الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
في نماء الضالة
النماء تبع للضمان.
اللقطة قبل التملك غير مضمونة فكان نماؤه لمالكها، وبعده مضمونة على الملتقط فكان نماؤها له.
[م-2008] إذا كانت اللقطة أو الضالة لها نماء، وهذا النماء قد يكون متصلًا كالسمن، والتعليم، وقد يكون منفصلًا كالثمرة والولد، فمن يستحق هذا النماء، هل يستحقه الواجد؟ أو هو تبع للملك؟
هذا السؤال لا يوجه لمذهب الحنفية؛ لأن اللقطة ونماءها لا يملكهما الملتقط بالتعريف، وإنما يتوجه لمذهب الجمهور القائل بأن اللقطة تملك بالتعريف، إذا علم ذلك نأتي لبحث المسألة:
القول الأول:
ذهب المالكية إلى أن الغلة تنقسم إلى أقسام:
أحدها: الغلة التي جاءت عن طريق كراء الدابة ونحوها فله أن يكريها كراء مأمونًا
(1)
، لا يخشى عليه منه؛ لأجل علفها والنفقة عليها، وإنما جاز له الكراء
(1)
تعبير خليل في مختصره: (كراء مضمونًا) بدلًا عن (مأمونًا) والكراء المضمون، هو الكراء الواقع في الذمة، وليس على عين معينة، واللقطة هي من كراء المعين، لهذا كان مقصودهم بقولهم:(مضمونًا) أي مأمونًا لا يخشى منه على الدابة، انظر حاشية العدوي على الخرشي (7/ 127)، الذخيرة (9/ 111).
مع أن ربها لم يوكله فيه؛ لأن البقر ونحوها لا بد لها من النفقة عليها فكان ذلك أصلح لربها، وما زاد من كرائها على علفها فهو لربها.
الثاني: اللبن والزبد والجبن والسمن، فلهم فيها قولان:
أحدهما: أنه للملتقط وإن زاد على قيامه عليها وعلى علفها.
القول الثاني: اختار ابن رشد وغيره أن له من الغلة بقدر علفها وقيامه عليها.
الثالث: الصوف والوبر والنسل فله حكم اللقطة: أي أنه لصاحبها
(1)
.
جاء في الفواكه الدواني: «وله كراء بقر ونحوها في علفها كراء مضمونًا أي مأمونًا .... وللملتقط غلاتها من لبن وجبن، لا صوفها ولا نسلها ولا كراؤها الزائد على علفها فإنه لصاحبها»
(2)
.
جاء في الشرح الصغير: «وله غلتها من لبن وسمن وإن زاد على علفها، لا: أي ليس له نسلها، وصوفها وشعرها»
(3)
.
وعلق الصاوي في حاشيته، فقال: «قوله: (وإن زاد على علفها): أي وهو الموافق لرواية ابن نافع خلافا لظاهر نقل ابن رشد وسماع القرينين من أن له من
(1)
الشرح الكبير (4/ 123)، وانظر معه حاشية الدسوقي، منح الجليل (8/ 242)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 177)، شرح الخرشي (7/ 127، 128)، الذخيرة (9/ 99، 111)، عقد الجواهر الثمينة لابن شاس (3/ 991 - 992)، التاج والإكليل (6/ 78)، البيان والتحصيل (15/ 366).
(2)
الفواكه الدواني (2/ 173).
(3)
الشرح الصغير (4/ 178).
الغلة بقدر علفه والزائد عليه لقطة معها. قال في الحاشية وفي كلام الأجهوري ميل لترجيح ما نقله ابن رشد»
(1)
.
القول الثاني:
ذهب الشافعية والمشهور من مذهب الحنابلة إلى أن النماء المتصل كالسمن فهذا لمالكها إذا استردها؛ لأنه لا يمكن انفصالها عنه؛ ولأنه يتبع في العقود والفسوخ بلا يمين ولا بينة.
ولعموم لقوله عليه السلام فإن جاء صاحبها فأدها إليه.
وأما النماء المنفصل فإن حدث قبل التملك، كما لو حدث أثناء التعريف فهي للمالك، ولأن يد الملتقط قبل التملك يد أمانة، فلو هلكت بلا تعد ولا تفريط لم يضمن، فلا يملك شيئًا من العين ولا من نمائها.
