المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب ‌ ‌مدخل … تمهيد للباب - نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين

[آمال صادق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأسس العامة

- ‌الفصل الأول: طبيعة النمو الإنساني

- ‌مدخل

- ‌موضوع علم نفس النمو:

- ‌أهداف البحث في علم نفس النمو:

- ‌خصائص النمو الإنساني

- ‌النمو عملية تغير

- ‌ النمو عملية منتظمة:

- ‌ النمو عملية كلية:

- ‌ النمو عملية فردية:

- ‌ النمو عملية فارقة:

- ‌ النمو عملية مستمرة:

- ‌الفصل الثاني: أصول علم نفس النمو في ثقافة الغرب

- ‌أولاً: المنظور اليوناني للنمو الإنساني

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في العصور ر الوسطى في أوربا

- ‌ثالثًا: إحياء النزعة الإنسانية

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في عصر التنوير في أوربا

- ‌خامسًا: المقدمات الاجتماعية والثقافية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سادسًا: المقدمات العلمية لدراسة النمو الإنساني

- ‌سابعًا: ظهور علم نفس النمو الحديث

- ‌الفصل الثالث: نحو وجهة إسلامية لعلم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الإنساني في القرآن الكريم:

- ‌ثانيًا: النمو الإنساني في السنة النبوية الشريفة

- ‌ثالثًا: النمو الإنساني عند الصحابة:

- ‌رابعًا: النمو الإنساني في الفقه الإسلامي

- ‌خامسًا: النمو في تراث علماء المسلمين وفلاسفتهم

- ‌الفصل الرابع: مناهج البحث في النمو الإنساني

- ‌مقدمة في طبيعة المنهج العلمي في البحث:

- ‌المنهج العلمي في البحث والتصور الإسلامي للمعرفة:

- ‌الملاحظة الطبيعية:

- ‌المنهج التجريبي:

- ‌المنهج شبه التجريبي

- ‌المنهج الارتباطي:

- ‌المنهج المقارن:

- ‌اختبار منهج البحث الملائم:

- ‌الفصل الخامس: النماذج النظرية للنمو الإنساني

- ‌الاتجاهات النظرية الوصفية

- ‌معايير النمو

- ‌مهام النمو:

- ‌الاتجاه نحو النماذج النظرية

- ‌مدخل

- ‌نموذج بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نموذج إريكسون في النمو الوجداني:

- ‌نموذج كولبرج في النمو الخلقلي الإجتماعي

- ‌تعليق عام على النماذج النظرية:

- ‌الباب الثاني: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الجنين

- ‌مدخل

- ‌الفصل السادس: تكوين النطفة

- ‌التكوين الأساسي للخلية

- ‌النطفة

- ‌مدخل

- ‌النطفة الأمشاج:

- ‌ميكانيزمات الوراثة

- ‌مدخل

- ‌كيف تنتقل الخصائص الوراثية:

- ‌صبغيات (كروموزمات) الجنس

- ‌وراثة الخصائص المرتبطة بالجنس:

- ‌الفصل السابع: أطوار نمو الجنين

- ‌أولًا: طور النطفة الأمشاج

- ‌ثانيًا: طور العلقة

- ‌ثالثًا: طور المضغة

- ‌رابعًا: طور تكوين العظام والعضلات "اللحم

- ‌خامسًا: طور التسوية

- ‌سادسًا: تعلم الأجنة

- ‌الفصل الثامن: رعاية الجنين والأم الحامل

- ‌العوامل المؤثرة في النمو خلال طور ماقبل الولادة

- ‌خصائص الأم

- ‌ التغذية:

- ‌ الأمراض:

- ‌ العقاقير والمخدرات:

- ‌ التدخين:

- ‌ مخاطر البيئة:

- ‌ آثار الوراثة "عامل الريصص

- ‌الباب الثالث: المرحلة الأولى لنمو الإنسان - أطوار الطفولة

- ‌مدخل

- ‌الفصل التاسع: طور الوليد (من الولادة حتى نهاية الأسبوع الثاني)

