الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في وجوب التعريف على الملتقط
تعريف اللقطة حق لصاحبها سواء أخذها للتملك أو للحفظ.
[م-1992] تكلمنا في خلاف العلماء في تعريف اللقطة اليسيرة والكبيرة، كما تكلمنا في حكم تعريف ضالة الإبل وما يمتنع من صغار السباع، وحكم تعريف ضالة الغنم وما لا يمتنع من صغار السباع، والسؤال، هل هذا التعريف واجب مطلقًا، أو يجب في حال أراد تملكها؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول:
يجب تعريفها سواء أراد قصد تملكها أو حفظها لصاحبها، وهذا مذهب الجمهور، وأحد الوجهين في مذهب الشافعية، وصححه الغزالي، وقواه النووي في الروضة
(1)
.
قال ابن جزي: «الثالث الكثير الذي له بال فيجب تعريفه
…
»
(2)
.
(1)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 705)، الشرح الكبير (4/ 120)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/ 170)، منح الجليل (8/ 231)، بداية المجتهد (2/ 231)، القوانين الفقهية (ص: 224)، أسنى المطالب (2/ 491)، نهاية المطلب (8/ 449).
واستثنى المالكية ضالة الغنم إذا وجدها في الصحراء، ولم يتيسر حملها، ولا سوقها للعمران، فله أكلها، ولا يعرفها، وقد سبق بحث هذه المسألة، انظر حاشية الدسوقي (4/ 122)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/شرح الخرشي (7/ 127)، المقدمات الممهدات (2/ 480)، منح الجليل (8/ 240) ..
(2)
القوانين الفقهية (ص: 224).
(1)
.
° حجة من قال يجب تعريفها:
الدليل الأول:
(ح-1217) ما رواه البخاري من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث،
عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلا سأل رسول الله عليه السلام عن اللقطة، فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه
(2)
.
الدليل الثاني:
(ح-1218) روى مسلم من طريق عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن أبي سالم الجيشاني،
عن زيد بن خالد الجهني، عن رسول الله عليه السلام أنه قال: من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها
(3)
.
[هذا الحديث بهذا اللفظ من أفراد مسلم، وحديث زيد بن خالد في الصحيحين بغير هذا اللفظ، وأبو سالم الجيشاني لم يوثقه إلا ابن حبان
(1)
أسنى المطالب (2/ 491).
(2)
صحيح البخاري (6112)، وهو في مسلم (1722).
(3)
صحيح مسلم (1725).
والعجلي، وقيل له صحبة]
(1)
.
الدليل الثالث:
ورد في السنة ما يدل على تحريم أخذ اللقطة بنية التملك، من ذلك:
(ح-1219) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا حميد يعني الطويل، حدثنا الحسن، عن مطرف،
عن أبيه، أن رجلا قال: يا رسول الله، هوام الإبل نصيبها؟ قال: ضالة المسلم حرق النار
(2)
.
[اختلف في إرساله ووصله، والراجح وصله، ورجاله ثقات]
(3)
.
ويناقش:
بأن الحديث في هوام الإبل، وقد ورد النهي عن أخذ ضالة الإبل لكونها تمتنع بنفسها عن السباع، وترد الماء.
الدليل الرابع:
الإجماع على وجوب تعريف اللقطة،
(4)
.
(1)
قال أبو نعيم في الحلية، لم يروه بهذا اللفظ إلا عمرو بن الحارث عن أبي سالم. اهـ وفيه إشارة إلى علة التفرد
(2)
مسند أحمد (4/ 25).
(3)
سبق تخريجه، انظر (ح 1195).
(4)
شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 22).
الدليل الخامس:
أن الملتقط إنما يأخذها حفظًا على صاحبها، ألا ترى أن ما استقل من الضوال لا يجوز أخذه؛ لأن الحفظ في تركه، والحفظ إنما يحصل بالتعريف فيهدى إليها، ويعرف مكانها فيطلبها، وإذا لم يعرف لم يحصل له ذلك المعنى.
القول الثاني:
إن أراد أن يتملكها وجب عليه تعريفها قولًا واحدًا، وإن أراد أن يحفظها لصاحبها، فهل يجب عليه تعريفها، فيه وجهان في مذهب الشافعية، المشهور أنه لا يجب عليه تعريفها
(1)
.
(2)
.
وقال العمراني في البيان: «إذا أخذ اللقطة بنية أن يحفظها على صاحبها أبدا، فهل يلزمه تعريفها؟ فيه وجهان، حكاهما الطبري:
(1)
المهذب (1/ 430)، نهاية المطلب (8/ 449)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (7/ 525)، روضة الطالبين (5/ 406)، أسنى المطالب (2/ 491)، الوسيط (4/ 296).
واستثنى الشافعية ضالة الإبل إذا وجدها في الصحراء فلا يجوز التقاطها للتملك عند الشافعية، ويجوز التقاطها للحفظ في الأصح عندهم، وإذا كان لا سبيل إلى تملكها، لم يجب تعريفها على المشهور؛ لأن التعريف للتملك.
(2)
المهذب (1/ 430).
أحدهما: لا يلزمه، وهو المشهور؛ لأن التعريف يراد للتملك وإباحة أكلها، ولا نية له في ذلك.
والثاني: يلزمه التعريف؛ لقوله عليه السلام: عرفها سنة.
ولأن صاحبها لا يعلم بها إلا بالتعريف. وإن أراد أن يتملكها عرفها»
(1)
.
° الراجح:
الخلاف يرجع في التعريف هل شرع من أجل إيصال المال إلى صاحبه، أو شرع من أجل أنه طريق للتملك، أو من أجلهما معًا، والذي أميل إليه هو الثالث، وهو أن التعريف شرع لأمرين لإيصال المال إلى صاحبه عن طريق التعريف، ومن أجل التملك إذا لم يعرف صاحبها، لهذا أرى أنه يجب عليه تعريفها مطلقًا سواء أراد تملكها أو حفظها لصاحبها، فإذا لم يعرفها لم يتملكها، والله أعلم.
* * *
(1)
البيان للعمراني (7/ 525).