الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخول السائل الموجود في تجويف الرحم إلى التوتة فإنها تبدأ في التجويف، وفي اليوم الخامس من الحمل تتحول التوتة إلى ما يسمى علميًّا الكرة الجرثومية blastula، وهو طور تصبح فيه النطفة الأمشاج كالكرة من حيث الشكل الخارجي والفراغ الداخلي الذي يملؤه جزء من السائل الدقيق في التجويف الرحمي، كما هو موضح في الشكل رقم "7-3".
الشكل رقم "7-3" شكل توضيحي للكرة الجرثومية
وتحول النطفة الأمشاج من طور التوتة إلى طور الكرة الجرثومية يتضمن ما هو أكثر من محض التغير في الشكل، إنه يتضمن أيضًا بداية التمايز أو التخصص في وظائف الخلايا، مع زيادة عددها إلى ما بين 50-60 خلية.
ثانيًا: طور العلقة
لم يتنبه علماء الأجنة إلى هذا الطور الهامِّ من أطوار نمو الجنين إلّا منذ بضع سنوات، على الرغم من أن القرآن الكريم أشار إليه منذ أربعة عشر قرنًا؛ كطور واضح صريح في مرحلة النمو قبل الولادة "راجع الفصل الثالث"، فقد ورد ذكر العلقة في القرآن الكريم في خمسة مواضع، وفي معظمها ورد هذا الطور بعد طور النطفة "ما عدا سورة العلق"، ويغلب على فهم أغلب المفسرين القدامى، وكثير من المحدثين وصف العلقة بأنها "دم غليظ متجمد"، وعلى هذا النحو تمت الترجمات التي وضعت لمعاني القرآن الكريم، وقد اختلف مع هذا الرأي قليل من الأقدمين مثل ابن الجوزي في "زاد المسير في علم التفسير"؛ حيث قال:"وسميت علقة لرطوبتها وتعلقها بما تمر فيه" وهو رأي في كثير من الصواب في ضوء العلم الحديث؛ فالأطباء المحدثون يفسرون اللفظ القرآني تفسيرًا علميًّا بالقول، بأن العلقة
هي الطور الذي تعلق فيه الكرة الجرثومية -والتي اكتمل تكوينها في الطور السابق- بجدار الرحم، وتتشبث به وتنشب فيه "محمد على البار، 1986".
وعلى الرغم من أن كلمة "علقة" تحمل المعنيين السابقين من الوجهة اللغوية، فهي تعني: كل ما ينشب ويعلق، كما تعني: الدم الغليظ، فلا يوجد دليل يحبذ تفضيل المفسرين للمعنى الثاني على المعنى الأول الذي يشير إلى التعلق بجدار الرحم، سوى ما يشاهد عند حدوث الإجهاض المبكر؛ حيث لا يرى إلّا دم غليظ؛ إذ أن حجم العلقة في هذا الطور لا يتجاوز 1/4 ميلليمتر، وتكون محاطة بدم غليظ، ولهذا يكون الانتباه لهذا الدم الغليظ، أما النطفة التي لا تتجاوز ربع الميلليمتر فلا ينتبه إليها أحد.
وتصف لنا الأدلة العلمية الحديثة هذا الطور؛ فبعد أن يتم الرحم استعداده لاستقبال النطفة الأمشاج وبقائها فيه، والتي تكون قد تحولت فيه بالفعل إلى كرة جرثومية، لا يمكن أن يكتب لها الاستمرار أو البقاء فيه إلّا إذا تعلقت بجداره، ويحدث ذلك في اليوم السادس أو السابع بعد الحمل، ويصف علم الأجنة ما يحدث بأنه تعلق attachment أو انزراع implantation، وتعني جميعًا -كما قلنا- تعلق الكرة الجرثومية بجدار الرحم؛ حيث تقوم خلايا الجدار الخارجي للكرة الجرثومية والتي تسمى طبقة التغذية trophobast التعلق بالطبقة الداخلية لجدار الرحم وتزرع نفسها فيه، وحينئذ تكون أشبه بالطفيليات العالقة leech-like "Sympson et al 1985" endometerirm.