- ‌ولادة الطفل

- ‌مدخل

- ‌خبرة الولادة لدى الوليد:

- ‌الاتجاهات الوالدية إزاء الولادة:

- ‌اتجاهات الإخوة إزاء الوليد:

- ‌الاتجاهات نحو جنس الطفل:

- ‌الاتجاهات نحو التوائم:

- ‌خصائص نمو الوليد:

- ‌أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لطور الوليد:

- ‌الفصل العاشر: طور الرضيع (من الولادة حتى نهاية العام الثاني)

- ‌مدخل

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو الحسي والإدراكي:

- ‌نموّ الكلام:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌بعض مشكلات طور الرضاعة:

- ‌الفصل الحادي عشر: طور الحضانة (من سن عامين إلى سن التميز)

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النموّ الحسي والإدراكي:

- ‌النموّ الحركي:

- ‌صحة الطفل ما قبل المدرسة:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية:

- ‌الخبرات التعليمية في طور الحضانة:

- ‌الفصل الثاني عشر طور التمييز

- ‌النمو الجسمي والفسيولوجي

- ‌النمو الحركي:

- ‌أمراض طفل المدرسة:

- ‌النموّ اللغوي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:

- ‌النمو الانفعالي والوجداني:

- ‌النموّ الخلقي:

- ‌نموّ الشخصية:

- ‌دور المدرسة في طور التمييز:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثالث عشر: طور بلوغ الحلم "المراهقة

- ‌البلوغ الجنسي:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الانفعالي:

- ‌النمو الاجتماعي:

- ‌النمو الخلقي والاهتمامات الدينية:

- ‌نمو الشخصية في مرحلة المراهقة المبكرة:

- ‌الفصل الرابع عشر: طور بلوغ السعي"الشباب

- ‌طبيعة طور بلوغ السعي (الشباب)

- ‌حدود طور بلوغ السعي "الشباب

- ‌التغيرات الجسمية في طور السعي:

- ‌النموّ العقلي المعرفي:

- ‌السلوك الانفعالي والوجداني ومشكلات الشباب:

- ‌السلوك الاجتماعي في طور السعي "الشباب

- ‌النمو الخلقي والاتجاهات الدينية في طور السعي:

- ‌نمو الشخصية في طور السعي ومسألة الهوية:

- ‌خاتمة المرحلة الأولى من حياة الأنسان:

- ‌الباب الخامس: المرحلة الثانية من الأنسان"قوة الرشد

- ‌الفصل الخامس عشر: حدود الرشد وأهمية مرحلة القوة في حياة الأنسان

- ‌مدخل

- ‌محكات الرشد:

- ‌الحدود العملية للرشد:

- ‌نشاة ونمو الاهتمام بسيكولوجية الراشدين:

- ‌الفصل السادس عشر: أطوار بلوغ الرشد "طور الرشد المبكر

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌نمو الشخصية والتوافق ومسألة الهوية:

- ‌الزواج والحياة الأسرية:

- ‌مفهوم الأسرة:

- ‌الزواج:

- ‌الطلاق:

- ‌النمو المهني:

- ‌عمالة الصغار وبطالة الكبار:

- ‌الفصل السابع عشر: طور بلوغ الرشد "وسط العمر

- ‌مدخل

- ‌الخصائص العامة:

- ‌النمو الجسمي

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض:

- ‌النموّ الجنسي:

- ‌النمو العقلي المعرفي:

- ‌إبداع الراشدين:

- ‌نمو الشخصية

- ‌مدخل

- ‌الميول المهنية واللامهنية:

- ‌التوافق:

- ‌نمو الحياة الأسرية

- ‌مدخل

- ‌التوافق الزواجي:

- ‌النمو المهني:

