الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النموّ اللغوي:
باتساع عالم الطفل يكتشف أن الكلام أداةٌ هامةٌ في السلوك الاجتماعي، ويدفعه ذلك إلى إتقان الكلام، وكذلك يتعلم أن الصور البسيطة من الاتصال مثل الصراخ والإيماءات ليست مقبولةً اجتماعيًّا، ويعطيه هذا حافزًا إضافيًّا لتحسين قدرته على الكلام، بالإضافة إلى أن المدرسة تؤكد على النواحي اللغوية مثل حصيلة المفردات وبناء الجمل، وحين يتعلم الطفل القراءة يضيف إلى مفرداته اللغوية إضافاتٍ جديدةٍ، ويصبح أكثر ألفةً بالنمط الصحيح للكلمات والبناء الصحيح للجمل.
ويتوقف النموّ اللغوي في هذه المرحلة على عوامل كثيرةٍ؛ منها المستوى العقلي، والمركز الاجتماعي والاقتصادي والجنس، وبالنسبة للجنس يُلَاحَظُ أن الذكور في هذه المرحلة أقلّ من الإناث في المحصول اللغوي، وفي صحة بناء الجمل، وفي القدرة على التعبير عن المعاني، كما أن لديهن نقائص كلامية أكثر من البنات.
وكما هو الحال بالنسبة لكل مرحلة، فإن فهم الطفل للكلمات يتفوق على استعماله لها، فهو يعرف معاني كثيرة بطريقة غامضة، ويمكنه أن يفهمها عندما تستخدم الكلمة في ارتباطها بكلماتٍ أخرى، ولكنه لا يعرف تلك المعاني بحيث يمكنه استخدامها بنفسه، وخلال هذه المرحلة يتزايد المحصول اللغوي العام زيادةً كبيرةً، فمن دارسته في المدرسة، وقراءته، واستماعه للآخرين والراديو، ومشاهدته للتليفزيون، ينشئ الطفل المفردات التي يستخدمها في كلامه وكتابته، ويُقَدَّرُ عدد الكلمات التي يعرفها الطفل الذي ينهي الصف الأول الابتدائي بما يقع بين 20 ألف و24 ألف كلمة، أي بنسبة 5% إلى 6% من كلمات معجم عادي، وحين يصل إلى الصف السادس الابتدائي يصل محصوله اللغوي حوالي 50 ألف كلمة.
ولا يقتصر الأمر على أن الطفل يتعلم كلمات جديدة كثيرة، ولكنه بالإضافة إلى ذلك يتعلم معانٍ جديدة للكلمات القديمة، وبالتالى تزداد مفرداته ثراءً، كما يتمُّ تعلم الكلمات ذات المعاني المحدودة والخاصة، وتظهر في هذا الجانب فروقٌ بين الجنسين أيضًا؛ فمفردات الألوان عند البنات مثلًا أكثر منها عند البنين، بسبب اهتمام البنات بالألوان، كما يتفوق الذكور على الإناث في الكلمات الجافة التي قد يكون بعضها بذيئًا، وبالطبع فإن عدد الكلمات التي يعرفها الطفل بدرجة كافية بحيث يستخدمها في كلامه وكتابته، تحدد إلى حَدٍّ كبير نجاحه في المدرسة.
وتظهر في هذه المرحلة صورة جديدة من اللغة، هي ما يسمى باللغة السرية، والتي يستخدمها الطفل في اتصاله بأصدقائه المقربين، وتتخذ اللغة السرية شكل تشويه للكلام العادي، أو قد تكون محاكاة للغة السرية كما تستخدم عند الطفل الأكبر، وتتكون هذه اللغة في شكلها المكتوب من شفرةٍ تتألف من رموز أو رسوم للتعبير عن كلماتٍ أو أفكارٍ كاملة، كما قد تكون لغة حركية تتكون في الأغلب من استخدام الإشارات والإيماءات، ومن تكوين كلماتٍ بواسطة الأصابع، كما هو الحال في لغة الصم والبكم، وتستخدم البنات اللغة السرية أكثر من الذكور، ويقضين وقتًا أطول في تأليف رموزٍ جديدة وإشارات للكلمات، وابتداءً من سن العاشرة حتى مرحلة المراهقة المبكرة، تُعَدُّ الفترة التي يصل فيها استخدام اللغة السرية إلى قمتها، رغم أن معظم الأطفال يبدأ في استخدام هذ اللغة السرية ابتداءً من الصف الثاني من المرحلة الابتدائية، وعلى خلاف مرحلة الطفولة المبكرة، فإن الطفل هنا يستطيع أن ينطق الكلمات صحيحة بدون أخطاء، فيما عدا الأطفال الذين لديهم عيوب كلامية. والكلمة الجديدة التي يسمعها الطفل لأول مرةٍ قد ينطقها خطأً عند استخدامها، ولكن بعد الاستماع إلى النطق الصحيح مرةً أخرى، أو أكثر، يكون قادرًا على النطق الصحيح لها، والطفل في هذه المرحلة لديه ميلٌ إلى التحدث بصوتٍ عالٍ كما لو كان المستمع إليه أصم، وهذه الظاهرة لا تؤثر في المستمع إليه بعدم التقبل له، أو الرفض للاستماع إليه فحسب، ولكنها قد تؤدي إلى الخشونة في صوت الطفل أيضًا، وعادة ما يلجأ الأولاد إلى هذا لأنهم يعتقدون أن التحدث بصوتٍ هادئٍ رخيمٍ خاصية "أنثوية".
