الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث
إذا أخذها بنية الأمانة ثم طرأ قصد الخيانة
[م-2011] إذا أخذ اللقطة بنية الأمانة، ثم نوى الخيانة، فهل يضمن بمجرد النية، فيه خلاف بين العلماء على قولين:
القول الأول:
لا يضمن بمجرد القصد حتى يكون معه فعل من استعمال أو نقل كالوديع، واختاره ابن عبد السلام من المالكية، والأصح في مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة، ورجحه ابن قدامة
(1)
.
(2)
.
° وجه القول بعدم الضمان:
القياس على الوديعة، كما أن المودع إذا نوى الخيانة في الوديعة بالجحود والاستعمال ولم يفعل لم يصر ضامنًا؛ لأنه لم يحدث في الوديعة قولًا، ولا فعلًا، فلا يضمن كما لو لم ينو.
(1)
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير (4/ 121)، مغني المحتاج (2/ 412)، أسنى المطالب (2/ 491)، روضة الطالبين (5/ 407)، تحفة المحتاج (5/ 406)، نهاية المحتاج (5/ 438)، الإنصاف (6/ 406)، كشاف القناع (4/ 213)، شرح منتهى الإرادات (2/ 379)، مطالب أولي النهى (4/ 223).
(2)
روضة الطالبين (5/ 407).
جاء في حاشية الدسوقي: «لا ضمان عليه عند ابن عبد السلام نظرًا إلى أن نية الاغتيال مجردة عن مصاحبة فعل؛ إذ غاية الأمر أن النية تبدلت مع بقاء اليد»
(1)
.
القول الثاني:
يضمن بذلك، وبه قال ابن عرفة من المالكية، ورجحه الحطاب منهم، وهو أحد القولين في مذهب الشافعية، ووجه في مذهب الحنابلة
(2)
.
قال في الإنصاف نقلًا عن التلخيص: وهو الأشبه بقول أصحابنا في التضمين بمجرد اعتقاد الكتمان
(3)
.
° وجه القول بوجوب الضمان:
أن نية الخيانة موجبة للضمان كما لو أخذها بنية الخيانة ابتداء، ويخالف المودع فإنه مسلط من جهة المالك.
«ونظرا إلى أن نية الاغتيال قد صاحبها فعل وهو الكف عن التعريف»
(4)
.
° الراجح من الخلاف:
أن الملتقط إذا طرأ على نيته الخيانة، وترك تعريفها الواجب عليه فإنه
(1)
حاشية الدسوقي (4/ 121).
(2)
شرح الخرشي (7/ 126)، حاشية الدسوقي (4/ 121)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 173)، مواهب الجليل (6/ 76)، مغني المحتاج (2/ 412)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (7/ 533)، نهاية المطلب (8/ 450)، أسنى المطالب (2/ 491)، الإنصاف (6/ 406)، المغني (6/ 11).
(3)
الإنصاف (6/ 406).
(4)
حاشية الدسوقي (4/ 121).
يضمنها، لأن ترك التعريف وحده موجب للضمان، إذا رجحنا وجوب التعريف على أخذها، وهو قول الجمهور، فكيف إذا انضم إلى ذلك القصد المحرم، وهو تملكها قبل تمام تعريفها، والله أعلم.
* * *
المبحث الثاني
في ضمان اللقطة بعد تعريفها وتملكها
تملك اللقطة بعد تعريفها بمنزلة اقتراضها والقرض مضمون.
[م-2012] هذه المسألة لا تتنزل على مذهب الحنفية الذين يقولون: إن اللقطة لا يمكن تملكها، وإنما يمكن بحثها على مذهب الجمهور القائلين بأن اللقطة يمكن تملكها بعد القيام بتعريفها، فإذا تملكها، ثم تلفت بغير تعد ولا تفريط، فهل يكون ضامنًا لصاحبها إذا ظهر؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين، وهما يرجعان إلى مسألة قد تقدم بحثها، وهي: هل يجب رد اللقطة إلى صاحبها بعد أن قام بتعريفها سنة كاملة، فالذين يقولون: إذا جاء صاحبها بعد التعريف لا يجب ردها إليه، لا يقولون بوجوب ضمانها؛ لأن ما لا يجب رده لم يجب ضمانه، وهذا ظاهر، وبه قال الكرابيسي من الشافعية
(1)
، وكذا داود الظاهري الذي يقول: لا يجب رد اللقطة بعد تعريفها إذا لم تكن عينها قائمة، وهو رواية عن أحمد
(2)
.
