الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في إعارة المستعير
[م-2106] إن أعار المستعير العين بإذن المعير صحت بلا خلاف، لأنه لو أذن له في بيعها لجاز فكذا إعارتها
(1)
.
وإن أعارها بدون إذن المعير، فهل يملك ذلك؟ اختلف العلماء على قولين:
القول الأول:
يملك المستعير إعارة العين المستعارة كالمستأجر، وهذا هو المختار من مذهب الحنفية، والمذهب عند المالكية، وفي مقابل الأصح عند الشافعية، وأحد الوجهين في مذهب الحنابلة
(2)
.
جاء في تبيين الحقائق: «يعير المستعير العارية مما لا يختلف باختلاف المستعمل»
(3)
.
(1)
شرح منتهى الإرادات (2/ 253)، كشاف القناع (3/ 566)، مطالب أولي النهى (3/ 618).
(2)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 55)، البحر الرائق (7/ 281)، تبيين الحقائق (5/ 83)، العناية شرح الهداية (12/ 249)، مواهب الجليل (5/ 268 - 269)، الفواكه الدواني (2/ 168)، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب (2/ 273)،، حاشية الدسوقي (3/ 433)، منح الجليل (7/ 50)، القوانين الفقهية (ص: 245)، روضة الطالبين (4/ 426)، الحاوي الكبير (7/ 298)، أسنى المطالب (2/ 324)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 305)، حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 19)، حاشية البجيرمي على الخطيب (3/ 159)، تحفة المحتاج (5/ 413)، مغني المحتاج (2/ 264)، روضة الطالبين (4/ 426)، الشرح الكبير للرافعي (11/ 209)، الوسيط (3/ 367).
(3)
تبيين الحقائق (5/ 85 - 86).
جاء في مواهب الجليل: «وتصح ـ يعني العارية ـ من كل مالك للمنفعة، وإن كان ملكه لها بإجارة، أو عارية، ما لم يحجر عليه ذلك»
(1)
.
وقال الماوردي في الحاوي: «في جواز إعارتها وجهان:
أحدهما: يجوز أن يعير كما يجوز للمستأجر أن يؤجر.
والوجه الثاني: لا يجوز أن يعير وهو الصحيح؛ لأنه مخصوص بإباحة المنفعة فلم يجز أن يبيحها لغيره كما لو أبيح أكل لم يجز أن يبيحه لغيره»
(2)
.
وجاء في الشرح الكبير على المقنع: «وليس للمستعير أن يعير، وهذا أحد الوجهين
…
وفي الآخر له ذلك، وهو قول أبي حنيفة؛ لأنه يملكه على حسب ما ملكه، فجاز كإجارة المستأجر»
(3)
.
القول الثاني:
لا يملك المستعير إعارة ما استعاره، اختاره بعض الحنفية، وهو الأصح في مذهب الشافعية، ومذهب الحنابلة
(4)
.
جاء في أسنى المطالب «تصح الإعارة من المستأجر؛ لأنه مالك المنفعة لا من المستعير؛ لأنه غير مالك لها»
(5)
.
وقال النووي في الروضة: «وليس للمستعير أن يعير على الصحيح ولكن له أن
(1)
مواهب الجليل (5/ 268 - 269).
(2)
الحاوي الكبير (7/ 127).
(3)
الشرح الكبير (5/ 368).
(4)
الحاوي الكبير (7/ 127)، أسنى المطالب (2/ 325)، المهذب (3/ 367).
(5)
أسنى المطالب (2/ 325).
يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله»
(1)
.
وقال الشيرازي: «وللمستعير أن يستوفي المنافع بوكيله
…
وهل له أن يعير؟ فيه وجهان: أظهرهما المنع؛ لأن الإذن مخصوص به، فهو كالضيف»
(2)
.
جاء في كشاف القناع: «المستعير لا يملك الإعارة ولا الإجارة
…
لأنه لا يملك المنفعة بل الانتفاع»
(3)
.
سبب الخلاف في المسألة:
يرجع الخلاف في المسألة إلى أن المستعير هل يملك المنفعة، أو يملك الانتفاع؟
فتمليك الانتفاع: حق شخصي يباشره صاحبه بنفسه فقط، وليس له أن يمكن غيره من تلك المنفعة، فالنكاح مثلاً من باب تمليك الانتفاع لا تمليك المنفعة؛ إذ ليس له أن يمكن غيره من تلك المنفعة.
ومثله حق الجلوس في الطرقات والمساجد وإجراء الماء في أرض غيره إن احتاج إليه دون الإضرار به.
وتمليك المنفعة: أعم وأشمل، فهو يعطي صاحبه حق التصرف في المنفعة تصرف الملاك في أملاكهم ضمن حدود العقد الذي ملك به المنفعة، فيحق له تمليك المنفعة التي ملكها لغيره بأجرة، أو هبة، أو عارية، ولا يقيد في تصرفه إلا بشيء واحد، وهو المماثلة لما ملكه من المنفعة في وجه الانتفاع.
(1)
روضة الطالبين (4/ 426).
(2)
المهذب (3/ 367).
(3)
كشاف القناع (4/ 70).
فمن اشترى كتاباً مثلًا فهو قد ملك الانتفاع بهذا الكتاب فقط (الوعاء المادي أصالة، وما قد تضمنه تبعاً) ولم يملك منفعته (مادة الكتاب)، ولهذا لو تلف الكتاب الذي اشتراه ليس له الحق في نسخة أخرى؛ لأن حقه تعلق في هذا الغلاف بعينه، وبه يتبين أن عقد الشراء لم يقع في الأصل على جوهر الحق الذي هو ملك للمؤلف، وإنما وقع العقد على نسخة من الكتاب ينتفع بها قراءة، وهبة، ولم ينتزع حق تلك الأفكار من مبدعها الذي لا تزال تنسب إليه شرعاً، ولم يجعل المشتري من نفسه بدلاً من المؤلف أو المبتكر، فليس للمشتري الحق في غير النسخة التي اشتراها، وليس له أن ينسخ عليها نسخاً أخرى، وهذا واضح بين.
وإذا طبقنا هذا على العارية، فأرى أن المعير قد بذل ماله للمستعير بلا مقابل، فكانت عينه مقصودة في بذل هذا المال، وإذا دار الأمر، هل العارية ملك للمنفعة، أو ملك للانتفاع فقط، فإننا نحمل الأمر على أدناهما احتياطًا للملكية، كما أن الأمر إذا احتمل العارية والهبة حملناه على العارية؛ لأنها أدنى الأمرين، وهي المتيقن. والله أعلم
(1)
.
* * *
(1)
انظر الفروق للقرافي (1/ 187)، نهاية المحتاج (5/ 118).