وطفل العام السادس لديه القدرة على التحكم في كل أنواع أبنية الجمل، وابتداءً من هذا العام وحتى العام التاسع أو العاشر من العمر، يتزايد بالتدرج طول الجمل التي يستخدمها، وبعد سن التاسعة يبدأ الطفل مرةً أخرى في استخدام الجمل الأقصر والأدق، وعند التحدث مع الأطفال الآخرين يستخدم أشباه الجمل بدلًا من الجمل الكاملة. ويُعَدُّ تكوين الجمل الصحيحة من الأعمال الصعبة في ثقافتنا العربية، بسبب الازدواج اللغوي الذي نعيشه بين العامية والفصحى، فإن طفل المدرسة الابتدائية يقع كثيرًا في الأخطاء النحوية حتى بعد تعلمها في الصفوف المتأخرة من المرحلة الابتدائية، وقد يرجع ذلك إلى سوء تدريس النحو لطلاب هذه المرحلة.
أما عن عيوب الكلام فليست بنفس الدرجة التي عليها في المرحلة السابقة، فالتهتهة واللجلجلة وإبدال الحروف وكل صور الحبسة التي تظهر عند الطفل في مراحل نموّه السابقة، قد تظل كما هي بمرور الزمن ما لم تبذل جهود علاجية
لتصحيحها، ولأن هذه الاضطرابات جميعًا تعود بأصولها إلى التوتر العصبي، فإنها قد تزداد سوءًا بدخول الطفل المدرسة الابتدائية، بسبب الارتباك الذي سوف يعانيه حين يضحك الأطفال على طريقته في الكلام، وما لم يكن هناك سبب عضويّ محدد؛ مثل وجود مسافة بين السنتين الأماميتين العلويتين، أو سوء في انطباق الفكين يمكن أن يعالجه ظهور الأسنان الدائمة للطفل، فإن العيوب الكلامية الأخرى التي تنشأ عن أسبابٍ أخرى لا بُدَّ أن تحظى بدراسة طبية ونفسية خاصة.
أمَّا عن محتوى كلام الطفل في هذه المرحلة، فإنه أقلّ تمركزًا حول الذات من الطفل في المرحلة السابقة، وانتقاله من التمركز حول الذات إلى ما يسميه بياجيه: اللغة الاجتماعية، لا يعتمد فقط على العمر، وإنما على بعض سمات شخصية الطفل التي تكون قد تحددت في هذه المرحلة، وما إذا كانت سمات من النوع المتمركز حول الذات أو من النوع الاجتماعي، كما تعتمد على الاتصالات الاجتماعية التي يقوم بها، وعلى حجم الجماعات التي يتحدث معها أو إليها، فكلما زاد حجم الجماعة تحولت لغته إلى الوجهة الاجتماعية، وحين يكون الطفل مع أقرانه تكون لغته أكثر اجتماعية مما لو كان مع الكبار والراشدين.
وعلى الرغم من أن الأطفال يمكنهم التحدث في أيِّ موضوع، فإن من الموضوعات المفضلة التي يتحدثون فيها معًا في هذا السن هي خبراتهم الخاصة، وحياة المنزل والأسرة، والألعاب الرياضية، واللعب والسينما، ونشاط الشلل والجنس، والأعضاء الجنسية والحوادث.
ويشعر الطفل بحريةٍ أكثر في مناقشة هذه الموضوعات والتعبير عن آرائه حولها حين لا يوجد الكبار، وحين يعبر طفل هذه المرحلة عن نفسه ويتباهى "بل قد يتبجح" بها، فإن مصادر مباهاته ليس ما لديه من نواحي مادية، وإنما حول مهاراته في الألعاب وقوته، وسلوك الزهو أكثر شيوعًا في الفترة بين سن 9 و12 سنة وخاصة بين الأولاد.
ويحب الطفل في هذ المرحلة أن ينتقد الآخرين ويسخر منهم، وقد يلجأ إلى ذلك صراحة أو خفية، وحين ينقد الكبار يلجأ إلى ذلك في صورة شكوى أو اقتراح، أما نقد الأطفال من أقرانه، فإنه يأخذ شكل السباب أو السخرية أو المضايقة، وبدراسة كلام الطفل في هذه المرحلة نجدُ الأسئلة أصبحت أكثر تحديدًا في صيغتها من أسئلة طفل المرحلة السابقة، وتصل أسئلة "لماذا" إلى قمتها في الصفين الثاني والثالث الابتدائي، أما الأنواع الأخرى من الأسئلة، وخاصة أسئلة "ماذا"، فتكون أكثر حدوثًا من المرحلة السابقة، كما يحتوي كلام طفل هذه المرحلة على كثيرٍ من الأوامر والتعليمات.