الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
في تعريف ما لا يتطرق إليه الفساد
[م-1994] اختلف العلماء في مدة تعريف ما لا يتطرق إليه الفساد:
القول الأول:
التعريف حولًا كاملًا من غير فرق بين القليل والكثير.
وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، وقول محمد بن الحسن، وحكاه ابن القاسم عن مالك في المدونة، وهو قول ابن القاسم من رأيه في المدونة، والأصح عند العراقيين من الشافعية.
قال الطحاوي كما في العناية شرح الهداية: «وإذا التقط لقطة فإنه يعرفها سنة سواء كان الشيء نفيسا أو خسيسا في ظاهر الرواية»
(1)
.
وجاء في الهداية: «وقدره محمد في الأصل بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير»
(2)
.
وجاء في الاستذكار: «روى مالك وابن القاسم أن اللقطة تعرف سنة ولم يفرق بين قليلها وكثيرها»
(3)
.
وقال ابن عبد البر: «ومن التقط شيئا غير الحيوان ذهبًا أو فضة أو ثوبًا أو غير
(1)
العناية شرح الهداية (6/ 121).
(2)
الهداية شرح البداية (2/ 175).
(3)
الاستذكار (7/ 248).
ذلك من العروض كلها، والطعام الذي له بقاء، وسائر الأموال غير الحيوان ولو درهمًا واحدًا فإنه يلزمه تعريف ذلك سنة كاملة .... »
(1)
.
وقال ابن رشد: «الثاني: أن يكون يسيرًا إلا أن له قدرًا ومنفعة وقد يشح به صاحبه ويطلبه، فإن هذا لا اختلاف في وجوب تعريفه؛ إلا أنه يختلف في حده: فقيل سنة كالذي له بال، وهو ظاهر ما حكى ابن القاسم عن مالك في المدونة، وروى عيسى عن ابن وهب في العتبية أنه يعرفه إياها وهو قول ابن القاسم من رأيه في المدونة.
والثالث: أن يكون كثيرًا له بال، فإن هذا لا اختلاف في وجوب تعريفه حولًا كاملًا»
(2)
.
وقال النووي: «وإن كان متمولًا مع قلته، وجب تعريفه، وفي قدر تعريفه وجهان، أصحهما عند العراقيين: سنة كالكثير»
(3)
.
القول الثاني:
أنه يعرف القليل والكثير مدة يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه، وبه قال السرخسي من الحنفية، وصححه في الهداية وغيرها، وعليه الفتوى، وهو خلاف ظاهر الراوية
(4)
.
جاء في حاشية ابن عابدين: «قوله: (إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها) لم
(1)
الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 425).
(2)
المقدمات الممهدات (2/ 480).
(3)
روضة الطالبين (5/ 410).
(4)
المبسوط (11/ 5)، حاشية ابن عابدين (4/ 278)، الفتاوى الهندية (2/ 289).
يجعل للتعريف مدة اتباعًا للسرخسي، فإنه بنى الحكم على غالب الرأي، فيعرف القليل والكثير إلى أن يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه، وصححه في الهداية وفي المضمرات والجوهرة، وعليه الفتوى، وهو خلاف ظاهر الرواية من التقدير بالحول في القليل والكثير»
(1)
.
القول الثالث:
أنه يعرف ثلاثة أعوام، وهو مروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
القول الرابع:
أن أدنى ما يكون من التعريف أن يشهد عند الأخذ، ويقول: أخذتها لأردها، فيكون المراد بالتعريف هو الإشهاد
(2)
.
جاء في فتح القدير لابن الهمام: «قال الحلواني: أدنى ما يكون من التعريف أن يشهد عند الأخذ ويقول: أخذتها لأردها، فإن فعل ذلك، ولم يعرفها بعد ذلك كفى فجعل التعريف إشهادًا .... فاقتضى هذا الكلام أن يكون الإشهاد الذي أمر به في الحديث هو التعريف، وقوله عليه الصلاة والسلام: من أصاب ضالة فليشهد، معناه فليعرفها»
(3)
.
ويناقش:
بأن الإشهاد غير التعريف، إذا الإشهاد يحصل الامتثال به مرة واحدة، بينما التعريف يستمر لمدة عام كامل، فدل على أن الإشهاد غير التعريف.
(1)
حاشية ابن عابدين (4/ 278).
(2)
فتح القدير لابن الهمام (6/ 120).
(3)
فتح القدير لابن الهمام (6/ 120).
