المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابعفي توصيف عقد العارية - المعاملات المالية أصالة ومعاصرة - جـ ٢٠

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثانيفي معرفة اللقطة قبل تعريفها

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌المبحث الثالثفي وجوب التعريف على الملتقط

- ‌المبحث الرابعفي مدة التعريف

- ‌الفرع الأولفي تعريف ما يسرع إليه الفساد

- ‌الفرع الثانيفي تعريف ما لا يتطرق إليه الفساد

- ‌المبحث الخامسفي وجوب الفورية في التعريف

- ‌المبحث السابعفي سقوط التعريف إذا أخره

- ‌المبحث الثامنفي وجوب الموالاة في التعريف

- ‌المبحث التاسعفي مؤنة التعريف

- ‌المبحث العاشرفي مكان تعريف اللقطة

- ‌المبحث الحادي عشرفي تكرار التعريف

- ‌المبحث الثاني عشرفي ذكر جنس اللقطة في التعريف

- ‌الفصل الثالثفي الإشهاد على اللقطة

- ‌الفصل الرابعفي تملك اللقطة

- ‌المبحث الأولفي تملك اللقطة إذا قام بتعريفها

- ‌المبحث الثانيفي وقوف تملك اللقطة على نية الملتقط أو لفظه

- ‌المبحث الثالثإذا جاء صاحبها بعد التعريف

- ‌الفصل الخامسفي نماء الضالة

- ‌الفصل السادسفي ضمان اللقطة

- ‌المبحث الأولفي ضمان اللقطة قبل تملكها

- ‌الفرع الأولفي ضمانها إذا التقطها للتعريف أو للحفظ

- ‌الفرع الثالثإذا أخذها بنية الأمانة ثم طرأ قصد الخيانة

- ‌المبحث الثالثفي ضمان اللقطة إذا ردها إلى موضعها

- ‌الباب الثالثفي أحكام الملتقط

- ‌الفصل الأولفي اشتراط العدالة في الملتقط

- ‌الفصل الثانيفي التقاط الكافر

- ‌الفصل الثالثفي التقاط غير المكلف

- ‌المبحث الأولفي التقاط المجنون والصبي غير المميز

- ‌المبحث الثانيفي صحة التقاط الصبي المميز

- ‌الفصل الرابعفي تعدد الملتقط

- ‌الفصل الخامسإذا ادعى اللقطة اثنان

- ‌الفصل السادسفي الاتجار في اللقطة

- ‌الفصل السابعفي النفقة على اللقطة

- ‌الفصل الثامنفي الجعل على رد اللقطة

- ‌الفصل التاسعفي زكاة المال الملتقط

- ‌المبحث الأولزكاة المال الملتقط قبل التعريف

- ‌المبحث الثانيزكاة المال الملتقط بعد التعريف

- ‌الباب الرابعفي استرداد اللقطة

- ‌الفصل الأولفي اشتراط البينة لاسترداد اللقطة

- ‌الفصل الثانيفي استرداد اللقطة بمعرفة بعض صفاتها

- ‌عقد اللقيط

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف اللقيط

- ‌المبحث الثانيفي أركان الالتقاط

- ‌الباب الأولفي حكم نبذ الطفل والتقاطه

- ‌الفصل الأولفي حكم نبذ الطفل

- ‌الفصل الثانيفي حكم التقاط الصبي

- ‌الباب الثانيفي أحكام الملتقط

- ‌الفصل الأولفي شروط الملتقط

- ‌الشرط الأولفي اشتراط إسلام الملتقط

- ‌الشرط الثانيفي اشتراط التكليف في الملتقط

- ‌الشرط الثالثفي اشتراط العدالة في الملتقط

- ‌المبحث الأولفي التقاط الفاسق

- ‌المبحث الثانيفي اشتراط العدالة الباطنة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط الرشد