- ‌الفصل الثامن عشر: التعلم مدى الحياة تعلم الراشدين"الكبار

- ‌تعلم الراشدين"الكبار" والمفاهيم المرتبطة

- ‌دافع التعلم عند الراشدين

- ‌تصنيف دوافع التعلم عند الراشدين

- ‌مثبطات التعلم عند الراشدين"التسرب

- ‌مشكلات المتعلمين الراشدين

- ‌القلق

- ‌ أوهام العمر:

- ‌ المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

- ‌شروط التعلم عند الراشدين:

- ‌خاتمة حول العمر الثاني للإنسان:

- ‌الباب السادس: المرحلة الثالثة في حياة الإنسان"ضعف المسنين

- ‌الفصل التاسع عشر: حدود المرحلة الثالثة في حياة الإنسان

- ‌الشيخوخة في اللغة والثقافة:

- ‌حدود الشيخوخة

- ‌المحك العمري

- ‌نحو محكات أخرى للشيخوخة:

- ‌تاريخ البحث في ميدان المسنين:

- ‌موضوع سيكولوجية المسنين:

- ‌نظريات الشيخوخة والتقدم في السن

- ‌أولاً: النظريات البيولوجية

- ‌ثانيًا: النظريات النفسية الاجتماعية:

- ‌الفصل العشرون: طور الشيخوخة

- ‌التغيرات الجسمية

- ‌التغيرات الفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌الصحة والمرض في طور الشيخوخة:

- ‌التغير في الوظائف الحسية:

- ‌التغير في النشاط الحركي:

- ‌التغير العقلي المعرفي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التدهور في القدرات العقلية

- ‌ثانيًا: بنية القدرات العقلية:

- ‌ثالثًا: نسبة الكفاءة ونسبة التدهور

- ‌حكمة الشيوخ

- ‌مدخل

- ‌الحكمة: قدرة القدرات الإنسانية

- ‌أمثلة من البحوث النفسية في الحكمة:

- ‌التقاعد

- ‌مفهوم التقاعد

- ‌قرار التقاعد:

- ‌عملية التقاعد:

- ‌التكيف للتقاعد:

- ‌الحياة الأسرية:

- ‌التوافق والشخصية في طور الشيخوخة:

- ‌عوامل التوافق في الشيخوخة وأنماطه:

- ‌ميول المسنين:

- ‌التغيرات في السلوك الاجتماعي:

- ‌الفصل الحادي والعشرون: طور أرذل العمر

- ‌مدخل

- ‌محكات بلوغ أرذل العمر

- ‌المحك الإسلامي

- ‌المحك المرضي:

- ‌ محك سوء التوافق:

- ‌التغيرات الجوهرية في طور أرذل العمر:

- ‌تصنيف الاضطرابات السلوكية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: الاضطرابات الوظيفية

- ‌ثانيًا: الاضطرابات العضوية

- ‌الفصل الثاني والعشرون: رعاية المسنين

- ‌مدخل

- ‌ تعليم المسنين:

- ‌التدخل العلاجي

- ‌مدخل

- ‌خطوات التدخل العلاجي:

- ‌أساليب التدخل العلاجي النفسي:

- ‌الرعاية الشاملة للمسنين:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ ‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب ‌ ‌مدخل … تمهيد للباب

‌الباب الرابع: المرحلة الأولى لنمو الإنسان أطوار المراهقة والشباب

‌مدخل

تمهيد للباب الرابع: أهمية أطوار المراهقة والشباب

يُعَدُّ تخصيص مرحلة خاصة في النموّ الإنساني تسمى مرحلة المراهقة والشباب اختراعًا اجتماعيًّا ولغويًّا حديث العهد، فمنذ عهد قريب كان التوحيد بين البلوغ الجنسي والرشد شائعًا، إلّا أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وظهور تغيرات اجتماعية وثقافية عديدة في المجتمع الحديث، تَطَلَّبَ الأمر تناول مرحلة خاصة للنمو الإنساني بين هذين الحدثين، نقصد: البلوغ الجنسي والرشد، ويعود الفضل إلى ج. ستانلي هول مؤسس علم نفس النمو في اقتراح المصطلح الذي يدل على هذه المرحلة، وهو Adolescence1 في اللغة الإنجليزية. وأجرى بحوثه المبكرة في مجال النموّ في هذه المرحلة بالفعل، ونشرها في كتابٍ شهير من مجلدين عام 1891، وشاعت أفكاره حول طبيعة المراهقة، وظلت مسيطرة على الميدان لفترة طويلة من الزمن.