القول الخامس:
التفريق بين اللقطة القليلة وبين الكثيرة في مدة التعريف، فكلما قل المال قلت مدة تعريفه، وكلما زاد زادت مدة تعريفه إلى أن يبلغ حد المال الكثير، فإذا بلغ حد المال الكثير وجب تعريفه سنة، وهذا القول رواية عن أبي حنيفة، وقول في مذهب المالكية، وعليه أكثر الشافعية، على خلاف بين هؤلاء في تقدير القليل، هل هو معدود أو محدود.
فقيل: إن كانت أقل من عشرة دراهم عرفها أيامًا، وإن كانت عشرة فصاعدًا عرفها حولًا، وهو رواية عن أبي حنيفة
(1)
.
جاء في بدائع الصنائع: «أما مدة التعريف: فيختلف قدر المدة لاختلاف قدر اللقطة إن كان شيئًا له قيمة تبلغ عشرة دراهم فصاعدا يعرفه حولا، وإن كان شيئا قيمته أقل من عشرة يعرفه أيامًا على قدر ما يرى.
وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال التعريف على خطر المال إن كان مائة ونحوها عرفها سنة، وإن كان عشرة ونحوها عرفها شهرًا، وإن كان ثلاثة ونحوها عرفها جمعة أو قال عشرة، وإن كان درهمًا ونحوه عرفه ثلاثة أيام، وإن كان دانقًا ونحوه عرفه يومًا، وإن كان تمرة أو كسرة تصدق بها»
(2)
.
وقال ابن شاس: «ولا تتحدد عدد الأيام بعدد معين بل بحسب ما يظن أن مثله يطلب فيها، وهذا كالمخلاة والحبل، والدلو»
(3)
.
(1)
الهداية شرح البداية (2/ 175)، بدائع الصنائع (6/ 202).
(2)
بدائع الصنائع (6/ 202).
(3)
عقد الجواهر الثمينة (3/ 991).
وقال النووي في الروضة: «وإن كان متمولا مع قلته، وجب تعريفه، وفي قدر تعريفه وجهان: ..... أشبههما باختيار معظم الأصحاب: لا يجب سنة. فعلى هذا أوجه:
أحدها: يكفي مرة.
والثاني: ثلاثة أيام. وأصحها: مدة يظن في مثلها طلب فاقده له، فإذا غلب على الظن إعراضه سقط، ويختلف ذلك باختلاف المال، قال الروياني: فدانق الفضة يعرف في الحال، ودانق الذهب يعرف يوما، أو يومين، أو ثلاثة.
وأما الفرق بين القليل والمتمول والكثير، ففيه أوجه:
أصحها: لا يتقدر، بل ما غلب على الظن أن فاقده لا يكثر أسفه عليه، ولا يطول طلبه له غالبا، فقليل، قاله الشيخ أبو محمد، وغيره، وصححه الغزالي، والمتولي.
والثاني: القليل: ما دون نصاب السرقة.
والثالث: الدينار قليل.
والرابع: ما دون الدرهم قليل، والدرهم كثير»
(1)
.
وقال النووي أيضًا: «وأما الشيء الحقير فيجب تعريفه زمنا يظن أن فاقده لا يطلبه في العادة أكثر من ذلك الزمان»
(2)
.
هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة، وملخصها ما يأتي:
(1)
روضة الطالبين (5/ 411).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 22).
القول الأول:
التعريف حولًا كاملًا من غير فرق بين القليل والكثير.
القول الثاني:
التعريف ثلاثة أعوام.
القول الثالث:
يعرف القليل والكثير مدة يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه من غير تقدير ذلك بمدة معينة.
القول الرابع:
أدنى ما يكون من التعريف أن يشهد عند أخذها.
القول الخامس:
التفريق في مدة التعريف بين المال القليل والكثير، فالكثير يجب تعريفه حولًا كاملًا، بخلاف المال القليل، وكلما قل المال قلت مدة تعريفه، وقيل: القليل لا يتقدر، بل ما غلب على الظن أن فاقده لا يكثر أسفه عليه، ولا يطول طلبه له غالبا.
إذا وقفت على الأقوال نأتي على ذكر الأدلة:
° دليل من قال: التعريف حولًا كاملًا للقليل والكثير:
(ح-1220) ما رواه البخاري من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث،
عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلا سأل رسول الله عليه السلام عن
اللقطة، فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه
(1)
.
وجه الاستدلال:
قوله عليه السلام: (عرفها سنة) ولم يفرق بين القليل والكثير.