(1)
فتح الباري (5/ 84)، عمدة القارئ (2/ 112)، البيان للعمراني (7/ 535)، نيل الأوطار (5/ 409).
(2)
انظر قول داود الظاهري في البيان للعمراني (7/ 533)، وقال ابن حجر في فتح الباري (5/ 84): «اختلف العلماء فيما إذا تصرف في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا؟
فالجمهور على وجوب الرد إن كانت العين موجودة، أو البدل إن كانت استهلكت، وخالف في ذلك الكرابيسي صاحب الشافعي، ووافقه صاحباه البخاري وداود بن علي إمام الظاهرية، لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة».
وقد ذكرنا أدلتهم ومناقشتها في مسألة سابقة.
أما الذين يقولون: إن اللقطة تملك بالتعريف، فقد اتفقوا على عدم ضمانها أثناء التعريف، واتفقوا على ضمانها إذا تملكها، سواء قلنا: إن التملك يحصل بمجرد مضي السنة كمذهب الحنابلة، أو قلنا: إن التملك يحصل بنية التملك كمذهب المالكية وأحد الأقوال في مذهب الشافعية، أو قلنا: إن التملك لا يحصل إلا باللفظ كالقول الأصح في مذهب الشافعية، أو قلنا: إن التملك لا يتم إلا بالتصرف فيها، وهو قول في مذهب الشافعية، وسبق بحث هذه المسألة.
فإذا تملكها فإن الملتقط يكون ضامنًا لها إذا تلفت أو حصل فيها أي نقص حتى ولو كان ذلك بلا تعد ولا تفريط
(1)
.
° وجه القول بالضمان مطلقًا:
الوجه الأول:
أن تملك اللقطة ينقل اللقطة من الأمانة إلى الاقتراض، ذلك أن عقد الأمانة عقد يقصد به حفظ العين، وليس تملك العين، فإذا تملكها كان ذلك بمنزلة الاقتراض لها، والقرض مضمون مطلقًا، فإذا تلفت بعد تملكها ضمنها إن ظهر مالكها.
(1)
القوانين الفقهية (ص: 225)، وانظر شرح الخرشي (7/ 125)، الشرح الكبير (4/ 121)، منح الجليل (8/ 234)، مواهب الجليل (6/ 74)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/ 172 - 173)، أسنى المطالب (2/ 491)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (7/ 534)، روضة الطالبين (5/ 415)، نهاية المطلب (8/ 471)، الوسيط في المذهب (4/ 291)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 359)، الإنصاف (6/ 420)، المحرر (1/ 372)، المغني (6/ 14)، قواعد ابن رجب (ص: 250)، المبدع شرح المقنع (5/ 286).
جاء في الحاوي: «أن يتملكها إما باختيار تملكها أو بنقل عينها، فقد انتقل حق مالكها من عينها إلى بدلها»
(1)
.
الوجه الثاني:
أن اللقطة إذا تلفت بعد تملكها فقد تلفت من مال الملتقط، ولم تتلف من مال المالك، وإذا كان استهلاكها أو التصدق بها يوجب الضمان، فكذلك تملكها يوجب الضمان إذا ظهر صاحبها، نعم لو أبقاها في يده بعد التعريف حفظًا لصاحبها، ولم يتملكها كانت أمانة لم تضن بالتلف إلا بالتعدي أو بالتفريط.
(2)
.
