الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع
في استرداد اللقطة
الفصل الأول
في اشتراط البينة لاسترداد اللقطة
[م-2028] إذا جاء طالب اللقطة، فأعطى علامة العفاص والوكاء فهل تدفع إليه بذلك، أو لابد من البينة؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول:
يستحق اللقطة بوصفها وليس عليه أن يقيم البينة، ويجبر الملتقط على دفعها إليه، وهذا مذهب المالكية، والحنابلة
(1)
.
واختلف المالكية هل تدفع إليه باليمين؟ فقال ابن القاسم: لا يحلف، وقال أشهب: وسحنون: يحلف.
(1)
المنتقى للباجي (6/ 136)، شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 96)، شرح البخاري لابن بطال (6/ 546)، الاستذكار (7/ 250)، المقدمات الممهدات (2/ 481 - 482)، حاشية الدسوقي (4/ 119)، التاج والإكليل (6/ 70)، شرح الخرشي (7/ 121)، منح الجليل (8/ 228)، الذخيرة (9/ 117)، المغني (6/ 12)، شرح منتهى الإرادات (2/ 384)، كشاف القناع (4/ 220)، مطالب أولي النهى (4/ 234)، الإنصاف (6/ 418)، الكافي لابن قدامة (2/ 354).
قال القرافي: «إذا وصف عفاصها ووكاءها وعدتها أخذها وجوبا السلطان على ذلك»
(1)
.
وقال ابن جزي: «وإن عرف عفاصها ووكاءها وعددها دفعت إليه وليس عليه أن يقيم البينة عليها»
(2)
.
قال ابن رشد: «هذا قول مالك رحمه الله، وجميع أصحابنا، لا اختلاف بينهم فيه»
(3)
.
وقال ابن قدامة: «فإن جاء ربها فوصفها له، دفعت إليه بلا بينة، يعني إذا وصفها بصفاتها المذكورة، دفعها إليه، سواء غلب على ظنه صدقه أو لم يغلب، وبهذا قال مالك
…
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجبر على ذلك إلا ببينة»
(4)
.
وجاء في الإنصاف: «فمتى جاء طالبها، فوصفها، لزمه دفعها إليه، يعني: من غير بينة ولا يمين بلا نزاع، وسواء غلب على ظنه صدقه، أو لا على الصحيح من المذهب نص عليه»
(5)
.
القول الثاني:
إن وقع في نفسه صدقه جاز أن يدفعها إليه بالصفة، ولا يجبر على ذلك قضاء
(1)
الذخيرة (9/ 117).
(2)
القوانين الفقهية (ص: 225).
(3)
المقدمات الممهدات (2/ 482).
(4)
المغني (6/ 12).
(5)
الإنصاف (6/ 418).
إلا ببينة، وهذا مذهب الحنفية والشافعية
(1)
.
قال الحنفية: إذا دفعها بالعلامة أخذ منه كفيلًا استيثاقًا
(2)
.
(3)
.
وفي الاختيار لتعليل المختار: «ومن ادعى اللقطة يحتاج إلى البينة; لأنها دعوى، فإن أعطى علامتها جاز له أن يدفعها إليه، ولا يجبر؛ لجواز أنه عرفها من صاحبها أو رآها عنده»
(4)
.
وفي الدر المختار: «وله أخذ كفيل إلا مع البينة في الأصح»
(5)
.
وقال الإمام الشافعي في الأم: «إذا عرف رجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أن يعطيه، ولا أجبره في الحكم إلا ببينة تقوم عليها كما تقوم على الحقوق»
(6)
.
(1)
عمدة القارئ للعيني (2/ 110)، العناية شرح الهداية (6/ 129)، فتح القدير لابن الهمام (6/ 129)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 419)، تبيين الحقائق (3/ 306)، شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 25)، فتح الباري (5/ 79)، الأم (4/ 66)، الحاوي الكبير (8/ 23)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (7/ 536)، روضة الطالبين (5/ 413)، مغني المحتاج (2/ 416)، نهاية المحتاج (5/ 444).
(2)
البناية شرح الهداية (7/ 340)، البحر الرائق (5/ 169 - 170)،.
(3)
الهداية شرح البداية (2/ 419).
(4)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 35).