° دليل من قال: تعرف ثلاثة أعوام:
(ح-1221) ما رواه البخاري ومسلم من طريق غندر، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت سويد بن غفلة،
عن أبي بن كعب، قال: إني وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله عليه السلام، فأتيت بها رسول الله عليه السلام، فقال: عرفها حولًا، قال: فعرفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال: عرفها حولًا، فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال: عرفها حولًا، فعرفتها فلم أجد من يعرفها، فقال: احفظ عددها، ووعاءها، ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا، فاستمتع بها، فاستمتعت بها، فلقيته بعد ذلك بمكة، فقال: لا أدري بثلاثة أحوال أو حول واحد. واللفظ لمسلم، وفيه قصة لسلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان مع سويد بن غفلة.
ورواه مسلم من طريق بهز عن شعبة، به، وفيها: قال شعبة: فسمعته بعد عشر سنين يقول: عرفها عامًا واحدًا
(2)
.
[تعريف اللقطة ثلاث سنين خطأ من سلمة بن كهيل، حيث لم يحفظ مدة التعريف، فهو تارة يجزم بالتعريف ثلاث سنين، وتارة أنه أمره بتعريفها ثلاث
(1)
صحيح البخاري (6112)، وهو في مسلم (1722).
(2)
صحيح البخاري (2437، 2426)، ومسلم (9 - 1723).
مرار، قال: فلا أدري قال له ذلك في سنة، أو في ثلاث سنين، ورواه آخر ما رواه بالتعريف سنة جزمًا بلا شك، هكذا سمعه منه شعبة بعد عشر سنوات من سماعه القديم، فكأنه تثبت واستذكر].
ولا شك أن مثل هذا الاختلاف إما أن نسلك فيها سبيل الترجيح أو مسلك الجمع:
وسبيل الترجيح له طريقان:
الطريق الأول:
أن يقال: إن حديث أبي بن كعب ورد فيه ثلاثة ألفاظ:
التعريف حولًا واحدًا، والتعريف ثلاثة أحوال، والشك.
فرواية الشك مطروحة؛ لأن الأحكام لا تبنى على الشك، ويبقى النظر في الترجيح بين التعريف حولًا واحدًا أو ثلاثة أحوال، ولا شك أن الترجيح بتعريفها حولًا واحدًا أقوى لثلاثة أسباب:
السبب الأول: أن التعريف حولًا واحدًا موافق لبقية الأحاديث كحديث زيد بن خالد الجهني، وحديث عبد الله بن عمرو.
السبب الثاني: لو كان الواجب تعريف اللقطة ثلاث سنوات، لأمره الرسول عليه السلام منذ البداية بتعريفها ثلاثة أحوال، ولكن في كل أحاديث اللقطة يأتي الأمر بتعريفها حولًا حتى في حديث أبي بن كعب، إلا أنه في حديث أبي لما أتاه مرة أخرى أمره بتعريفها حولًا، ثم عاد له في الثالثة فأمره بتعريفها حولًا، ولا يعرف فائدة فقهية من أمره له بتعريفها حولًا إذا كان الواجب هو تعريفها
ثلاثة أحوال، فإما أن يكون تكراره خطأ، ولهذا شك الراوي هل أمره بحول أو بثلاثة أحوال.
أو يكون تكراره كما قال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون التعريف لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر أبيًا بإعادة التعريف كما قال للمسيء صلاته ارجع فصل فإنك لم تصل.
أو يكون الزائد على الحول ليس على سبيل الوجوب، وإنما هو على سبيل الاستحباب، وحديث زيد بن خالد وغيره على سبيل الوجوب. والوجهان الأخيران يصحان أن يقالا عند الكلام على سبيل الجمع بين الرويات، وليس على سبيل الترجيح، لكن اقتضى ذكرهما هنا لمناسبة الكلام.
السبب الثالث: أن التعريف حولًا واحدًا موافق للجانب العملي، فهو قول عامة الفقهاء.
(1)
.
وقال ابن بطال: «وهذا الشك يوجب سقوط التعريف ثلاثة أحوال، ولا يحفظ عن أحد قال ذلك إلا رواية جاءت عن عمر بن الخطاب
…
وقد روى عن عمر بن الخطاب أن اللقطة تعرف سنة مثل قول الجماعة، وممن روى عنه أنها تعرف سنة: على بن أبى طالب، وابن عباس، وسعيد بن المسيب،
(1)
فتح الباري (5/ 79).