لقد اعتمدت أفكار ستانلي هول -كما بينا في الفصل الثاني- على نظرية التطور لداروين وخاصة مفهوم "التلخيص"، والذي يعني أن الأفراد يمرون خلال مراحل النمو ما يعكس التطور الاجتماعي للجنس البشري، والنمو من الميلاد إلى النضج يتبع نمط النمو الاجتماعي من البدائية إلى التحضر، وفي هذا السياق تكون المراهقة -في رأيه- مرحلة "الضغوط والعواصف" التي تعكس خصائص مراحل الانتقال المضطربة في تطور المجتمعات البشرية، وفي رأيه أن البيئةَ لا تؤثِّرُ في الميكانيزمات ذات الطبيعة البيولوجية، والتي تتحكم في التغيرات التي تحدث في المراهقة، وهو الرأي الذي تحدّاه أصحاب وجهة النظر البيئية، وأكدت بحوثهم أن المراهقين في الثقافات المختلفة يتعرضون لخبرات مختلفة، ولعل أشهر هذه البحوث ما قامت به عالمة الأنثروبولوجيا مارجريت ميد، ففي بعض المجتمعات يعزى للأطفال بعض أدوار الراشدين، وفيها يتحدد الرشد بالبلوغ الجنسي، ولهذا يرى البعض أن مفهوم المراهقة بمعناه وخصائصه وحدوده الزمنية صنعته ظروف المجتمع الصناعي الحديث بتعقده وتركيبه، ولا ندري ماذا سيحدث في المستقبل في المجتمعات التي يطلق عليها توفلر مجتمعات "الموجة الثالثة" في عصر ما بعد

1 الأصل اللغوي لهذه الكلمة هو الفعل اللاتيني Adolesscere، ومعناه:"أن ينمو" أو "يتحول إلى النضج".

ص: 283

الصناعة، وقبل ذلك لم تكن هذه الفترة الانتقالية موجودة؛ ففي المجتمعات الريفية الزراعية، ومجتمعات المدن الصغيرة التي تسودها حضارة الموجة الأولى "كما يسميها توفلر" كان الأطفال حالما يبلغون السن الذي يستطيعون فيه من الناحية الجسمية أداء الأعمال والمهن، يتم الاعتراف بهم كراشدين، وتُوكَلْ إليهم المسئوليات، ويكلفون بالواجبات، ويعطون الحقوق والامتيازات التي يحظى بها الكبار، بل إن بعض الأطفال ما بين سن 7سنوات وقبل البلوغ كانوا يمارسون النشاط المهني، ويدخلون عالم العمل على نحوٍ أذاب الحدود بين عالم الرشد وما قبله "Conger Peterson 1984".

أما في المجتمع الصناعي الحضري الحديث الذي أنتجته الموجة الثانية من الحضارة "على حَدِّ تعبير توفلر أيضًا" فقد حدثت تغيرات في حياة الأسرة، وتغيرت النظرة إلى الطفل وإلى عملية نموه تبعًا لذلك، واعتُبِرَتْ المراهقة فترة إعدادٍ لدور الرشد التالي، وتطلَّبَ ذلك ظهور النظم التعليمية الحديثة التي أدت بدورها إلى إطالة فترة الإعداد هذه، ومع إطالة هذه الفترة تزداد اعتمادية الفرد، ويؤجل بلوغه مرحلة الرشد، ويظل في هذه المرحلة الانتقالية التي لا يكون فيها طفلًا ولا راشدًا، ثم يزداد وضعه غموضًا حين يعامل كطفلٍ، ومع ذلك فعندما يتصرف كطفلٍ يُلامُ على ذلك، وعمومًا فإن المراهقة هي إعداد للرشد، وهي مرحلة تحل فيها اتجاهات الكبار وتصرفاتهم محل التصرفات الطفلية السابقة.