وتحاط الكرة الجرثومية، بعد تحولها إلى علقة، ببرك من الدماء blood lacunae، ولذلك، فإن تعبير القدماء عن العلقة بأنها دم غليظ هوتعبير فيه شيء من الصحة، بمعنى أن العلقة تكون محاطة بالدم الغليظ، وهو ما نراه تحت الميكروسكوب، وتتغذى العلقة من هذه الدماء، ومن إفرازات الغدد الرحمية التي يبلغ عددها 15 ألف غدة، والتي يسميها علماء الأجنة لبن الرحم "محمد علي البار، 1986"، وفي هذا الطور يبدأ الغشاء المشيمي chorion في التكوين، ويكون له زغب "نتوءات أشبه بنتوءات منابت ريش الطيور"، ويتفرع مثل الشجرة، وصورته تمثل التعلق أصدق تمثيل.
والتعلق الثالث يجيء بواسطة المعلاق connecting slalk، أو الساق الموصلة، الذي يعلق الكرة الجرثومية بالغشاء المشيمي، وهذا المعلاق يشبه الساق المنبارية في الطيور والحيوانات.
وحالما تلتصق العلقة بجدار الرحم تبدأ عملية التغذية، وهو مالم يكن موجودًا في الطور السابق؛ حيث كان تكاثر النطفة الأمشاج، وطوال الأيام الستة الأولى
من حياة الجنين عن طريق الانقسام، إلّا أن زيادة عدد الخلايا في هذا الطور "النطفة الأمشاج" لا يؤدي إلى زيادة الحجم تغيرًا محسوسًا، ولذلك تظل النطفة الأمشاج ذات حجم ثابت تقريبًا؛ لأنها لا تتلقى غذاء، اللهم إلّا القليل الذي يوفره صفار البويضة، إلّا أنها حالما تلتصق بجدار الرحم -وتصحب علقة- تبدأ عملية التغذية التي تؤدي إلى زيادة الحجم.
وإذا كانت تسمية النطفة الأمشاج -كما بينا- تسمية كيميائية، فإن تسمية الطور الثاني من تكوين الجنين "العلقة" تسمية تشريحية مجهرية "ميكروسكوبية"، وكلا الطورين وتسميتهما القرآنية إعجاز علميٌّ لا يمكن أن يصدر إلّا ممن هو بكل خلق عليم؛ فالميكروسكوب لم يخترع إلّا في القرن السابع عشر الميلادي، ولم يتطور علم الأجنة إلّا بعد ذلك بقرنين.
والجنين في طور العلقة لا يتجاوز قطره أجزاء من الميلليمتر يتعلق برحم أمه لتغديه من دمها، كما تتعلق "علقة الحجام بجسد المخلوقات التي تتغذى عليها""عدنان الشريف، 1987-1988". والجنين منذ هذا الطور من حياته وحتى ولادته، يعيش في محيطٍ مائيٍّ معلقًا برحم أمه بواسطة الحبل السري أو المعلاق، والعلق يعيش في الماء.
ويمتد طور العلقة لمدة أسبوع، وبنهايته يكون الجنين قد بلغ من العمر 15 يومًا تقريبًا، وحالما تلتصق العلقة بجدار الرحم في اليوم السابع من الحمل تقريبًا يمكن لها الاستمرار في الحياة، بسبب التغذية التي تأتيها من الرحم، ولعل أهم إنجازٍ يحدث حينئذٍ هو إفراز هورمون يمنع الأم من إفراز العادة الشهرية، وبالتالي تهيئة الرحم الذي تلتصق به العلقة "أو العلق" على نحوٍ أفضل، ويتوزع هذا الهرمون على جسم الأم كله، ويظهر في البول، وظهوره علامة إيجابية على الحمل في الاختبارات التي يجريها الأطباء، وفي بعض الحالات تستمر المرأة في الحيض حتى يملأ الجنين تجويف الرحم، وحينئذ فقط لا يمكن للعادة الشهرية أن تحدث، وهذه هي العدة كما حددها الفقه الإسلامي، والتي يمكن أن يحدث فيها الحمل مع وجود الحيض، أي: الشهور الثلاثة الأولى للحمل، وبعدها تنقطع العادة الشهرية تمامًا، ولم يكن العرب أو غيرهم من الشعوب وقت نزول القرآن الكريم يعرفون هذه الحقائق العلمية، ولكن القرآن الكريم ذكرها وأصبحت الشريعة الإسلامية تنص عليها في عدة المطلقة والأرملة "راجع الفصل الثالث".