الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
انتهاء العارية باستحقاق العين المعارة
[م-2133] إذا استحقت العين المستعارة، فظهر مالك للعين المعارة فقد انتهى عقد العارية؛ لأن المعير ظهر أنه لا يملك العين المعارة، وإذا كان لا يملكها لم يملك إباحة منافعها.
فإن تلفت العين المستعارة عند المستعير أو نقصت، فقد اختلف الفقهاء في الضمان على من يستقر؟ على قولين:
القول الأول:
إن ضمن المالك المستعير لم يكن له الرجوع بما ضمن على المعير، بخلاف عقود المعاوضات كالبيع والإجارة فله ذلك، وهذا مذهب الحنفية والمالكية
(1)
.
° وجه القول بعدم الرجوع:
الإعارة عقد تبرع، والمعير لم يضمن للمستعير سلامة العين المعارة، ولأن المستعير قد حصل على منفعة العين المعارة بغير عوض، فإذا استحقت لم يرجع على من تبرع له بذلك، كما لو ورثها فاستحقت، لم يرجع في مال الوارث بقيمتها، كذا هذا.
(1)
المبسوط (11/ 136)، مجمع الضمانات (ص: 58)، تبيين الحقائق (5/ 88)، المدونة (5/ 361).
جاء في مجمع الضمانات: «هلكت في يد المستعير، ثم استحقت، للمالك أن يضمن أيهما شاء، ولا يرجع أحدهما على صاحبه»
(1)
.
جاء في المدونة: «أرأيت إن استعرت من رجل ثوبا شهرين لألبسه، فلبسته شهرين فنقصه لبسي، فأتى رجل فاستحق الثوب، والذي أعارني الثوب عديم لا شيء له، أيكون للذي استحقه أن يضمنني ما نقص لبسي الثوب؟
قال: نعم في رأيي، مثل ما قال مالك في الاشتراء.
قلت: فإن ضمنني، أيكون لي أن أرجع بذلك على الذي أعارني في قول مالك؟
قال: لا أرى لك أن ترجع عليه بشيء؛ لأن الهبة معروف، ولأنه لم يأخذ لهبته ثوابا فيرجع عليه بالثواب»
(2)
.
القول الثاني:
الرجوع على المعير أو المستعير، وهو قول الشافعية والحنابلة على خلاف بينهم في الذي يكون عليه قرار الضمان.
فاختار الشافعية أنه إن ضمنه المستعير لم يرجع على من أعاره؛ لأن التلف أو النقص كان من فعله.
وإن ضمنه المعير فمن اعتبر العارية مضمونة قال: للمعير أن يرجع على المستعير؛ لأنه كان ضامنًا.
(1)
مجمع الضمانات (ص: 58).
(2)
المدونة (5/ 361).
ومن اعتبر العارية غير مضمونة لم يجعل له أن يرجع عليه بشيء، لأنه سلطه على الاستعمال.
وقال الحنابلة: إن ضمن المستعير رجع على المعير بما غرم، لأنه غره وغرمه، ما لم يكن المستعير عالما بالحال فيستقر عليه الضمان، لأنه دخل على بصيرة، وإن ضمن المالك المعير الأجرة لم يرجع بها على أحد إن لم يكن المستعير عالما، وإلا رجع عليه
(1)
.
جاء في الأم للشافعي: «وإذا استعار الرجل من الرجل ثوبا شهرا أو شهرين فلبسه فأخلقه ثم استحقه رجل آخر أخذه وقيمة ما نقصه اللبس من يوم أخذه منه، وهو بالخيار في أن يأخذ ذلك من المستعير اللابس أو من الآخذ لثوبه.
فإن أخذه من المستعير اللابس، وكان النقص كله في يده لم يرجع به على من أعاره من قبل أن النقص كان من فعله، ولم يغر من ماله بشيء فيرجع به، وإن ضمنه المعير غير اللابس فمن زعم أن العارية مضمونة، قال: للمعير أن يرجع به على المستعير؛ لأنه كان ضامنا، ومن زعم أن العارية غير مضمونة لم يجعل له أن يرجع عليه بشيء؛ لأنه سلطه على اللبس»
(2)
.
وقال ابن قدامة: «ومن استعار شيئًا، فانتفع به، ثم ظهر مستحق فلمالكه أجر مثله، يطالب به من شاء منهما، فإن ضمن المستعير، رجع على المعير بما غرم؛ لأنه غره بذلك وغرمه؛ لأنه دخل على أن لا أجر عليه. وإن رجع على المعير،
(1)
كشاف القناع (4/ 61).
(2)
الأم (3/ 257).
لم يرجع على أحد، فإن الضمان استقر عليه»
(1)
.
وهذا هو الأقرب، والله أعلم.
وبهذه المسألة أكون قد انتهيت بفضل من الله سبحانه وتعالى من عقود التبرع، والتي قد انتظمت في ثمانية عقود، ابتدأتها بعقد الوقف، ثم الوصية، ثم القرض، ثم الهبة، ثم الوديعة، ثم اللقطة، ثم اللقيط، وكان آخرها عقد العارية، فلله الحمد أولًا وآخرًا، {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ، {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} اللهم كما أنعمت علينا بفضلك، فارزقنا شكرها قولًا وعملًا برحمتك، وأسألك اللهم أن ترزقني إتمام هذه العمل طلبًا لمرضاتك، ومحبة لمعرفة شرعك وأحكامك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* * *
(1)
المغني (5/ 135).