وهكذا تطلَّب الأمر الانتظار حتى نهاية القرن التاسع عشر ليظهر الاهتمام الحديث بالمراهقة كمرحلة هامة اجتماعيًّا وسلوكيًّا، وأسباب ذلك كما بينَّا ديموجرافية وثقافية؛ فإدراك المراهقة كمرحلةٍٍ متميِّزَةٍ في النمو الإنساني اعتمد على وجود جماعة من الأفراد في مرحلة ما قبل الرشد وبعد البلوغ الجنسي، تجمعهم خبرات مشتركة تجعل منهم نهايةً لمرحلة الطفولة.

أما من الناحية الثقافية، فقد شهدت أواخر القرن التاسع عشر زيادة الهجرة إلى المدن ونموّ التصنيع، وعلى الرغم من أن معظم المراهقين استمرّ في العمل إلّا أن طبيعة العمل بدأت تتغير، فمع نموّ الميكنة ازداد تقسيم العلم وضوحًا، وأدرك المراهقون أن الأعمال الأقل مهارة لا تحمل أملًا في رفع المستوى الاقتصادي، بينما الأعمال الأكثر تعقيدًا والتي كان يتزايد عددها تحمل أملًا أكبر، إلّا أن هذه الأعمال الجديدة تَتَطلَّبُ نضجًا أكثر وتعليمًا أرقى، وهنا ظهرت الحاجة إلى إطالة فترة التعليم وإرجاء سن دخول العمل والزواج، وتكوين الأسرة، وكانت الطبقات

ص: 284

الأكثر استفادة من التطور الجديد الطبقة العليا في المجتمع، ثم الطبقة الوسطى النامية حينئذ؛ لأن الثروة المتاحة وحجم الأسرة المحدود سمح لهم بما اعتُبِرَ "استثمارات" في التعليم من أجل المستقبل، ثم انتقل ذلك إلى الطبقات الأخرى مع شيوع التعليم الإلزامي والمجاني، إلّا أن هذا لم يحدث إلّا بعد ثمنٍ فادحٍ من تشغيل الأطفال والنساء في الأعمال الشاقة، والذي كان في ذاته أحد الثمار المرة للثورة الصناعية، وكان من نتائج ذلك الزيادة السريعة في عدد المدارس والكليات والجامعات، وسرعان ما أصبحت هذه المؤسسات أكثر تنظيمًا، كما ازدادت مطالبها وتعددت مستوياتها، وهكذا تهيأت الظروف طوال النصف الأول من القرن العشرين للتحديد الواضح لمرحلةٍ واضحةٍ في نموّ الإنسان، هي مرحلة المراهقة التي لم تَعُدْ محض نهاية للطفولة، وإنما أصبحت طليعةً لمرحلة أخرى إضافية، هي مرحلة الشباب، والذي تحددت معالمه خاصة منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، فيما أطلق عليه "ثقافة الشباب"، ولو أن القرآن الكريم قد نبه منذ أربعة عشر قرنًا إلى ذلك فيما أسماه "بلوغ السعي" كما سوف نبين فيما بعد.