والشعبى، وإليه ذهب مالك، والكوفيون، والشافعى، وأحمد بن حنبل، واحتجوا بحديث زيد بن خالد الجهنى»
(1)
.
الطريق الثاني للترجيح:
أن يقال: إن سلمة لم يحفظ مدة التعريف لدخول الشك في روايته، فلا تكون روايته حجة في مدة التعريف، ويؤخذ الحكم في مدة التعريف من غيره من الأحاديث التي لم تختلف في مدة التعريف، فإن الحديث الذي لم يتطرق إليه شك ولا اختلاف أولى بالعمل من الحديث الذي تطرق إليه شك واختلاف.
وأما سبيل الجمع، فله ثلاثة أجوبة:
الأول: أن يكون حديث أبي على سبيل الورع والمبالغة في التعفف عن اللقطة، وحديث زيد بن خالد على ما لا بد منه.
الثاني: حديث زيد بن خالد كان السائل أعرابيًا فاكتفى بالتعريف حولًا واحدًا نظرًا لحاجة الأعرابي، واستغناء أبي بن كعب.
الثالث: أن يكون عليه السلام علم أنه لم يقع تعريفها كما ينبغي، فلم يحتسب له بالتعريف الأول
(2)
.
الدليل الثاني:
(ث-308) ما رواه عبد الرزاق، قال: عن ابن جريج قال: قال مجاهد:
وجد سفيان بن عبد الله الثقفي عيبة فيها مال عظيم فجاء بها عمر بن الخطاب
(1)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 545).
(2)
انظر تنقيح التحقيق (4/ 237)، فتح الباري (5/ 79).
فأخبره خبرها فقال عمر: هي لك، فقال: يا أمير المؤمنين لا حاجة لي فيها، غيري أحوج إليها مني قال: فعرفها سنة، ففعل ثم جاءه بها فقال عمر: هي لك، فقال مثل قوله الأول. فقال عمر: عرفها سنة، ففعل ثم جاءه بها فقال عمر: هي لك فقال سفيان مثل قوله الأول فقال عمر: عرفها سنة ففعل ثم جاءه بها فقال عمر: هي لك، فقال مثل قوله الأول فقال عمر: عرفها سنة ففعل فلما أبى سفيان جعلها عمر في بيت مال المسلمين
(1)
.
[منقطع مجاهد لم يسمع من سفيان، ورواه غيره عن سفيان على التعريف سنة مرفوعًا إلى النبي عليه السلام]
(2)
.
وقد ورد عن عمر في تعريف اللقطة أربعة أقوال سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى عند الكلام على أدلة من قال: إن مدة التعريف تختلف بحسب كثرة المال وقلته.
دليل من قال: الكثير يعرف سنة، والقليل بحسبه:
ورد عن عمر رضي الله عنه في تعريف اللقطة أربعة أقوال:
(1)
المصنف (18618).
(2)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (5818، 5819) والدارمي (2599) والطحاوي في مشكل الآثار (4695)، وفي شرح معاني الآثار (4/ 137)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 187) من طريق الوليد بن كثير، عن عمرو بن شعيب، عن عمرو وعاصم ابني سفيان بن عبد الله، عن أبيهما سفيان بن عبد الله الثقفي أنه التقط عيبة، فلقي بها عمر، فقال لي: عرفها حولا، فلما كان عند قرن الحول لقيته بها، فقلت: إني قد عرفتها، فلم تعترف، فقال: هي لك، إن رسول الله عليه السلام أمرنا بذلك، قلت: لا حاجة لي بها، فأمر بها فألقيت في بيت المال. اهـ
وابنا عبد الله بن سفيان لم يوثقهما إلا ابن حبان، ولم يجرحهما أحد.
أحدها: أنه يعرفها ثلاثة أعوام، وسبق تخريجها.
الثاني: أنه يذكرها ثلاثة أيام، ثم يعرفها سنة.
الثالث: أنها يعرفها سنة.
الرابع: أنه يعرفها ثلاثة أشهر
(1)
.
(1)
ا نظر الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 371).
وقد روى عبد الرزاق في المصنف (18630)، وابن أبي شيبة في المصنف (22056) حدثنا وكيع، كلاهما (عبد الرزاق ووكيع) عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد، قال: كان عمر بن الخطاب يأمر أن تعرف اللقطة سنة، فإن جاء صاحبها وإلا يتصدق بها، فإن جاء صاحبها خير. وهذا إسناد صحيح.