فصرح ابن جزي أن تملكها والانتفاع بها أن ذلك يجعله ضامنًا لها، وقوله:(على كراهة لذلك) يعني أن مالكًا يكره تملك اللقطة، ويفضل عليه حفظها لصاحبها أو التصدق بها وذلك خوفًا من أن يعوزه ضمانها إذا ظهر صاحبها.
قال في التاج والإكليل: «إنما كره له أكلها بعد التعريف مخافة أن يأتي صاحبها فيجده عديمًا لا شيء له، ولو علم أنه لا يجد صاحبها أبدا لما كره له أكلها»
(3)
.
وفي أسنى المطالب: «إذا تملكها فليست أمانة بل يضمنها كالقرض»
(4)
.
(1)
الحاوي الكبير (3/ 317).
(2)
القوانين الفقهية (ص: 225).
(3)
التاج والإكليل (6/ 74).
(4)
أسنى المطالب (2/ 491).
وقال الغزالي: «إن التقط على قصد أن يحفظه لمالكه أبدًا فهو أمانة في يده أبدًا، وإن قصد أن يختزل في الحال فهو مضمون عليه أبدًا.
وإن قصد أن يتملكها بعد السنة فهو في السنة أمانة لو تلف لا ضمان، فإذا مضت السنة فهو مضمون عليه، وإن لم يتملك لأنه صار ممسكًا لنفسه بالقصد السابق فهو كالمأخوذ على جهة السوم»
(1)
.
وقال الماوردي في الإقناع: «وإن لم يأت صاحبها حتى استكمل حولًا في تعريفها كان مخيرًا بين تركها في يده أمانة؛ لئلا يضمنها بالعدوان وبين أن يمتلكها بأن يختار تملكها، فتصير مضمونة عليه لمالكها إن أتى»
(2)
.
فجعل تملكها يجعلها مضمونة عليه مطلقًا حتى ولو لم يتعد أو يفرط.
وقال في الإنصاف: «وإن تلفت، أو نقصت قبل الحول: لم يضمنها مراده: إذا لم يفرط فيها؛ لأنها أمانة في يده.
وإن كان بعده ضمنها ولو لم يفرط، هذا المذهب، وعليه الأصحاب، ونصروه.
وعنه: لا يضمنها إذا تلفت حكى ابن أبي موسى عن الإمام أحمد رحمه الله: أنه لوح في موضع: إذا أنفقها بعد الحول والتعريف لم يضمنها»
(3)
. وهذا كقول داود الظاهري أنه لا يجب ردها إلا إذا كانت عينها قائمة، وقد ذكرت ذلك فيما سبق.
(1)
الوسيط (4/ 291).
(2)
الإقناع للماوردي (ص: 121).
(3)
الإنصاف (6/ 420).
وقال ابن قدامة: «أن اللقطة في الحول أمانة في يد الملتقط، إن تلفت بغير تفريطه أو نقصت، فلا ضمان عليه، كالوديعة .... وإن تلفت بعد الحول، ثبت في ذمته مثلها أو قيمتها بكل حال؛ لأنها دخلت في ملكه، وتلفت من ماله، وسواء فرط في حفظها أو لم يفرط. وإن وجد العين ناقصة، وكان نقصها بعد الحول، أخذ العين وأرش نقصها؛ لأن جميعها مضمون إذا تلفت، فكذلك إذا نقصت. وهذا قول أكثر الفقهاء الذين حكموا بملكه لها بمضي حول التعريف، وأما من قال: لا يملكها حتى يتملكها لم يضمنه إياها حتى يتملكها، وحكمها قبل تملكه إياها حكمها قبل مضي حول التعريف.
ومن قال: لا تملك اللقطة بحال لم يضمنه إياها. وبهذا قال الحسن، والنخعي، وأبو مجلز والحارث العكلي، ومالك، وأبو يوسف، قالوا: لا يضمن، وإن ضاعت بعد الحول»
(1)
.
° الراجح:
أن اللقطة أثناء التعريف ضمانها كضمان الأمانات، لا تضمن إلا بالتعدي أو بالتفريط، وبعد امتلاكها هي مضمونة مطلقًا، والله أعلم.
* * *
(1)
المغني (6/ 14).