكِّرِ يتسم بالنضج والتدهور البيولوجيين معًا، ومع ذلك فإننا حين نفحص الجسم ككلٍّ، يبدو لنا أن هذا الطور هو طور النشاط البيولوجي الأمثل.
فخلال الرشد المبكِّرِ يكون معظم الناس قد بلغوا أقصى طول القامة، وتصل المرأة إلى هذا الحد في سن 17 أو 18سنة، بينما تطول الفترة بعض الشيء عند الرجل لتصل إلى سن 21 سنة تقريبًا، أما الحد الأقصى للوزن فعلى العكس من ذلك لا يصل إليه الإنسان إلّا في الطور التالي "وسط العمر"، والوصول إلى قمة القوة الجسمية يتلو عادةً وصول الفرد إلى الطول الأقصى، ولهذا فإن الفرد لا يصل إليها إلّا في منتصف العشرينات أو في أواخرها، أما القدرة على النشاط البدني، والتي لا تَتَطَلَّبُ القوة فحسب، وإنما تَتَطَلَّبُ أيضًا السرعة والتآزر والجَلَدَ "الاحتمال"، فإنها تصل إلى حدها الأقصى خلال هذ الطور من العمر، ولهذا يقع معظم الأبطال الرياضيين عادةً في هذه المجموعة العمرية، وبخاصةٍ حتى مطلع الثلاثينات، بعدها نجد أن القوة والنشاط الجسميين يتناقصان تدريجيًّا، ليصل معدل النقص فيهما حوالي10% خلال الفترة من 30-60 سنة.
وكذلك فإن عددًا من الوظائف الحسية والعصبية تصل إلى مستوياتها القصوى خلال الرشد المبكر، فالحدة البصرية والسمعية يبلغان أقصى قوتهما في سن العشرين تقريبًا، وتظل الحدة البصرية ثابتة نسبيًّا في مرحلة وسط العمر، بينما تظهر حدة السمع تناقصًا تدريجيًّا خلال نفس الفترة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الوزن الكليِّ للمخ، والأنماط الناضجة للموجات الكهربائية للمخ، يَتِمُّ اكتمالهما
خلال الرشد المبكر.
والراشدون المبكرون هم أكثر الأفراد صحةً في المجتمع، وأسباب الوفاة لديهم ترجع إلى الحوادث أكثر منها إلى الأمراض "Brodzinsky et al 1986"، ومع ذلك فإن بعض المشكلات الصحية التي قد تظهر في المراحل التالية من حياة الإنسان تبدأ بوادرها في هذا الطور العمريّ، ولذلك يطلق عليها الباحثون "الأمراض الصامتة"، وتشمل الحمَّى الروماتيزمية، وتصلُّب الشرايين، وتضخم أعضاء الجهاز التنفسي، وسرطان الرئة، وتليُّف الكبد، وأمراض الكُلَى، والتهاب المفاصل، كما أن الراشدين المبكرين يكونون أيضًا عرضةً للاضطرابات التي ترتبط بالإجهاد النفسيّ، ومن ذلك: التوتر الزائد، وإدمان الخمور والمخدرات، والاكتئاب، وقرح المعدة والسمنة، ولعل هذه الحقائق تؤكد أهمية برامج الطب الوقائي التي يجب أن تُقَدَّمَ لهؤلاء، والتي قد تمنع استفحال هذه المخاطر فيما بعد، إلّا أن الأهم من ذلك أن تكون لدى الراشدين المبكرين المنعة الناتجة عن عقيدةٍ دينيةٍ قويةٍ، والرغبة في اتباع النصائح العلمية، وهذا هو العامل الحاسم، فنحن نعلم أنه على الرغم من الانتشار الهائل في وقتنا الحاضر للمعارف العلمية التي تؤكد مخاطر التدخين، فإن الملايين لا يزالون يتشبثون بهذه العادة المدمرة لصحة الإنسان، ثم إن هناك أدلة قوية على أن للدين دوره الحاسم في التغلب على مشكلة إدمان المخدرات والمسكرات.
ووصول الراشد المبكر إلى الحَدِّ الأمثل للنشاط البيولوجي له آثاره الهامة في توافقه الشخصيّ والاجتماعيّ والمهنيّ، وبالطبع فإنه في المهن التي تتطلَّبُ القدرات الجسمية والحسية، تُعَدُّ فترة الرشد المبكر "ربيع" الحياة المهنية لها، وخاصةً خلال الفترة من 20-35 سنة، التي تكون عندها هذه القدرات في أَوُجَّهَا، ثم تتناقص تدريجيًّا بعد بلوغ الفرد سن الأربعين "بداية الرشد الأوسط"، صحيح أن بعض الأفراد لا يظهرون تناقصًا في هذه القدرات مع التقدُّمِ في السن، ولعلنا نذكر في هذا الصدد بعض الموسيقيين والفنانين التشكيليين المشهورين، الذين استمرت قدراتهم الحسية على درجةٍ كافيةٍ من القوة حتى مع بلوغهم الثمانيات من العمر،
وبالنسبة للمرأة، فإن قدرتها على الإنجاب تصل أيضًا إلى قوتها خلال طور الرشد المبكر، ويمكن القول أن أفضل سن الحمل الأول من الوجهة البيولوجية هو العشرينات من العمر؛ حيث تصل الأعضاء والأجهزة الفسيولوجية عند الحمل إلى أفضل نموٍّ وتآزرٍ لها خلال هذا الطور من النموِّ دون سواه؛ فالمرأة خلال الرشد