وروى مالك في الموطأ (2/ 757) ومن طريقه رواه الشافعي في مسنده (ص: 221)، والطحاوي في مشكل الآثار (12/ 118) عن أيوب بن موسى، عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني؛ أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم بطريق الشأم فوجد صرة فيها ثمانون دينارًا، فذكرها لعمر بن الخطاب. فقال له عمر: عرفها على أبواب المسجد واذكرها لكل من يأتي من الشأم، فإذا مضت السنة فشأنك بها.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (22083) من طريق يحيى بن سعيد، عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني به.
وهذا إسناد صالح في المتابعات، معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني، لم يوثقه إلا ابن حبان، وقد ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، والبخاري في التاريخ الكبير، وسكتا عليه، فلم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ووالده معدود في الصحابة.
ورواه عبد الرزاق (18619) عن ابن جريج، قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، أن معاوية بن عبد الله بن بدر من جهينة قال: وقد سمعت لعبد الله صحبة للنبي عليه السلام أخبره أن أباه عبد الله أقبل من الشام فوجد صرة فيها ذهب مائة في متاع ركب قد عفت عليه الرياح فأخذها فجاء بها عمر فقال له عمر: أنشدها الآن على باب المسجد ثلاثة أيام ثم عرفها سنة فإن اعترفت وإلا فهي لك. قال: ففعلت فلم تعترف فقسمتها بيني وبين امرأتين لي.
…
وهنا رواية إسماعيل بن أمية زاد فيها على رواية أيوب بن موسى حيث أمر بتعريفها ثلاثة أيام، ثم يعرفها سنة، وإسماعيل بن أمية وأيوب بن موسى ابنا عم، إلا أن إسماعيل أحفظ من أيوب.
قال المروذي: قال أبو عبد الله: إسماعيل بن أمية، وأيوب بن موسى، من أهل مكة وهما ابنا عم، وكان أيوب بن موسى أنفع للناس، إلا أن إسماعيل أوثق منه وأثبت. «سؤالاته» (307).
ورواه عبد الرزاق (18620) عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، قال: قال عمر بن الخطاب، فذكر نحو رواية ابن جريج، إلا أنه أسقط من إسناده معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني وأسقط أباه كذلك من الإسناد، ورواية ابن جريج أرجح لموافقتها رواية أيوب بن موسى ..
وزاد ابن حزم عن عمر قولًا خامسًا: أنه يعرفها أربعة أشهر.
قال ابن حجر: «ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها»
(1)
.
دليل من قال: يعرف القليل والكثير مدة يغلب على الظن أن صاحبه لا يطلبه من غير تقدير ذلك بمدة معينة.
ربما يحتج صاحب هذا القول بأن الأمر بتعريفها سنة في حديث زيد بن خالد لم يكن على سبيل بيان مدة التعريف اللازمة لكل مال، ولهذا في حديث أبي أمر بتعريفها ثلاثة أحوال، وورد عن عمر خمسة أقوال في التعريف، كل هذا يدل على أن الواجب تعريفها مدة يغلب على الظن أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك.
° دليل من قال: التعريف أن يشهد عند أخذها:
(ح-1222) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا خالد، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أخيه مطرف بن عبد الله بن الشخير،
عن عياض بن حمار، قال: قال رسول الله عليه السلام: من وجد لقطة، فليشهد ذوي عدل،
(1)
فتح الباري (5/ 79).
وليحفظ عفاصها، ووكاءها، فإن جاء صاحبها، فلا يكتم، وهو أحق بها، وإن لم يجئ صاحبها، فإنه مال الله يؤتيه من يشاء
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
(1)
المسند (4/ 161).
(2)
الحديث رواه خالد الحذاء، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أخيه مطرف، عن عياض بن حمار، عن النبي عليه السلام.
أخرجه أحمد كما في إسناد الباب، والنسائي في الكبرى (5808)، والطحاوي في مشكل الآثار (3137، 4715) من طريق هشيم،
وأخرجه الطحاوي في شرح المشكل (3136، 4714)، وفي شرح معاني الآثار من طريق عبد العزيز بن المختار، كلاهما، عن خالد الحذاء به وفيه:(فليشهد ذوي عدل) بدون شك.
ورواه جماعة بلفظ: (فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل) بالشك، والشك من خالد الحذاء.
أخرجه أبو داود (1709) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 193) من طريق خالد الطحان.
وأخرجه أبو داود (1709) من طريق وهيب بن خالد.
وأخرجه النسائي في الكبرى (5968) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى.