(5)
الدر المختار ومعه حاشية ابن عابدين (4/ 282).
(6)
الأم للشافعي (4/ 66).
القول الثالث:
ذهب بعض متأخري الشافعية إلى قول ثالث، حيث قالوا: يجب الدفع لمن أصاب الوصف إذا كان ذلك قبل التملك؛ لأنه حينئذ مال ضائع لم يتعلق به حق ثان، بخلاف ما بعد التملك فإنه حينئذ يحتاج المدعي إلى البينة لعموم قوله عليه السلام البينة على المدعي
(1)
.
وكأن هذا القول حاول أن يجمع بين حديث اللقطة، وحديث البينة على المدعي.
° دليل من قال: إذا وصفها دفعت إليه:
الدليل الأول:
من القرآن الكريم، قال ابن رشد: «ومما يعتبر به في دفع اللقطة إلى صاحبها بالصفة قول الله عز وجل: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
(2)
. [يوسف: 26، 27].
وجه الاستدلال:
حيث جعل صفة الخرق في القميص دليلًا على الإدانة والبراءة، ولم يتوقف ذلك على البينة، فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم.
(1)
انظر فتح الباري (5/ 79).
(2)
المقدمات الممهدات (2/ 483).
الدليل الثاني:
(ح-1239) ما رواه البخاري في قصة المتلاعنين، وفيه: قال رسول الله عليه السلام: انظروا فإن جاءت به أسحم، أدعج العينين، عظيم الأليتين، خدلج الساقين، فلا أحسب عويمرًا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة، فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عليها، فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله عليه السلام من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلى أمه
(1)
.
(ح-1240) وفي البخاري أيضًا في قصة تلاعن هلال بن أمية في قذفه لامرأته، قال النبي عليه السلام: أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي عليه السلام: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن
(2)
.
فهذا دليل على العمل بالأمارات، ومنها الأخذ بالعلامة والوصف.
الدليل الثالث:
(ح-1241) ما رواه مسلم من طريق حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة الرأي، عن يزيد مولى المنبعث،
عن زيد بن خالد الجهني مرفوعًا: وفيه: فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها، وعددها ووكاءها، فأعطها إياه وإلا فهي لك
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (4745)، وهو في مسلم بنحوه (1492).
(2)
صحيح البخاري (4747).
(3)
مسلم (6 - 1722).
وأجيب عن الحديث بجوابين:
الجواب الأول:
قال النووي في شرح مسلم: «المراد أنه إذا صدقه جاز له الدفع إليه ولا يجب، فالأمر بدفعها بمجرد تصديقه ليس للوجوب والله أعلم»
(1)
.
ويجاب:
بأن الحديث فيه الأمر بدفعها إليه بمجرد وصفها، والأصل في الأمر الوجوب.
الجواب الثاني:
أن حماد بن سلمة قد تفرد بزيادة: (فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه، وإلا فهي لك).
وهذا ما ذهب إليه أبو داود في سننه، قال: «وهذه الزيادة التي زادها حماد بن سلمة ...... (إن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها فادفعها إليه) ليست بمحفوظة فعرف عفاصها ووكاءها
…
»
(2)
.
قلت: قد تابعه سفيان الثوري عن ربيعة، إلا أن سفيان قد اختلف عليه فيه
(3)
.
(1)
شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 25).
(2)
سنن أبي داود (1708).
(3)
فقد رواه البخاري (2438) عن محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن ربيعة به، بلفظ:(فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها ووكائها، وإلا فاستنفق بها).
وخالف عبد الرحمن بن مهدي، حيث رواه عن سفيان، كما في صحيح البخاري (2430)، بلفظ:(فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها).
وقد رواه جمع عن ربيعة الرأي: منه مالك، وإسماعيل بن جعفر، وسليمان بن بلال، وعمرو بن الحارث، وأيوب بن موسى ولم يقل أحد منهم ما ذكره حماد:(فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها فأعطها إياه)
(1)
،
إلا ما قاله سفيان على اختلاف عليه في لفظه، فأعتقد أن من قال: فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها إنما رواه بالمعنى؛ إذ يبعد أن يكون الجميع لفظًا
(1)
فقد رواه البخاري (2372، 2429) ومسلم (1 - 1722) من طريق مالك، عن ربيعة به، بلفظ:(فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)، وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما.
