الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في اشترط الضمان على المستعير
[م-2128] أما من يرى أن العارية مضمونة بمقتضى العقد كالشافعية والحنابلة فهذا الشرط يكون مؤكدًا لما يقتضيه العقد، فهو شرط صحيح؛ لأن الضمان مستقر في العارية اشترط أو لم يشترط.
وأما من يرى أن العارية ليست مضمونة، وأنها أمانة كالحنفية، ورواية عند الحنابلة فإن هذا الشرط فيه مجال للبحث، هل اشتراط الضمان يجعل العارية مضمونة بالشرط، أو لا؟
القول الأول:
لا يصح اشتراط الضمان على المستعير، وهذا هو مذهب الحنفية.
جاء في مجمع الضمانات: «العارية أمانة إن هلكت من غير تعد لم يضمن المستعير ...... واشتراط الضمان على المستعير باطل»
(1)
.
كما جاء تنقيح الفتاوى الحامدية جوابًا على سؤال رجل دفع حماره عارية، واشترط عليه ضمانه، فسرق الحمال، فهل لا ضمان عليه، ولو صدر الشرط؟
فقال: نعم قال في وديعة التنوير واشتراط الضمان على الأمين باطل به يفتى. اهـ. وفي العمادية قال أبو جعفر الشرط وغير الشرط سواء؛ لأن اشتراط الضمان
(1)
مجمع الضمانات (ص: 55).
على الأمين باطل وبه نأخذ. اهـ. وفي جامع الفتاوى ولا تضمن العارية وإن التزم الضمان عند الهلاك»
(1)
.
كما صاغ الحنفية قاعدة فقهية لبيان أن التزام الضمان لا يصح.
فقالوا: «اشتراط الضمان على الأمين باطل»
(2)
.
القول الثاني:
أن اشتراط الضمان في عقد العارية شرط صحيح، وهو قول في مذهب الحنفية
(3)
، واختاره بعض المالكية.
جاء في تبيين الحقائق: «العارية إذا اشترط فيها الضمان تضمن عندنا في رواية»
(4)
.
جاء في شرح ميارة، تحت عنوان: فصل في العارية والوديعة والأمناء نقلاً عن ابن الحاجب: «وإذا اشترط إسقاط الضمان فيما يضمن، أو إثباته فيما لا يضمن، ففي إفادته قولان»
(5)
.
وجاء في الإنصاف عند الكلام على ضمان العارية، قال: «وكل ما كان أمانة لا يصير مضمونًا بشرطه، هذا المذهب، وعليه الأصحاب
…
وعنه المسلمون
(1)
تنقيح الفتاوى الحامدية (2/ 80).
(2)
انظر المبسوط (11/ 157)، غمز عيون البصائر (3/ 133)، البحر الرائق (7/ 274)، مجمع الضمانات (ص: 33).
(3)
عمدة القارئ للعيني (13/ 183)، المبسوط (11/ 136)، مجمع الضمانات (ص: 55).
(4)
تبيين الحقائق (5/ 85).
(5)
شرح ميارة (2/ 186).
على شروطهم كما تقدم»
(1)
.
وقد ذكرنا أدلة هذه المسألة في عقد الوديعة عند الكلام على اشتراط الضمان على المستودع، وانتهيت إلى أن الأمانات قسمان:
ما كان من عقود المعاوضات كضمان رأس مال المضاربة، وضمان العين المستأجرة، فهذه المسائل سبق تحرير الخلاف فيها، ولا أرى صحة اشتراط الضمان فيها بحال، وذلك أن التزام الضمان فيها يجعل الضمان جزءاً من المعاملة: ففي ضمان رأس مال المضاربة يوقع الضمان في الربا، حيث يتحول رأس المال إلى ما يشبه القرض، ويتحول الربح إن وجد إلى فائدة للقرض.
وفي ضمان العين المستأجرة يوقع المستأجر في الغرر، حيث إن الضمان جزء من الإجارة، ولا يعلم مقدار ما سوف يغرم بسبب التلف، وجهالة الأجرة مفسدة للعقد. وراجع بحث المسألتين في عقد المضاربة، وعقد الإجارة فقد استوفيت ذكر الأدلة مما يغني ذلك عن إعادته هنا.
القسم الثاني: ما كانت الأمانات من عقود التبرع، كالوديعة والعارية فهذا يصح اشتراط الضمان على الأمين؛ حيث لا يوقع اشتراطه لا في ربا، ولا في غرر، وعلى فرض أنه أوقع في غرر، فإن الغرر في عقود التبرع مغتفر، وقد تبرع به المستعير فلا حرج في اشتراطه.
ولم يثبت دليل من الكتاب أو من السنة على تحريم اشتراط الضمان في رد العارية، وإذا لم يثبت فإن التزام مثل هذا الشرط لا يكون حرامًا؛ لأن الأصل في الشروط الصحة والجواز.
(1)
الإنصاف (6/ 113).
وقد دل على صحة اشتراط الضمان في عقود الأمانات إذا كانت قائمة على التبرع حديث استعارة رسول الله عليه السلام من صفوان بن أمية، فقال له: أغصبًا يا محمد، فقال: بل عارية مضمونة، وقد سبق تخريجه، على القول بأنه دليل على اشتراط الضمان، وقد سبقت مناقشته في المسألة السابقة، والله أعلم.
* * *