وأخرجه أحمد (4/ 266) عن إسماعيل بن علية، كلهم (خالد الطحان، ووهيب بن خالد، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وابن علية) رووه عن خالد الحذاء بلفظ الشك. .
ورواه شعبة، واختلف عليه:
فرواه أبو داود الطيالسي (1081) ومن طريقه رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة (5433)، البيهقي في السنن الكبرى (6/ 187).
وأحمد (4/ 266) حدثنا محمد بن جعفر.
والمنتقى لابن الجارود (671) والطحاوي في مشكل الآثار (3133، 4716) وابن حبان في صحيحه (4894) من طريق سعيد بن عامر، ثلاثتهم رووه عن شعبة على الشك، وفي مسند أحمد: خالد الشاك.
وخالف في ذلك ابن الجعد في مسنده (1259) ومن طريقه الطبراني في المعجم الكبير (989). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وعمرو بن مرزوق كما في المعجم الكبير للطبراني (989) مقرونًا برواية علي بن الجعد، كلاهما رووه عن شعبة بلفظ:(فليشهد ذوي عدل) بدون شك، والراجح من رواية شعبة رواية الشك، وقد رواها عنه أخص أصحابه محمد بن جعفر.
كما رواه عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، واختلف عليه فيه:
فأخرجه ابن أبي شيبة (22062)، وعنه ابن ماجه (2505) عن عبد الوهاب الثقفي، وفيه (فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل) بالشك.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (17/ 360) رقم 990 من طريق إسحاق بن راهوية، عن عبد الوهاب الثقفي به، وفيه:(فليشهد ذا عدل). بدون شك.
ورواه حماد بن زيد، عن خالد الحذاء، واختلف عليه فيه.
فرواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 136) من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن خالد، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن عياض، ولفظه:(أن النبي عليه السلام سئل عن الضالة فقال: عرفها، فإن وجدت صاحبها وإلا فهي مال الله) ولم يذكر الإشهاد، وذكر بدلًا منه التعريف.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (991) من طريق خالد بن خداش، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي العلاء، عن عياض به.
فخالف في إسناده حيث استبدل بخالد الحذاء أيوب، وأسقط من إسناده مطرف بن عبد الله. وسليمان بن حرب أحفظ من ابن خداش، عليهما رحمة الله
ورواه حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء ولم يذكر الإشهاد، واختلف عليه في إسناده:
فأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1193) عن إبراهيم بن الحجاج السامي، والنسائي في السنن الكبرى (5809) من طريق أسد بن موسى.
والطبراني في المعجم الكبير (985) من طريق حجاج بن منهال، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن مطرف، عن عياض كرواية الجماعة إلا أنه أسقط ذكر الإشهاد، وهذا هو المحفوظ من رواية حماد بن سلمة.
وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (3134) و (4717) من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن مطرف، به. =
وجه الاستدلال:
أن الرسول عليه السلام أمر في هذا الحديث بالإشهاد، ولم يأمر بالتعريف، فدل على أن المقصود بالإشهاد هو التعريف، فإن تعريف اللقطة يلزم منه الإشهاد عليها، وإذا أشهدت عليها فقد عرفتها، وهذا أدنى درجات التعريف، وإذا كان ليس للتعريف لفظ يجب اتباعه، وإنما الغرض شهر الأمر وإظهار القصة، فهذا يحصل بالإشهاد، والله أعلم.
ويناقش:
بأن الإشهاد أخص من التعريف، فالتعريف من أجل الوصول إلى صاحبها، ولتملكها بعد التعريف، والإشهاد من أجل الامتناع به من الخيانة، ولأنه قد يموت فجأة قبل استحقاق تملكها فإذا لم يشهد فاتت على مالكها، والله أعلم.
* * *
= قال الطحاوي: فاختلف شعبة وحماد في إسناد ما ذكرنا، فذكره شعبة، عن خالد، عن يزيد عن مطرف.
وذكره حماد عن خالد، عن أبي قلابة، عن مطرف، واختلفا في متنه، فذكر فيه شعبة الإشهاد، ولم يذكره حماد. وقد رواه حماد أيضًا من طريق غير هذا الطريق يرجع إلى مطرف، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام .... ».
قلت: هذا الطريق أخرجه النسائي في الكبرى (5809) من طريق أسد بن موسى.
والطحاوي في مشكل الآثار (3135) و (4718) من طريق موسى بن إسماعيل، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء يزيد ين عبد الله بن الشخير، عن مطرف، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام، فجعله من مسند أبي هريرة. وهذا خطأ، والله أعلم.]