ورواه البخاري (2436) ومسلم (2 - 1722) من طريق إسماعيل بن جعفر، بلفظ:(فإن جاء ربها فأدها إليه)، وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما.
ورواه البخاري (91)، من طريق سليمان بن بلال، بلفظ:(فإن جاء ربها فأدها إليه)، وأكتفي بالبخاري عن غيره.
ورواه ابن حبان (4890) من طريق عمرو بن الحارث، عن ربيعة به، بلفظ:(فإن لم يأت لها طالب فاستنفقها).
ورواه أيوب بن موسى، كما في معجم الطبراني في الأوسط (8685)، وفي الكبير (5252) بلفظ:(فإن أتى باغيها فردها إليه، وإلا فاستنفقها).
ورواه عبد الله بن يزيد كما في مشيخة ابن طهمان (4)، وسنن أبي داود (1707)، والسنن الكبرى للنسائي (5786)، وسنن البيهقي (6/ 185)، فرواه عن أبيه يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني بلفظ:(فإن جاء صاحبها دفعتها إليه).
وعبد الله بن يزيد يعتبر به، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وكذا البخاري في التاريخ الكبير، ولم يذكرا فيه شيئًا، وقال الدارقطني: يعتبر به، وذكره في الثقات ابن حبان ..
كما رواه بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني عند مسلم (7 - 1722)، بلفظ: «فإن جاء صاحبها فأدها إليه .. ).
كل هؤلاء خالفوا حماد بن سلمة فيما قال، والله أعلم.
محفوظًا في الحديث، والقصة واحدة ثم يتفق هذا العدد الكثير على عدم ذكر ما ذكره حماد إلا ما اختلف فيه على سفيان، والله أعلم.
هذا بالنسبة للاختلاف على رواية ربيعة عن يزيد مولى المنبعث، أما رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، عن يزيد مولى المنبعث.
فرواه حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد كما سبق بذكر (فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها).
وخالفه سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، رواه البخاري ومسلم
(1)
، بلفظ:(فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه) هذا لفظ مسلم.
وكما أن حماد بن سلمة، وكذا رواية سفيان الثوري من رواية محمد بن يوسف عنه جاء فيه من حديث زيد بن خالد الجهني:(فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءه) جاء ذلك أيضًا من رواية حماد بن سلمة والثوري وزيد بن أبي أنيسة من مسند أبي بن كعب، فإن كان محفوظًا فذاك، وإلا حمل على أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون هذا من رواية الحديث بالمعنى.
الثاني: أن يكون دخل لفظ حديث زيد بن خالد على لفظ حديث أبي بن كعب، وإن كان هذا الاحتمال لا يقال إلا بقرينة، وقرينة ذلك أن يقال: إن من تفرد بذكر ذلك من حديث زيد بن خالد هو من تفرد بذكر هذا من حديث أبي بن كعب إلا ما كان من زيد بن أبي أنيسة فهو لم يرو حديث زيد بن خالد
(2)
.
(1)
صحيح البخاري (2428)، وصحيح مسلم (5 - 1722).
(2)
رواه مسلم (10 - 1723) من طريق حماد بن سلمة، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن أبي بن كعب، وفيه:
(فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأما الثوري فرواه عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن أبي بن كعب، واختلف عليه في لفظه:
فرواه وكيع والفريابي وعبد الله بن محمد الغزي ثلاثتهم عن سفيان، ولم يذكروا فإن جاء صاحبها فعرف عدتها.
رواه وكيع عن سفيان كما في مسند أحمد (5/ 126) وصحيح مسلم (10 - 1723)، وابن أبي شيبة (22059)، وسنن ابن ماجه (2506)، ومسند الشاشي (1466)، بلفظ:(فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك).
ورواه أبو عوانة في مستخرجه (6426) من طريق الفريابي،
وابن الجارود في المنتقى (668) عن عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي، كلاهما عن سفيان به، بلفظ:(فإن جاء صاحبها فادفعها إليه، وإلا فاستمتع بها).
