الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللعب في مرحلة الطفولة المتأخرة:
على الرغم من أن الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة لا يتوافر له وقت اللعب الكبير الذي كان متاحًا في المرحلة السابقة بسبب انشغاله بالأعمال المدرسية، إلّا أنَّ اللعب يظل له أهمية في جميع الأنشطة التي يقوم بها الطفل في هذه المرحلة؛ فخصوبة اللعب واتساع نطاقه يصل إلى قمته خلال هذه السنوات، وخاصة مع سعي الطفل المستمر لاستطلاع واستكشاف مجالات وصور جديدة للعب.
وبالطبع، فإن صورة طفل "المدرسة الابتدائية" على أنه أكثر جدية وأكثر انشغالًا بالعمل، هي التي تدفع البعض إلى اعتبار اللعب في هذه المرحلة غير مفيد، بل ومضيَّعًا للوقت، إلّا أن هذا غير صحيح في ضوء النظريات والتفسيرات العديدة التي حاولت فهم قيم ووظائف اللعب في هذه المرحلة، وتشمل هذه النظريات "Bigner 1983" مفهوم اللعب كمتنَفَّسٍ مشروعٍ للطاقة الزائدة عند الطفل "هربرت سبنسر"، وكوسيلة للتعبير عن الانفعالات العميقة من خلال أنشطة مقبولة "سيجموند فرويد"، وكخبرة يشعر فيها الطفل بالنمو الاجتماعي "ستانلي هول"، وكوظيفة للاستمتاع والسرور والسعادة "تشارلوت بوهلر"، وكإعداد لأدوار الطفل في المستقبل، وخاصة دور الراشد "جروس"، وكعملية تعلُّمٍ تسمح للطفل بتنمية مهارات التفكير "جان بياجيه"، ويضيف آخرون إلى هذه الوظائف تنمية الابتكارية وتشجيعها، والتدريب على العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص، وغيرها من المهارات الاجتماعية، وبلورة سمات الشخصية ومفهوم الذات، واللعب أيضًا هو وسيلةٌ لخفض التوتر وتنمية الجسم الإنساني، ويزوّد موقف اللعب الأطفال بمعملٍ يمكنهم فيه اختبار قدراتهم في تفاعلها مع البيئة.
وتُظْهِرُ أنشطةُ اللعب في هذه المرحلة التتابعَ الذي بدأ في مرحلة الطفولة المبكرة؛ فأنشطة اللعب الجماعية تتوازى مع التوجه المتزايد لدى الطفل نحو الأقران، وقدرته على التفاعل الفعَّال معهم في موقف جماعيّ، وتظهر قدرة الأطفال على اللعب في جماعات بين سن 5، 8سنوات، ويساير تطور جماعات
اللعب الخطوات التي تناولناها في وصف النموّ الاجتماعي.
ويذكر بعض الباحثين "Bigner 1983" أن نمو اللعب يمر بالمراحل الأربعة الآتية:
أ- الأنشطة البسيطة الحسية الحركية التكرارية.
ب- اللعب الإنشائي أو الاستخدام الابتكاري للمواد.
جـ- اللعب الرمزي والدرامي.
د- الألعاب ذات القواعد.
ويقل في هذه المرحلة النوع الأول من اللعب، ويظهر اللعب الإنشائي والذي يتمثَّلُ في صنع الأشياء كهدف في ذاته دون التفكير في استخدامها الفعلي، ويشيع بين الذكور التركيب باستخدام العدد والآلات، أما البنات فيفضِّلْنَ أنشطة تركيبية أكثر دقة مثل الخياطة، ويتناقص الاهتمام في هذه المرحلة تدريجيًّا بالرسم والتشكيل بالصلصال، ويزيد الاهتمام بالموسيقى والغناء، وتشيع هوايات الجمع "طوابع البريد، العينات، إلخ". أما بالنسبة للألعاب ذات القواعد، فمن المعتاد أن يزداد اهتمام الطفل بها بعد دخوله المدرسة تخلصًا من أنماط اللعب غير المميزة التي تسود في مرحلة الطفولة المبكرة، وحينما يصل إلى سن العاشرة أو الحادية عشرة تكون ألعابه من النوع التنافسيّ، ويتركز اهتمامه على المهارة والتفوق، وليس محض المتعة والسرور.
وفي الأوقات التي لا يستطيع فيها الطفل أن يكون مع أصدقائه يقضي وقت فراغه من العمل المدرسي ومن المسئوليات المنزلية في ممارسة بعض الهوايات، وبالطبع ليس منها اللعب المنفرد، فقد يقرأ "بعد تعلم القراءة في المدرسة"، أو يستمع إلى الراديو، أو يشاهد التليفزيون والفيديو، أو يذهب إلى السينما، أو يقضي وقته في أحلام اليقظة.
وما يهمنا أن نشير إليه هنا هو نموّ هواية القراءة عند الطفل، لقد أُجْرِيَتْ دراساتٌ حول ما يفضله أطفال نهاية المرحلة الابتدائية من قصص، ومنها يتَّضِحُ أن الأطفال الأعضاء في جماعات الأقران "أي: أعضاء في جماعات زملاء لعب، وأصدقاء من نفس العمر" كانوا أقلَّ اهتمامًا بقصص الحيوان، وهذه النتيجة لها أهمية خاصة حينما نتذكر أن تفضيل قصص الحيوان وصوره هو خاصية من خصائص سلوك الأطفال الصغار، وبعبارة أخرى: يمكن أن نعتبره مؤشرًا للنضج السيكولوجي، ومعنى ذلك أن الأطفال الذين كانت لديهم القدرة على الاستقلال بأنفسهم في جماعاتٍ خارج الأسرة، يميلون إلى أن يكونوا أكثر نضجًا من أولئك الذين ليست لديهم القدرة على تكوين هذه العلاقات، كما تأكَّدَ أيضًا أن الفروق كانت أوضح عند البنات منها عند الذكور، وأن عدد البنات في هذا السن اللاتي فضَّلْنَ قصص الحيوان كُنَّ أقل من البنين، وهذا يعني أن البنات عند نهاية المرحلة الابتدائية يَكُنَّ أكثر نضجًا من الذكور من نفس العمر.