الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في التقاط غير المكلف
المبحث الأول
في التقاط المجنون والصبي غير المميز
ما كان أهلًا للاكتساب كان أهلًا للالتقاط.
[م-2016] إذا اجتمع في شخص أربع صفات: الإسلام، والحرية، والأمانة، والتكليف، فله أن يلتقط ويعرف ويتملك بلا خلاف، لأنه أهل للأمانة والولاية والاكتساب.
ومن فقد شيئًا من هذه الصفات ففي صحة التقاطه خلاف بين أهل العلم، إذا علم ذلك من حيث الجملة نقول:
[م-2017] إذا أخذ اللقطة مجنون أو صبي غير مميز، فهل يصح التقاطه؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين.
° وسبب الخلاف:
أن اللقطة فيها معنى الأمانة والولاية وفيها معنى الاكتساب، فالأمانة والولاية أولًا، والاكتساب يأتي آخرًا بعد القيام بتعريفها.
وهل المغلب الأمانة والولاية، أو الاكتساب؟ فيه خلاف:
فمن غلب الأمانة والولاية؛ فلأن ذلك ناجز متحقق، والاكتساب منتظر، وقد يكون، وقد لا يكون، وهذا يعني منع لقطة الصبي والفاسق والكافر.
ومن غلب في اللقطة معنى الاكتساب؛ فلأنه هو المقصود من اللقطة، ومآل الأمر وعاقبته، والنظر في الأشياء إلى عواقبها، ولأن الملتقط ينفرد في الالتقاط، وهذا شأن الاكتساب بخلاف الأمانات فإنها تقوم على أمين يأتمنه غيره، وهذا هو الأصل.
إذا علم ذلك نأتي إلى ذكر الأقوال:
القول الأول:
أن التقاطه غير صحيح، وهذا مذهب الحنفية، ونص عليه ابن رشد من المالكية، وقول في مذهب الشافعية
(1)
.
جاء في درر الحكام في شرح مجلة الأحكام: «إذا كان الملتقط غير عاقل فالتقاطه غير صحيح، بناء عليه التقاط المجنون والسكران والمعتوه والمنهوش غير صحيح»
(2)
.
والصبي غير المميز ملحق بالمجنون حيث عبارته ملغاة، ولا قصد له صحيح.
وفي البحر الرائق: «وأما الملتقط فلم أر من بين شرائطه، ولا يشترط بلوغه بدليل ما في المجتبى التعريف إلى ولي الصبي والوارث اهـ فدل على صحة التقاطه»
(3)
.
(1)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 241)، البحر الرائق (5/ 162)، حاشية ابن عابدين (4/ 277)، الوسيط (4/ 288)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (6/ 319)، بداية المجتهد (2/ 229).
(2)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 241).
(3)
البحر الرائق (5/ 162).
وجاء في الدر المختار: «وصح التقاط صبي وعبد، لا مجنون»
(1)
.
قال ابن عابدين تعليقًا في حاشيته: «(قوله: لا مجنون إلخ) مأخوذ من قوله في النهر ينبغي أن لا يتردد في اشتراط كونه عاقلًا صاحيًا فلا يصح التقاط المجنون إلخ، لكن الشارح زاد عليه المعتوه، وقدمنا أول باب المرتد أن حكمه حكم الصبي العاقل»
(2)
.
فلما اشترط العقل في الصبي علمنا أنه أراد الصبي المميز؛ لأن العقل هو مصدر التمييز وصحة القصد، والله أعلم.
وجاء في حاشية الشرواني: «وشرط الإمام في صحة التقاط الصبي التمييز قال الأذرعي ومثله المجنون»
(3)
.
ومعناه: إذا لم يكن لهما نوع تمييز لم يصح التقاطهما.
القول الثاني:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يصح التقاط الصبي غير المميز والمجنون، ويقوم وليهما بتعريفها، فإذا عرفها فهي لواجدها، وقال الشافعية: يعرفها إن رأى المصلحة في تملكه للصبي والمجنون، فإن تركها الولي بيد المجنون والصبي بعد علمه حتى أتلفها ضمنها الولي
(4)
.
(1)
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4/ 277).
(2)
حاشية ابن عابدين (4/ 277).
(3)
حاشية الشرواني على تحفة المحتاج، وانظر معه حاشية العبادي (6/ 319).
(4)
البيان للعمراني (7/ 555)، روضة الطالبين (5/ 400)، مغني المحتاج (2/ 408)، حاشية الجمل (3/ 604)، الإنصاف (6/ 425)، المبدع (5/ 290)، الكافي لابن قدامة (2/ 360)، شرح منتهى الإرادات (2/ 386)، كشاف القناع (4/ 224)، مطالب أولي النهى (4/ 240).
جاء في البيان للعمراني: «إذا وجد الصبي أو المجنون أو المحجور عليه للسفه لقطة فالتقطها صح التقاطه؛ لعموم الأخبار؛ ولأن هذا كسب، فصح منهم، كالاصطياد والاحتشاش»
(1)
.
وفي الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: «وتصح من صبي ومجنون وينزع اللقطة منهما وليهما ويعرفها ويتملكها لهما إن رآه حيث يجوز الاقتراض لهما لأن التمليك في معنى الاقتراض فإن لم يره حفظها وسلمها للقاضي»
(2)
.
(3)
.
° الراجح:
صحة التقاط الصبي والمجنون بشرطين:
الأول: أن يتبرع الولي بحفظها والقيام بتعريفها، ثم تمليك الصبي إذا قام بحق التعريف.
الثاني: أن يكون ذلك في مصلحة الصبي والمجنون، والله أعلم.
* * *
(1)
البيان للعمراني (7/ 555).
(2)
الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2/ 371).
(3)
الكافي لابن قدامة (2/ 360).