- ‌الشرط الخامسفي اشتراط الغنى في الملتقط

- ‌الشرط السادسفي اشتراط الذكورة

- ‌الفصل الثانيفي ولاية الملتقط على اللقيط

- ‌المبحث الأولفي الولاية على اللقيط نفسه

- ‌المبحث الثانيفي ولاية الملتقط على مال اللقيط

- ‌الفصل الثالثفي حق الملتقط بالسفر باللقيط

- ‌المبحث الأولفي سفر الملتقط المستور الحال باللقيط

- ‌المبحث الثانيالسفر باللقيط إذا نبذ في البادية

- ‌الفرع الأولالانتقال باللقيط من البادية إلى مثلها

- ‌الفرع الثانيالانتقال باللقيط من البادية إلى ا لحاضرة أو الحلة

- ‌المبحث الثالثالسفر باللقيط إذا نبذ في الحاضرة

- ‌الفرع الأولالانتقال باللقيط من الحاضرة إلى مثلها

- ‌الفرع الثانيالانتقال باللقيط من الحاضرة إلى البادية

- ‌الفصل الرابعفي الاشتراك في الالتقاط

- ‌المبحث الأولأن يكون الملتقطان متساويين في الصفات

- ‌المبحث الثانيأن يستويا في الأهلية ويتفاضلا في الصفات

- ‌الفرع الأولإذا تفاضل اللقيطان في الديانة

- ‌الفرع الثانيفي تقديم العدل على مستور الحال

- ‌الفرع الثالثفي تقديم الغني على الفقير

- ‌الفرع الرابعفي تقديم المقيم على المسافر

- ‌الفرع الخامسفي تقديم المرأة على الرجل في حضانة اللقيط

- ‌الفصل الخامسفي التنازع على الالتقاط

- ‌المبحث الأولفي التنازع على الالتقاط ولا بينة لأحدهما

- ‌الفرع الأولأن يكون اللقيط في يد أحدهما

- ‌الفرع الثانيأن يكون اللقيط في يديهما معا

- ‌الفرع الثالثألا يكون اللقيط في يد واحد منهما

- ‌المبحث الثانيإذا تنازعا في الالتقاط مع قيام البينة

- ‌الفصل السادسفي إشهاد الملتقط على الالتقاط

- ‌الباب الثالثفي أحكام اللقيط

- ‌الفصل الأولفي التقاط المميز

- ‌الفصل الثانيفي إسلام اللقيط

- ‌الفصل الثالثفي نسب اللقيط

- ‌المبحث الأولفي دعوى الحر المسلم نسب اللقيط

- ‌المبحث الثانيفي دعوى المرأة الحرة نسب اللقيط

- ‌المبحث الثالثفي دعوى الكافر نسب اللقيط

- ‌المبحث الرابعفي التنازع على نسب اللقيط

- ‌الفرع الأولادعاه رجلان ولا بينة لهما وكان لأحدهما مرجح

- ‌المسألة الأولىالترجيح بإسلام أحد المتنازعين

- ‌المسألة الثانيةالترجيح بذكر وصف خفي

- ‌المسألة الثالثةالترجيح بوضع اليد

- ‌المسألة الرابعةترجيح السابق على غيره في دعوى النسب

- ‌الفرع الثانيإذا ادعاه رجلان ولم يكن هناك مرجح

- ‌الفصل الرابعفي تملك اللقيط للمال الموجود معه

- ‌المبحث الأولفي ملكيته للمال الموصول به

- ‌المبحث الثانيفي ملكية اللقيط للمال المنفصل عنه

- ‌المبحث الثالثفي ملكيته للمال المدفون تحته

- ‌الفصل الخامسفي النفقة على اللقيط

- ‌المبحث الأولفي الجهة ا لتي تجب عليها نفقة اللقيط

- ‌المبحث الثانيفي تعذر النفقة على اللقيط من بيت المال

- ‌المبحث الثالثفي الرجوع في نفقة اللقيط

- ‌الفصل السادسفي ميراث اللقيط

- ‌عقد العارية

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الثانيالأدلة على مشروعية العارية