وإن كان النماء حدث بعد التعريف والتملك فهو للملتقط لا للمالك؛ لأنه نماء حصل في ملكه فيكون له، ولأن العين بعد التملك مضمونة على الملتقط مطلقًا حتى لو هلكت بلا تعد ولا تفريط، وإذا كانت مضمونة عليه فإن الخراج بالضمان
(2)
.
قال النووي: «قال أصحابنا: إذا عرفها فجاء صاحبها في أثناء مدة التعريف أو بعد انقضائها وقبل أن يتملكها الملتقط فأثبت أنه صاحبها أخذها بزيادتها
(1)
حاشية الصاوي (4/ 177).
(2)
فتح الباري (5/ 85)، شرح النووي (12/ 22)، روضة الطالبين (5/ 414)، أسنى المطالب (2/ 495)، المهذب (1/ 430)، البيان للعمراني (7/ 532)، تحفة المحتاج (6/ 338)، مطالب أولي النهى (4/ 234)، كشاف القناع (4/ 220)، شرح منتهى الإرادات (2/ 384)، المبدع (5/ 286)، المغني (6/ 15).
المتصلة والمنفصلة، فالمتصلة كالسمن في الحيوان وتعليم صنعة ونحو ذلك، والمنفصلة كالولد واللبن والصوف واكتساب العبد ونحو ذلك ..... وإن جاء صاحبها بعد تملكها أخذها بزيادتها المتصلة دون المنفصلة»
(1)
.
وقال ابن قدامة: «وإن جاء صاحبها، أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة؛ لأنها ملكه، وإن جاء بعد تملكها أخذها؛ لقول النبي عليه السلام: «فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه» ويأخذها بزيادتها المتصلة؛ لأنها تتبع في الفسوخ، وزيادتها المنفصلة بعد تملكها لملتقطها؛ لأنها حدثت على ملكه، فأشبه نماء المبيع في يد المشتري»
(2)
.
القول الثالث:
أن النماء للمالك مطلقًا، من غير فرق بين كونه حدث قبل التملك أو بعده، وهذا قول في مذهب الحنابلة
(3)
.
° وجه هذا القول:
أن التملك كان مستندًا إلى أن هذا المال لا مالك له، وقد تبين خطؤه بظهور صاحبها؛ لهذا نزعت منه، فكانت العين ونماؤها لصاحبها، وليس للواجد منها شيء.
جاء في القواعد لابن رجب: «اللقطة إذا جاء مالكها وقد نمت نماء منفصلا فهل يسترده معها؟
(1)
شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 22).
(2)
الكافي (2/ 356).
(3)
القواعد لابن رجب (ص: 191).
على وجهين خرجهما القاضي وابن عقيل من المفلس، وفرق بينهما صاحب المغني.
ويحتمل الرجوع هنا بالزيادة المنفصلة وجهًا واحدًا؛ لأن تملكها إنما كان مستندًا إلى فقد ربها في الظاهر، وقد تبين خلافه، فانفسخ الملك من أصله لظهور الخطأ في مستنده، ووجب الرجوع بما وجده منها قائمًا، وهذا هو الذي ذكره ابن أبي موسى وذكر أصلا من كلام أحمد في طيرة فرخت عند قوم أنهم يردون فراخها»
(1)
.
° الراجح:
مللك نماء اللقطة بعد التعريف تبع للضمان، فإن قلنا: هي مضمونة عليه إذا ملكها الملتقط بعد التعريف فإن الخراج بالضمان، وأرى أنه في هذه الحالة لا فرق بين النماء المنفصل والمتصل خاصة إذا كان هذا النماء جاء ثمرة لجهود الملتقط، كالتسمين نتيجة التعليف ومثله التعليم، ويكون الملتقط شريكًا للمالك بقدر ما حصل له من زيادة في قيمة اللقطة، فإذا قيل: إن السلعة زادت بقدر الخمس، كان الواجد يملك من اللقطة خمسها ملكًا مشتركًا، وإن كانت الزيادة منفصلة استحقها كلها.
وإن قلنا: إنه لا يضمن إذا تملك اللقطة، كانت العين بزوائدها لمالكها، ومسألة الضمان هي محل بحث في فصل مستقل، والله أعلم.
* * *
(1)
القواعد لابن رجب (ص: 191).