الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
في دعوى الحر المسلم نسب اللقيط
[م-2071] اختلف العلماء في الرجل الحر المسلم يدعي نسب اللقيط، سواء كان هذا الحر هو الذي التقطه أو كان غيره، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
ذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وأشهب من المالكية بأنه يلحق به بمجرد الدعوى ولا يطالب بالبينة، ولا فرق في ذلك بين الملتقط وغيره
(1)
.
واشترط الحنفية أن يكون اللقيط حيًا، فإن كان ميتًا فلا يصدق إلا بحجة
(2)
.
وقال النووي: «نسب اللقيط، وهو كسائر المجهولين، فإذا استلحقه حر مسلم، لحقه .... ولا فرق في ذلك بين الملتقط وغيره»
(3)
.
(1)
المبسوط (10/ 211)، النتف في الفتاوى للسغدي (2/ 589)، بدائع الصنائع (6/ 252)، الهداية شرح البداية (2/ 415)، تبيين الحقائق (3/ 298)، البحر الرائق عقد الجواهر الثمينة (3/ 1000)، الذخيرة للقرافي (9/ 135)، (5/ 156)، الحاوي الكبير (8/ 53)، المهذب (1/ 436)، مغني المحتاج (2/ 427)، نهاية المطلب (8/ 547)، الوسيط (4/ 316)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (8/ 23)، روضة الطالبين (5/ 437)، تحفة المحتاج (6/ 360)، المغني لابن قدامة (6/ 43)، الإنصاف (6/ 452)، الإقناع (2/ 408)، شرح منتهى الإرادات (2/ 393)، مطالب أولي النهى (4/ 258).
(2)
حاشية ابن عابدين (4/ 271)، مجمع الأنهر (1/ 702).
(3)
روضة الطالبين (5/ 437).
وقال في الإنصاف: «وإن أقر إنسان أنه ولده: ألحق به، مسلمًا كان أو كافرًا، رجلا كان أو امرأة، حيًا كان اللقيط أو ميتا»
(1)
.
° دليل من قال: يثبت النسب بمجرد الدعوى.
الدليل الأول:
أشار إمام الحرمين إلى وجود إجماع في المسألة، وسوف أنقل عبارته في الدليل التالي إن شاء الله تعالى، كما حكاه غيره من الشافعية
(2)
.
وقال ابن قدامة: «أن يدعيه واحد ينفرد بدعواه، فينظر؛ فإن كان المدعي رجلًا مسلمًا حرًا، لحق نسبه به، بغير خلاف بين أهل العلم، إذا أمكن أن يكون منه»
(3)
.
الدليل الثاني:
أن إقامة البينة على النسب عسير، فلو لم يحصل بالدعوى لضاعت الأنساب.
قال إمام الحرمين: «وهذا مع كونه مجمعًا عليه مستند إلى طرف من المعنى، وهو أن الإشهاد على النسب وسببه عسر، فلو لم يحصل بالدعوى، لضاعت الأنساب»
(4)
.
ويناقش:
بأن الإجماع لا يثبت مع مخالفة المالكية كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(1)
الإنصاف (6/ 452).
(2)
انظر نهاية المطلب (8/ 547)، تحفة المحتاج (6/ 360).
(3)
المغني (6/ 43).
(4)
نهاية المطلب (8/ 547).
الوجه الثالث:
أن الإقرار بالنسب فيه نفع محض للطفل لاتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه، فكان كما لو أقر له بمال، والله أعلم.
الوجه الرابع:
ذكر الحنفية أن النسب أثبتوه بمجرد الدعوى لا من جهة القياس، ولكن من جهة الاستحسان.
فالقياس لا يثبت النسب سواء كان المدعي هو الملتقط أو كان أجنبيًا:
° وجه القياس إن كان مدعي النسب رجلًا أجنبيًا:
أن قوله يتضمن إبطال حق الملتقط؛ لأن يده ثابتة عليه وسابقة له، حتى لو أراد غيره أن ينزعه منه ليحفظه لم يصح.
ووجه الاستحسان:
أنه إقرار للصبي بما ينفعه؛ لأنه يتشرف بالنسب ويعير بعدمه.
° وأما وجه القياس إن كان المدعي هو الملتقط:
هو تناقض كلامه بأنه لما زعم أنه لقيط كان نافيًا نسبه؛ لأن ابنه لا يكون لقيطًا في يده، ثم ادعى أنه ابنه فكان متناقضًا، والتناقض في الدعوى يبطلها.
وأما وجه الاستحسان:
أن اللقيط بحاجة إلى نسب يتشرف به، وتقوم به حوائجه، ولأن سببه خفي، فربما اشتبه عليه الأمر في الابتداء فظن أنه لقيط، ثم تبين له أنه ولده.
القول الثاني:
إن استلحقه الملتقط أو غيره فلا يلحق إلا ببينة أو يكون لدعواه وجه، كرجل عرف أنه لا يعيش له ولد، فزعم أنه رماه؛ لأنه سمع أنه إذا طرحه عاش، ونحو ذلك مما يدل على صدقه.
فإذا شهدت البينة لحقه النسب مطلقًا سواء كان مسلمًا أو كافرًا، وسواء كان اللقيط محكومًا بإسلامه أو كفره، وسواء كان من استلحقه الملتقط أو غيره.
وأما إذا كان لدعواه وجه، فقيل: إنها بمنزلة البينة، وهو قول ابن عرفة والتتائي، وعبد الرحمن الأجهوري.
وقيل: إن كان لدعواه وجه، فإن كان المستلحق مسلمًا صح، سواء كان هو الملتقط أو غيره، وسواء كان اللقيط محكومًا بإسلامه أو كفره، وأما إذا استلحقه كافر فلا بد من البينة
(1)
.
هذا ملخص مذهب المالكية.
وعمدتهم في هذا: أن دعوى النسب كغيرها من الدعاوى لا تثبت إلا ببينة، وصدقت دعواه إذا كان لها وجه، وإن لم يكن هناك بينة عملًا بالقرائن، وقياسًا على اللقطة، حيث اعتبرت العلامات، وهي دون البينة.
ويناقش:
بأن البينة مطلوبة إذا كان هناك منازع، وهذا لا منازع له في دعوى النسب، ورده إضرار بالصبي حيث يبقى مجهول النسب.
* * *
(1)
الشرح الكبير (4/ 126)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1000)، الذخيرة للقرافي (9/ 135)، شرح الخرشي (7/ 133)، منح الجليل (8/ 248)، التاج والإكليل (6/ 82)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/ 181).