الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع
في مؤنة التعريف
[م-1999] اختلف العلماء فيمن يتحمل مؤنة التعريف على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يتحمل الملتقط مؤنة التعريف، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة
(1)
.
واستثنى الحنفية ما لو قال القاضي: أنفق لترجع فإن له الرجوع على المالك.
جاء في حاشية ابن عابدين: «وهو في الإنفاق على اللقيط واللقطة متبرع؛ لقصور ولايته، إلا إذا قال له قاض: أنفق لترجع، فلو لم يذكر الرجوع لم يكن دينًا في الأصح»
(2)
؛ لأن الأمر متردد بين الحسبة والرجوع فلا يكون دينًا بالشك
(3)
.
وجاء في الهداية: وإن أنفق بأمره ـ أي بأمر القاضي ـ كان ذلك دينا على صاحبها؛ لأن للقاضي ولاية في مال الغائب»
(4)
.
فالنفقة على اللقطة يشمل نفقة التعريف ويشمل غيرها من النفقات.
وجاء في كشاف القناع: «وأجرة المنادي على الملتقط
…
ولا يرجع
(1)
حاشية ابن عابدين (4/ 281)، البحر الرائق (5/ 167)، اللباب في شرح الكتاب تحقيق سائد بكداش (3/ 518)، الهداية شرح البداية (2/ 418)، تبيين الحقائق (3/ 305)، الإقناع في فقه الإمام أحمد (2/ 401)، الإنصاف (6/ 412)، كشاف القناع (4/ 216)، المبدع (5/ 282).
(2)
حاشية ابن عابدين (4/ 281).
(3)
البحر الرائق (5/ 167).
(4)
الهداية شرح البداية (2/ 418).
الملتقط بها أي: بأجرة المنادي على رب اللقطة ولو قصد حفظها لمالكها خلافا لأبي الخطاب؛ لأن التعريف واجب على الملتقط فأجرته عليه»
(1)
.
ولأن ملتقط اللقطة متطوع بحفظها، فلا يرجع بشيء من ذلك على صاحب اللقطة.
القول الثاني:
مؤنة التعريف وغيرها مما أنفقه الملتقط على اللقطة فالمالك مخير بين أن يفتك اللقطة فيدفع ما أنفقه عليها وبين أن يترك اللقطة لمن التقطها في نفقته التي أنفق عليها، سواء أنفق بأمر السلطان أو بدونه، وسواء تجاوزت قيمته النفقة أم لا، وهذا مذهب المالكية
(2)
.
جاء في المدونة: «قال مالك في المتاع يلتقطه الرجل فيحمله إلى موضع من المواضع ليعرفه فيعرفه ربه، قال مالك: هو لصاحبه، ويدفع إليه هذا الكراء الذي حمله، فكذلك الغنم والبقر إذا التقطها رجل فأنفق عليها، ثم أتى ربها فإنه يغرم ما أنفق عليها الملتقط إلا أن يشاء ربها أن يسلمها.
قلت: أرأيت ما أنفق هذا الملتقط على هذه الأشياء التي التقطها بغير أمر السلطان، أيكون ذلك على رب هذه الأشياء إن أراد أخذها في قول مالك؟
قال: نعم، إن أراد ربها أخذها لم يكن له أن يأخذها حتى يغرم لهذا ما أنفق عليها، بأمر السلطان أو بغير أمر السلطان»
(3)
.
(1)
كشاف القناع (2/ 216).
(2)
الذخيرة للقرافي (9/ 112)، المدونة (6/ 176)، منح الجليل (8/ 242)، الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 427)، شرح الخرشي (7/ 128)، حاشية الدسوقي (4/ 123).
(3)
المدونة (6/ 176).
° وجه هذا القول:
النفقة تتعلق في ذات اللقطة لا في ذمة مالكها كالجناية في رقبة العبد إن أسلمه المالك لا شيء عليه، وإن أراد أخذه غرم أرش الجناية.
القول الثالث:
إن قصد بأخذها حفظها لصاحبها لم تلزمه مؤنة التعريف، ويجعلها القاضي من بيت المال قرضًا، أو يبيع قسمًا منها لنفقة تعريفها، وإن أخذها بنية تملكها بعد تعريفها، فإن لم يظهر صاحبها فمؤنة التعريف على الملتقط قولًا واحدًا، وإن ظهر المالك فوجهان: أصحهما أنها على الملتقط. وهذا مذهب الشافعية
(1)
.
وقال أبو الخطاب من الحنابلة: ما لا يملك بالتعريف وما أخذه بقصد حفظه لمالكه فإنه يرجع على مالكها بالنفقة، وهذا نحو مذهب الشافعية
(2)
.
° وجه هذا القول:
أن اللقطة إذا أخذها للحفظ كانت المنفعة لصاحبها، فكانت النفقة عليه، وإن أخذها للتملك كان الالتقاط لمصلحة الملتقط، فكانت النفقة عليه.
وهذا أقرب الأقوال، والله أعلم.
* * *
(1)
إعانة الطالبين (3/ 249)، مغني المحتاج (2/ 413)، الوسيط (4/ 296)، روضة الطالبين (5/ 408)، تحفة المحتاج (6/ 335)، نهاية المحتاج (5/ 441).
(2)
المدونة (6/ 176).