- ‌المبحث الثالثفي حكم العارية

- ‌المبحث الرابعفي توصيف عقد العارية

- ‌الباب الأولفي أركان العارية

- ‌الفصل الأولفي الألفاظ التي تنعقد بها العارية

- ‌الفصل الثانيفي اشتراط اللفظ في صيغة الإعارة

- ‌الفصل الثالثفي انقسام ألفاظ العارية إلى صريح وكناية

- ‌الفصل الرابعفي تعليق الإعارة وإضافتها إلى المستقبل

- ‌الباب الثانيفي شروط الإعارة

- ‌الفصل الأولفي شروط المعير

- ‌الشرط الأولأن يكون المعير ممن يصح تبرعه

- ‌مبحثفي إعارة المحجور عليه للغير

- ‌الشرط الثانيأن يكون المعير مالكًا أو مأذونًا له بالإعارة

- ‌المبحث الأولفي إعارة الفضولي

- ‌المبحث الثانيفي إعارة الولي والوصي ونحوهما من مال الصغير

- ‌المبحث الثالثفي إعارة المستأجر

- ‌المبحث الرابعفي إعارة المستعير

- ‌الشرط الثالثأن يكون المعير راضيًا مختارًا

- ‌الفصل الثانيفي شروط المستعير

- ‌الشرط الأولفي اشتراط الأهلية في المستعير

- ‌المبحث الأولفي حكم استعارة الصبي والمجنون

- ‌المبحث الثانيفي إعارة المسلم للذمي

- ‌الشرط الثانيفي اشتراط أن يكون المستعير معينًا

- ‌الفصل الثالثفي أحكام المعار

- ‌المبحث الأولفي شروط العين المستعارة

- ‌الشرط الأولأن تشتمل العين المعارة على منفعة مباحة

- ‌الشرط الثانيفي اشتراط تعيين المعار

- ‌الشرط الثالثفي اشتراط قبض العين المعارة

- ‌الشرط الرابعأن يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها

- ‌المبحث الثالثفي إعارة المشاع

- ‌المبحث الرابعفي إعارة الحائط لوضع الخشب عليه

- ‌المبحث الخامسفي إعارة الأرض

- ‌الفرع الأولإعارة الأرض للزرع

- ‌الفرع الثانيفي إعارة الأرض للبناء والغرس

- ‌المبحث السادسفي إعارة المركوب

- ‌الفرع الأولفي صفة إعارة المركوب

- ‌الفرع الثانيفي كيفية ضمان العارية المركوبة

- ‌المبحث السابعفي إعارة ما يتزين به

- ‌المبحث الثامنفي إعارة الكتب لطلبة العلم

- ‌المبحث التاسعفي نفقة العارية

- ‌المبحث العاشرفي مؤنة رد العارية

- ‌الباب الثالثفي ضمان العارية

- ‌الفصل الأولفي ضمان المستعير بمقتضى العقد

- ‌الفصل الثانيفي اشترط الضمان على المستعير

- ‌الباب الرابعفي انتهاء عقد العارية

- ‌الفصل الأولانتهاء العارية بانتهاء مدتها

- ‌الفصل الثانيتنتهي الإعارة برجوع المعير أو رد المستعير

- ‌الفصل الثالثتنتهي الإعارة بجنون أو موت أحد المتعاقدين

- ‌الفصل الرابعانتهاء العارية بهلاك العين المعارة

- ‌الفصل الخامسانتهاء العارية باستحقاق العين المعارة

الفصل: ‌المبحث الرابعفي توصيف عقد العارية

‌المبحث الرابع

في توصيف عقد العارية

تقدم لنا في مقدمة الكتاب الكلام على تقسيم العقود من حيث اللزوم والجواز إلى ثلاثة أقسام: لازم من الطرفين كالبيع والإجارة، وجائز من الطرفين كالوكالة، ولازم من طرف، وجائز من الآخر كالرهن.

والسؤال: أين يقع عقد العارية من هذا التقسيم؟

[م-2091] وللجواب على ذلك نقول: أما العارية في حق المستعير فلم يختلف الفقهاء أن له رد العارية متى شاء.

قال ابن قدامة: «يجوز للمستعير الرد متى شاء بغير خلاف نعلمه؛ لأنه إباحة، فكان لمن أبيح له تركه كإباحة الطعام»

(1)

.

[م-2092] وأما العارية في حق المعير فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على:

القول الأول:

للمعير أن يرجع متى شاء، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة

(2)

.

وجه القول بالرجوع:

أن المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير فكان للمعير الرجوع فيها،

(1)

المغني (5/ 133).

