الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في معرفة اللقطة قبل تعريفها
[م-1991] اختلف العلماء في الرجل يأخذ اللقطة، هل عليه أن يقوم بتعريفها أولًا أو يقوم بمعرفتها أولًا ثم تعريفها؟
القول الأول:
يتعرف عليها قبل أن يقوم بتعريفها، وعليه أكثر رواة حديث زيد بن خالد
(1)
.
° وجه هذا القول:
أن الملتقط يتعرف على اللقطة قبل تعريفها حتى يمكنه التعريف بها، ومن أجل أن صاحبها إذا جاء فنعتها أثناء التعريف استطاع أن يعلم صدق واصفها من كذبه.
القول الثاني:
يتعرف عليها مرتين، فيتعرفها أول ما يلتقطها حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها، ولئلا تختلط وتشتبه، فإذا عرفها سنة وأراد تملكها استحب له أن يتعرفها أيضا مرة أخرى تعرفًا وافيًا محققًا ليعلم قدرها وصفتها فيردها إلى صاحبها إذا جاء بعد تملكها وتلفها، ورجحه النووي
(2)
.
(1)
شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 95)، فتح الباري (5/ 81)، شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 23)، نيل الأوطار (5/ 406).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 23).
° وجه القول بذلك:
أما التعرف عليها قبل تعريفها فقد عرفنا وجهه في القول الأول، وأما التعرف عليها مرة أخرى بعد تملكها؛ فلأن العادة جارية بإلقاء الوكاء والوعاء إذا فرغ من النفقة، فأمر معرفتها وحفظها لذلك، وحتى إذا ما جاء صاحبها بعد استنفاقها دفع إليه بدلها.
القول الثالث:
المطلوب أن يقع التعرف والتعريف، مع قطع النظر عن أيهما أسبق، وهذا قول ابن قدامة، واختيار ابن حجر في الفتح
(1)
.
قال ابن قدامة: «وإن أخر معرفة ذلك ـ إشارة إلى وعائها ووكائها ـ إلى حين مجيء باغيها جاز؛ لأن المقصود يحصل بمعرفتها حينئذ
…
»
(2)
.
° وجه القول بذلك:
أن الغرض أن يقع التعرف والتعريف، فسواء سبق هذا أو ذاك فإذا قام الملتقط بهما فقد تحققت المصلحة، بصرف النظر عن السابق منهما.
° وسبب الخلاف في المسألة:
أن الحديث جاء مرة صريحًا بأنه يتعرف عليها قبل تعريفها،
رواه البخاري ومسلم بلفظ: (اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة).
(1)
المغني (6/ 12)، فتح الباري (5/ 81).
(2)
المغني (6/ 12).
وجاء أيضًا عند البخاري ومسلم بلفظ: (عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها).
وإذا أردنا أن نقف على طرق هذا الحديث، والموقف من اختلاف ألفاظه، فإننا نقول:
الحديث رواه يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني، عن رسول الله عليه السلام.
ورواه عن يزيد ربيعة بن أبي عبد الرحمن، واختلف على ربيعة:
فرواه مالك كما في صحيح البخاري ومسلم وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما
(1)
.
وسليمان بن بلال كما في صحيح البخاري، وأكتفي بالبخاري عن غيره
(2)
.
وعمرو بن الحارث، كما في صحيح ابن حبان
(3)
.
وأيوب بن موسى، كما في معجم الطبراني في الأوسط وفي الكبير
(4)
، كلهم رووه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن بتقديم معرفتها على تعريفها، بلفظ:(اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة).
فأمر الرسول بمعرفتها أولًا ثم تعريفها.
(1)
البخاري (2372، 2429)، ومسلم (1 - 1722).
(2)
صحيح البخاري (91).
(3)
صحيح ابن حبان (4890).
(4)
المعجم الأوسط (8685)، والمعجم الكبير (5252) من طريق عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن يحيى بن أيوب، عن أيوب بن موسى.
وخالفهم كل من:
إسماعيل بن جعفر، كما في صحيح البخاري
(1)
وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما.
سفيان الثوري، كما في صحيح البخاري
(2)
، فروياه بلفظ:(عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها).
والفرق بين رواية مالك ومن تابعه وبين هذه الرواية أن رواية مالك أمره بمعرفتها قبل تعريفها، ورواية إسماعيل وسفيان فيها الأمر بتعريفها، ثم معرفتها.