وخالف في ذلك عبد الله بن نمير وعبد الرزاق:
فقد رواه أحمد (5/ 126)، ومسلم (10 - 1723)، والترمذي (1374) والنسائي في الكبرى (5794)، وابن حبان في صحيحه (4892)، من طريق عبد الله بن نمير، عن سفيان به، بلفظ:(فإن جاء طالبها فأخبرك بعدتها، ووعائها، ووكائها فادفعها إليه، وإلا فاستمتع بها).
وكذا رواه عبد الرزاق عن سفيان في المصنف (18615)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 192).
ورواه يزيد بن هارون، عن سفيان الثوري، واختلف على يزيد:
فرواه عبد بن حميد كما في المنتخب (162).
والترمذي (1374) عن الحسن بن علي الخلال.
وأبو عوانة في مستخرجه (6428) عن الدقيقي، كلهم، عن يزيد بن هاورن، عن سفيان به، بلفظ:(فإن جاء طالبها فأخبرك بعدتها، ووكائها، ووعائها فادفعها إليه).
ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (4699) وفي شرح معاني الآثار (4/ 137)، عن علي بن شيبة، والشاشي في مسنده (1461) عن عيسى بن أحمد، كلاهما عن يزيد بن هارون به، بلفظ:(فإن وجدت من يعرفها، فادفعها إليه، وإلا فاستنفع بها). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه شعبة، عن سلمة بن كهيل، واختلف فيه على شعبة:
فرواه أبو داود الطيالسي في مسنده (552)،ومن طريقه رواه أبو عوانة في مستخرجه (6421)، والطحاوي في مشكل الآثار (4698)، وفي شرح معاني الآثار (4/ 137)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 193).
ورواه البخاري (2426) عن آدم،
ورواه البخاري في صحيحه (2437)، البيهقي في السنن الكبرى (6/ 186) من طريق سليمان بن حرب.
ورواه أبو داود في سننه (1701) حدثنا محمد بن كثير.
ورواه الشاشي في مسنده (1464) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 193) من طريق أبي النضر.
ورواه الشاشي في مسنده (1467) من طريق عمرو بن مرزوق.
ورواه أبو عوانة في مستخرجه (6419) من طريق بشر بن عمر،
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 186) من طريق آدم بن أبي إياس.
ورواه عبد الله بن أحمد أيضًا (5/ 126) وابن حبان (4891)، من طريق يحيى بن سعيد القطان، كلهم (أبو داود الطيالسي، وآدم، ومحمد بن كثير، وأبو النضر وعمرو بن مرزوق، وبشر بن عمر، وسليمان بن حرب، وآدم بن أبي إياس ويحيى القطان) تسعتهم رووه عن شعبة، بلفظ:(فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها).
ولفظ القطان: فإن وجدت من يعرفها وإلا فاستمتع بها.
ورواه محمد بن جعفر (غندر) عن شعبة، واختلف فيه على محمد بن جعفر:
فرواه البخاري (2426) ومسلم (1726) عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، بلفظ:(فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها).
ورواه أحمد (5/ 126) عن محمد بن جعفر، به، بلفظ:(فإن وجدت من يعرفها، وإلا فاستمتع بها).
ورواه أحمد (5/ 127)، ومسلم (10 - 1723)، وأبو عوانة في مستخرجه (6422، 6423)، والنسائي في الكبرى (5790)، والبيهقي (6/ 193) من طريق الأعمش، عن سلمة بن كهيل به، بلفظ:(فإن جاء صاحبها. قال جرير: فلم أحفظ ما بعد هذا، يعني: تمام الحديث).
ومن أجل هذا الاختلاف في لفظ الحديث اختلف الفقهاء في الغاية من الأمر النبوي الكريم من قوله عليه السلام: (اعرف عفاصها ووكاءها):
فقيل: فائدة ذكر عفاصها ووكائها حتى إذا جاء من يذكر صفتها دفعت إليه بلا بينة، وهذا مذهب المالكية والحنابلة.
وأما من قال: إن اللقطة لا يجب دفعها إلا بالبينة، فقال: إن الفائدة من حفظ عفاصها ووكائها أمور منها:
الأول: من أجل أن تتميز عن ماله فلا تختلط به.