(2)

العناية شرح الهداية (9/ 7)، الجوهرة النيرة (1/ 351)، المغني (5/ 133)، الفروع (4/ 469)، الإنصاف (6/ 104)، البيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني (6/ 516).

ص: 415

كما لو لم يقبض العين.

وبهذا قال الشافعية إلا في صورتين:

الصورة الأولى:

إذا أعار لدفن ميت، فله الرجوع قبل دفن الميت، فإن دفن لم يكن له الرجوع ونبش القبر إلى أن يندرس أثر المدفون، ولا يستحق المعير أجرة برجوعه؛ لأن الميت لا مال له، والعرف غير قاض به.

الصورة الثانية:

إذا أعاره جدارًا لوضع الجذوع، ففي جواز الرجوع وجهان، فإن جوزناه، فهل فائدته طلب الأجرة في المستقبل، أم التخيير بينه وبين القلع وضمان أرش النقص وجهان

(1)

.

وقال الحنفية والشافعية والحنابلة: متى تضمن الرجوع ضررًا بالمستعير لم يجز له الرجوع إلا أن الحنفية والشافعية قالوا: له أجرة المثل

(2)

.

جاء في البحر الرائق: «رجل استعار من رجل أمة لترضع ابنًا له، فأرضعته، فلما صار الصبي لا يأخذ إلا منها قال المعير: اردد علي خادمي، قال أبو يوسف: ليس له ذلك، وله مثل أجر خادمه إلى أن تفطم الصبي، وكذا لو استعار من رجل فرسًا ليغزو عليه فأعاره الفرس أربعة أشهر، ثم لقيه بعد شهرين في بلاد المسلمين فأراد أخذ الفرس كان له ذلك، وإن لقيه في بلاد الشرك في موضع لا يقدر على الكراء والشراء كان للمستعير ألا يدفعه إليه؛ لأن هذا ضرر

(1)

روضة الطالبين (4/ 436)، مغني المحتاج (2/ 270)، أسنى المطالب (2/ 331)،.

(2)

مغني المحتاج (2/ 270)، أسنى المطالب (2/ 331)، المغني لابن قدامة (5/ 133 - 134).

ص: 416

بين، وعلى المستعير أجر مثل الفرس من الموضع الذي طلب صاحبه إلى أدنى المواضع الذي يجد فيه شراء أو كراء»

(1)

.

ومثل له الحنابلة: بأن يعيره لوحًا يرقع به سفينته، فرقعها به، وولج بها في البحر، فلا يجوز له الرجوع ما دامت في البحر، وله الرجوع قبل دخولها البحر، وبعد الخروج منه لعدم الضرر فيه.

ومثل له الشافعية بأمثلة منها:

أن يعيره سفينة، فيضع المستعير فيها متاعًا، ثم يطلبها المعير في اللجة لم يجب لذلك، قال الشافعية: وامتناع الرجوع من أجل الضرر، لا للزومها.

وقال ابن الرفعة: ويظهر أن له الأجرة من حين الرجوع كما لو أعاره أرضًا لزرع فرجع قبل انتهائه.

ومنها: أن يعيره دابة أو سلاحًا للغزو، فليس له الرجوع في ذلك إذا التقى الصفان حتى ينكشف القتال، قاله الخفاف في الخصال.

ومنها: لو أراد الصلاة المفروضة، فأعاره ثوبًا ليستر به عورته، أو ليفرشه في مكان نجس، ففعل، وكان الرجوع مؤديًا إلى بطلان الصلاة، قال الإسنوي: فيحتمل منعه، وهو متجه، ويحتمل الجواز، وتكون فائدته طلب الأجرة.

وهذه الأمثلة لا تعبر عن لزوم العارية عند الشافعية في هذه الصور لأنهم إذا أثبتوا الأجرة فقد حكموا بالرجوع عن عقد العارية، وإن كان لا يلزم من الرجوع عن العارية رد العين.

(1)

البحر الرائق (7/ 280 - 281).