هذا وجه الاختلاف على ربيعة:
وكما اختلف على ربيعة اختلف على يزيد مولى المنبعث:
فقد رواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن يزيد مولى المنبعث به بمعرفتها قبل تعريفها، رواه البخاري، مسلم
(3)
، بلفظ:(اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة).
وهذه متابعة لربيعة بن أبي عبد الرحمن من رواية مالك وسليمان بن بلال وعمرو بن الحارث وأيوب بن موسى عنه.
وخالف في ذلك عبد الله بن يزيد كما في مشيخة ابن طهمان
(4)
، وسنن
(1)
صحيح البخاري (2436) ومسلم (2 - 1722).
(2)
صحيح البخاري (2427، 2428).
(3)
صحيح البخاري (2428)، وصحيح مسلم (5 - 1722).
(4)
مشيخة ابن طهمان (4).
أبي داود
(1)
، والسنن الكبرى للنسائي
(2)
، وسنن البيهقي
(3)
، فرواه عن أبيه يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني بلفظ:(تعرفها حولًا فإن جاء صاحبها دفعتها إليه، وإلا عرفت وكاءها وعفاصها، ثم أفضها في مالك).
وعبد الله بن يزيد يعتبر به
(4)
.
وتابعه بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني عند مسلم
(5)
، بلفظ: «عرفها سنة، فإن لم تعترف، فاعرف عفاصها ووكاءها، ثم كلها .. ).
هذا هو بيان الاختلاف في حديث زيد بن خالد، هل المعرفة تتقدم على التعريف، أو التعريف يتقدم على المعرفة، والحديث واحد، ولا يحتمل تعدد القصة.
والسبيل إما أن نرجح أو نجمع:
° أما سبيل الترجيح:
فإن الحديث مدني، وإذا كان كذلك فإن أحفظ وأجل من روى عن ربيعة هو إمام أهل المدينة الإمام مالك رحمه الله، لهذا أر ى أن كل من خالف مالكًا في لفظ الحديث إن لم يكن حمله على الرواية بالمعنى فرواية مالك مقدمة عليه خاصة أن
(1)
سنن أبي داود (1707).
(2)
السنن الكبرى (5786).
(3)
السنن الكبرى للبيهقي (6/ 185).
(4)
ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وكذا البخاري في التاريخ الكبير، ولم يذكرا فيه شيئًا، وقال الدارقطني: يعتبر به، وذكره في الثقات ابن حبان.
(5)
صحيح مسلم (7 - 1722).
مالكًا لم يختلف عليه فيه في ألفاظه، وقد تابعه جماعة في تقديم معرفتها على تعريفها، وهو الأولى من جهة النظر، فإن الإنسان يتعرف عليها، ثم يعرفها، حتى إذا جاء من يدعيها، سأله عن مال يعرف صفته ليتبين صدقه من كذبه. هذا سبيل الترجيح.
° وأما سبيل الجمع فهناك طريقان:
الطريق الأول:
أن كلمة (ثم) قد تأتي أحيانًا في اللغة ولا يقصد بها الترتيب، قال تعالى:{ثُمَّ آتَينَا مُوسَى الكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحسَنَ وَتَفصِيلًا لِّكُلِّ شَي} [الأنعام: 154] فـ (ثم) في الآية لا يراد بها الترتيب الزماني، فإن زمن موسى متقدم على تلاوة الرسول محمد عليه السلام هذا الكتاب.
(1)
.
وجاء في الشعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده.
الطريق الثاني للجمع:
قال النووي: «عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها
…
هذا ربما أوهم أن معرفة الوكاء والعفاص تتأخر على تعريفها سنة، وباقي الروايات صريحة في
(1)
فتح الباري (5/ 81).
تقديم المعرفة على التعريف فيجاب عن هذه الرواية: أن هذه معرفة أخرى ويكون مأمورًا بمعرفتين، فيتعرفها أول ما يلتقطها حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها، ولئلا تختلط وتشتبه، فإذا عرفها سنة وأراد تملكها استحب له أن يتعرفها أيضا مرة أخرى تعرفًا وافيًا محققًا ليعلم قدرها وصفتها فيردها إلى صاحبها إذا جاء بعد تملكها وتلفها»
(1)
.
ونوقش هذا:
(2)
.
* * *
(1)
شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 23).
(2)
فتح الباري (5/ 81).