من العرض السابق يتبين أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحديثة أدت إلى ظهور جماعة المراهقة، ومع مزيدٍ من التعقد في ظروف المجتمع ظهرت جماعة الشباب، وهكذا ظهرت جماعتان تمثلان طورين "انتقاليين" في عمر الإنسان قبل تحوله الرشد، وهيأ ذلك كله الظروف للبحث حول الطبيعة السيكلولوجية لهاتين الفئتين العمريتين، وطرق توجيهما ووسائل التنبؤ بمستقبلهما. وكل هذه المسائل تغيرت مع مرور الزمن ومع تغير المجتمعات ذاتها، إلّا أن المهم أن نقول: إنه مع مطلع القرن العشرين بدأ "عصر المراهقة" بالمعنى الحديث للكلمة. أما الوعي الاجتماعي بمسألة الشباب فلم يظهر بشكلٍ جادٍّ إلّا بعد الحرب العالمية الثانية، ثم وصل إلى قمته في تمرد "صراع الأجيال" الذي شهدته الستينات، ثم ظهر منذ أواخر السبعينات اهتمام جديد سنتناوله بالتفصيل فيما بعد، وهو الاهتمام بالشيخوخة، وهكذا يمكننا القول أنه إذا كان القرن التاسع عشر هو "قرن الطفولة"، فإن النصف الأول من القرن العشرين هو "عصر المراهقة"، وعقدي الستينات والسبعينات فيه هما "زمن الشباب". أما فترة أواخر هذا القرن فربما يسودها استشراف خصائص المرحلة الثالثة في نمو الإنسان، أي: شيخوخته.

وإذا كانت المراهقة تتحدد بدايتها بوضوح بالبلوغ الجنسي، فإن نهايتها التي تتحدد ببلوغ السعي، ثم الرشد أقل وضوحًا للأسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أوضحناها، وقد نبَّه الفقه الإسلامي إلى هذه الحقيقة السيكلوجية

ص: 285

الهامة في إشارته إلى ضرورة أن يُؤْنَسَ الرشد في الإنسان حتى تكتمل له أهلية الأداء المدنية، ويرجع ذلك إلى الاختبار والتجربة، ولهذا السبب لم يحدد جمهور فقهاء المسلمين سنًّا معينة مطلقة لبلوغ كلٍّ من السعي "الشباب" والرشد، وترك الأمر للظروف الاجتماعية والنفسية المتغيرة "راجع الفصل الثالث".

وحتى نضع الظروف التي تعرَّضَ له المجتمع الإنساني الحديث في الاعتبار ونحن نتناول مرحلتي المراهقة والشباب، لا يمكن لنا القفز مباشرة الآن من البلوغ الجنسي إلى الرشد، ولهذا نقسِّمُ هذه المرحلة إلى طورين رئيسيين ملتزمين بالإطار الإسلامي:

1-

طور بلوغ الحلم "المراهقة": وتشمل بداية واكتمال التغيرات الجسمية المرتبطة بالبلوغ الجنسي، وتنتهي في حوالي الخامسة عشرة، وتشمل المرحلة التعليمية التي تسمى المرحلة الإعدادية، أو المرحلة المتوسطة، أو المرحلة الثانية من التعليم الأساسي، أو المرحلة الأولى من التعليم الثانوي، حسب أحوال النظام التعليمي وطبيعته.

2-

طور بلوغ السعي "الشباب": وهي تسميةٌ أفضل من التسمية الشائعة باسم المراهقة المتأخرة، وتبدأ مع اكتمال التغيرات الجسمية، وتمتد إلى سن الرشد الحقيقي "18عامًا"، أو القانوني "21عامًا"، وتشمل المرحلة الثانوية، وقد تمتد إلى المرحلة الجامعية حسب مؤشرات الاستقلال السيكولوجي "التي تدل على الرشد" التي يبديها الفرد، وتسمية هذا الطور بالوصف القرآني البديع "بلوغ السعي"، يحمل معنى إمكان سعي الشباب في أمور دنياه كسبًا لعيشه إذا لم يشأ إكمال تعليمه، ثم إنه يحمل تضمينًا هامًّا حول توجيه طبيعة التعليم في هذا الطور؛ بحيث يحقق للشباب السعي أيضًا في أمور دنياه، وهي مسألة هامَّة سنتناولها بالتفصيل عند عرضنا لهذا الطور في النمو الإنساني، ومعنى ذلك أن هذا الطور هو في واقع الأمر في منزلة بين المراهقة والرشد.

ص: 286