الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في إعارة الولي والوصي ونحوهما من مال الصغير
إذا كانت حقيقة العارية هي تبرعًا بالمنفعة، واشترط في المعير أن يكون أهلًا للتبرع، فهل يتمتع الأب والوصي بهذه الأهلية في مال الصغير فتصح منهما إعارة مال الصغير لأجنبي، أو يقال: إن تصرفهما مقيد بالمصلحة، ولا مصلحة بالتبرع؟
[م-2103] وللجواب على ذلك نقول: إن كانت العارية بعوض، فهي إجارة، وقد تكلمت في عقد الوصية عن حق الأب والوصي في تأجير مال الصغير، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
[م-2104] وإن كانت العارية بلا عوض، فهي تبرع بالمنفعة، وقد اختلف العلماء في حق الأب والوصي في التبرع بمال الصغير على قولين:
القول الأول:
لا يملك الأب ولا الوصي التبرع بإعارة مال الصغير للغير، وهو مذهب الجمهور وأحد القولين في مذهب الحنفية
(1)
.
(1)
البحر الرائق (7/ 24)، حاشية ابن عابدين (5/ 684)، المبسوط (12/ 78 - 79)، تحفة الفقهاء (3/ 169)، بدائع الصنائع (6/ 118)، حاشية ابن عابدين (5/ 696)، الذخيرة للقرافي (6/ 224)، روضة الطالبين (4/ 425)، أسنى المطالب (2/ 325)، كشاف القناع (3/ 447).
جاء في حاشية ابن عابدين: «ليس للأب إعارة مال طفله لعدم البدل وكذا القاضي والوصي»
(1)
.
وقال ابن نجيم: «واختلفوا في إعارة الأب مال ولده الصغير، وفي الصحيح لا»
(2)
.
وجاء في روضة الطالبين نقلًا عن صاحب العدة: «ليس للأب أن يعير ولده الصغير لمن يخدمه؛ لأن ذلك هبة لمنافعه، فأشبه إعارة ماله. وهذا الذي قاله ينبغي أن يحمل على خدمة تقابل أجرة، أما ما كان محقرًا بحيث لا يقابل بأجرة فالظاهر الذي يقتضيه أفعال السلف أنه لا منع منه إذا لم يضر بالصبي»
(3)
.
وفي نهاية المحتاج: «ولا تجوز مطلقًا إعارة الإمام أموال بيت المال كالولي في مال طفله»
(4)
.
وفي كشاف القناع: «ويعتبر أيضًا كون المعير أهلا للتبرع شرعًا؛ لأن الإعارة نوع من التبرع لأنها إباحة منفعة فلا يعير مكاتب، ولا ناظر وقف، ولا ولي يتيم من ماله»
(5)
.
القول الثاني:
اختار بعض المتأخرين من الحنفية أن للأب أن يعير مال ولده الصغير.
جاء في المحيط البرهاني: «ذكر شمس الأئمة الحلواني في أول شرح
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 684).
(2)
البحر الرائق (7/ 24).
(3)
روضة الطالبين (4/ 425).
(4)
حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 19).
(5)
كشاف القناع (4/ 63)، وانظر مطالب أولي النهى (3/ 724).
الوكالة: أن للأب أن يعير ولده الصغير، وذكر شمس الأئمة الحلواني، وهل له أن يعير مال ولده الصغير؟ بعض المتأخرين من مشايخنا قالوا: له ذلك، وعامة المشايخ على أنه ليس له ذلك»
(1)
.
ولعلهم قاسوا إعارة ماله على جواز إعارة الولد، وفيه نظر، وإنما جوز الحنفية إعارة الولد لما فيه من مصلحة الولد، كإعارة الولد للمعلم ليتعلم منه، وإعارة الولد للحرفي ليتعلم منه حرفة وصنعة، ويؤيده قصة أنس وخدمته للرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح.
قال ابن عابدين نقلًا من جامع الفصولين: «للأب أن يعير ولده الصغير ليخدم أستاذه لتعليم الحرفة وللأب أو الجد أو الوصي استعماله بلا عوض بطريق التهذيب والرياضة»
(2)
.
القول الثالث:
ذهب بعض الحنابلة إلى أن إعارة مال الصغير كإقراضه.
جاء في مطالب أولي النهى: «قالوا بجواز إعارة مال اليتيم إذا كان لمصلحته، أو لدفع مضرة عنه»
(3)
.
قال في الفروع: «يعتبر كون المعير أهلًا للتبرع شرعًا، وأهلية مستعير للتبرع له، ويتوجه في مال صغير كقرضه»
(4)
.
(1)
المحيط البرهاني (5/ 569).
(2)
حاشية ابن عابدين (6/ 440).
(3)
مطالب أولي النهى (2/ 90).
(4)
الفروع (4/ 469).
وقد تقدم لنا أن الحنابلة في إقراض مال الصغير ينظرون إلى الباعث على العقد، فإن كان الحامل على إقراض مال الصغير الإرفاق بالمقترض فهذا غير جائز، وإن كان الحامل عليه مصلحة الصغير جاز إقراضه.
والعارية مثله، فإن كان الباعث على إعارة مال الصغير الخوف على مال الصغير من الاعتداء، وأراد من إعارته وضعه في يد رجل أمين قادر على حفظه كانت إعارته إرفاقًا بالصغير، وليس بالمستعير، فتكون إعارته جائزة، وإلا فلا.
جاء في المغني: «فأما إقراض مال اليتيم فإذا لم يكن فيه حظ له لم يجز قرضه .... قال أحمد: لا يقرض مال اليتيم لأحد يريد مكافأته ومودته، ويقرض على النظر والشفقة كما صنع ابن عمر
…
وقيل لأحمد: إن عمر استقرض مال اليتيم؟
قال: إنما استقرض نظرًا لليتيم واحتياطًا إن أصابه بشيء غرمه.
قال القاضي: ومعنى الحظ أن يكون لليتيم مال في بلده، فيريد نقله إلى بلد آخر، فيقرضه من رجل في ذلك البلد ليقضيه بدله في بلده، يقصد بذلك حفظه من الغرر في نقله، أو يخاف عليه الهلاك من نهب، أو غرق، أو نحوهما، أو يكون مما يتلف بتطاول مدته، أو حديثه خير من قديمه، كالحنطة ونحوها، فيقرضه خوفًا من أن يسوس، أو تنقص قيمته، وأشباه هذا فيجوز القرض؛ لأنه مما لليتيم فيه حظ فجاز كالتجارة به.
وإن لم يكن فيه حظ وإنما قصد إرفاق المقترض، وقضاء حاجته فهذا غير جائز؛ لأنه تبرع بمال اليتيم، فلم يجز كهبته»
(1)
.
* * *
(1)
المغني (4/ 167).