الثاني: أن العادة جارية بإلقاء الوكاء والوعاء إذا استنفقها، فأمره بمعرفتها وحفظها حتى إذا ما جاء صاحبها بعد استنفاقها أمكنه أن يدفع إليه بدلها.
الثالث: أمره بحفظ وعائها ووكائها حتى تكون الدعوى فيها معلومة؛ لأن الدعوى المبهمة لا تقبل.
الدليل الثاني:
لا يقدر كل أحد أن يقيم بينة على كل ما يملك من مال، فلو كانت اللقطة لا ترد إلا على من يملك بينة على ملكه لها فإن هذا يعني أن يذهب أكثر الأموال الضائعة على أصحابها، فلا تكاد تجد أحدًا يستطيع أن يقدم ببينة على ملكه لآحاد ماله، فإذا وصف ماله وصفًا مطابقًا، ولم يوجد ما يعارض ذلك كان ذلك قرينة على صدقه، فجاز دفعه إليه.
قال ابن بطال: «لو لم يجب عليه دفعها إلى من يأتي بصفتها لم يكن لمعرفة
صفتها معنى، ولو كلف البينة لتعذر عليه، لأنه لا يعلم متى تسقط فيشهد عليها من أجل ذلك»
(1)
.
° دليل من قال: لا يجبر على دفع اللقطة إلا ببينة:
(ح-1242) ما رواه مسلم من طريق أبي الأحوص، عن سماك، عن علقمة بن وائل.
عن أبيه، في قصة الحضرمي والكندي اللذين اختلفا في الأرض، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة، قال: لا. قال: فلك يمينه
…
الحديث
(2)
.
(ح-1243) ولما روى البخاري ومسلم من طريق ابن أبي مليكة،
عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه
(3)
.
فهذا الرجل يدعي ملك اللقطة، فهو مدع، والدعوى لا تثبت إلا ببينة.
ويجاب عن هذين الحديثين بأجوبة، منها:
الجواب الأول:
أن يقال: إن حديث البينة على المدعي هذا حديث عام في اللقطة وغيرها، وحديث: إذا جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها فأعطها إياه) حديث خاص، والحديث الخاص مقدم على الحديث العام، فيكون حديث البينة على المدعي خص منه مدعي اللقطة، والله أعلم.
(1)
شرح البخاري لابن بطال (6/ 546).
(2)
صحيح مسلم (139).
(3)
صحيح البخاري (4552)، ومسلم (1711)، وفي رواية البخاري قصة.
الجواب الثاني:
أن البينة تطلب في مسألة يكون فيها مدع ومنكر، واللقطة فيها مدع، وليس فيها منكر، ولهذا لو أخذنا بظاهر الحديث لقلنا: لا يجوز دفعها بالصفة مطلقًا حتى ولو غلب على ظنه صدقه، وقد أجاز الحنفية والشافعية جواز الدفع إليه بالوصف إلا أنهم لم يوجبوه، فلما جوزوا الدفع بلا بينة فقد خالفوا حديث البينة على المدعي.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: «اللقطة إذا جاء من وصفها، فإنها تدفع إليه بغير بينة بالاتفاق، لكن منهم من يقول: يجوز الدفع إذا غلب على الظن صدقه، ولا يجب، كقول الشافعي وأبي حنيفة، ومنهم من يقول: يجب دفعها بذكر الوصف المطابق، كقول مالك وأحمد»
(1)
.
الجواب الثالث:
أن البينة في الشرع: هو ما أبان الحق وأظهره، ووصفها هو بينتها، وهذه قاعدة عامة في كل الأحوال التي يدعيها أحد، ولا يكون له فيها منازع، فيكتفى بوصفه إياها، كالأموال المنهوبة والمغصوبة، والمسروقة إذا وجدت مع اللصوص وقطاع الطريق ونحوهم، فيكتفى فيها بالصفة
(2)
.
° الراجح:
أن اللقطة تدفع لمن وصفها وصفًا مطابقًا إذا ذكر أكثر صفاتها، ولا ضمان على دافعها ولو ظهر لها مالك آخر بعد دفعه لها، والله أعلم.
* * *
(1)
جامع العلوم والحكم ـ تحقيق شعيب الأنوؤط (2/ 241).
(2)
انظر القواعد لابن رجب (ص: 257).