ص: 417

وقد كانت قواعد مذهب الشافعية أن العقود الجائزة متى تضمن الرجوع فيها إلى ضرر على أحد العاقدين فإنها تلزم، وكان مقتضى لزومها أن يبقى عقد العارية، لا أن ينتقل منه إلى عقد الإجارة، مع أن عقد الإجارة من عقود المعاوضات والذي يشترط فيه الرضا في ابتداء العقد، لا أن يعطى المستعير العين عارية حتى إذا شرع فيها وأصبح في وضع لا يتمكن من رد العارية إلا بالضرر طالبه المعير بالرد، ليحصل منه على معاوضة ما كان ليعقدها لو كان ذلك في ابتداء العقد، فإن هذا من التغرير الذي لا يسوغ، ولم يكن ينفعه أن يشترط في العارية مدة معلومة؛ لأن التوقيت وعد لا يلزم على مذهب الجمهور عدا المالكية كما سيأتي.

إذا علمت ذلك نأتي على بعض النصوص الشاهدة لما أجملناه من كلام الفقهاء.

جاء في تبيين الحقائق: «ويرجع المعير متى شاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: المنيحة مردودة، والعارية مؤادة، ولأن المنافع تحدث شيئًا فشيئًا، ويثبت الملك فيها بحسب حدوثه، فرجوعه امتناع عن تمليك ما لم يحدث فله ذلك»

(1)

.

وجاء في شرح المحلى على المنهاج: «لكل منهما: أي المستعير والمعير رد العارية متى شاء، سواء في ذلك المطلقة والمؤقتة، ورد المعير بمعنى رجوعه

إلا إذا أعار لدفن، وفعل، فلا يرجع في موضعه حتى يندرس أثر المدفون، محافظة على حرمة الميت، وله الرجوع قبل وضعه فيه، قال المتولي: وكذا بعد الوضع ما لم يواره التراب»

(2)

.

(1)

تبيين الحقائق (5/ 84).

(2)

شرح المحلى على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة (3/ 23).

ص: 418

قال قليوبي في حاشيته تعليقًا: «قد يمتنع الرجوع في العين مع صحة الرجوع في العقد لأجل أنه قد يستحق الأجرة من وقت رجوعه كمتاع في سفينة في اللجة، وثوب للصلاة مطلقًا، أو صلاة نفل، أو لحر أو برد، أو محل لسكنى معتدة، أو سكين لذبح، أو سيف لقتال»

(1)

.

وقال ابن قدامة: «وللمعير الرجوع في العارية أي وقت شاء، سواء كانت مطلقة أو مؤقتة ما لم يأذن في شغله بشيء يتضرر بالرجوع فيه ..... فإن أعاره شيئًا لينتفع به انتفاعًا يلزم من الرجوع في العارية في أثنائه ضرر بالمستعير لم يجز له الرجوع؛ لأن الرجوع يضر بالمستعير، فلم يجز له الإضرار به، مثل أن يعيره لوحًا يرقع به سفينته، فرقعها به، ولج بها في البحر، لم يجز الرجوع ما دامت في البحر، وله الرجوع قبل دخوله في البحر، وبعد الخروج منه لعدم الضرر فيه، وإن أعاره أرضًا ليدفن فله الرجوع ما لم يدفن فيها، فإذا دفن لم يكن له الرجوع، ما لم يبل الميت. وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه جاز، كما تجوز إعارة الأرض للبناء والغراس، وله الرجوع ما لم يضعه، وبعد وضعه ما لم يبن عليه؛ لأنه لا ضرر فيه، فإن بنى عليه، لم يجز الرجوع؛ لما في ذلك من هدم البناء.

وإن قال: أنا أدفع إليك أرش ما نقص بالقلع. لم يلزم المستعير ذلك؛ لأنه إذا قلعه انقلع ما في ملك المستعير منه. ولا يجب على المستعير قلع شيء من ملكه بضمان القيمة.

(1)

حاشية قليبوبي (3/ 23).

ص: 419

وإن انهدم الحائط وزال الخشب عنه، أو أزاله المستعير باختياره، لم يملك إعادته، سواء بنى الحائط بآلته أو بغيرها؛ لأن العارية لا تلزم»

(1)

.

القول الثاني:

ذهب المالكية إلى أن الإعارة إن قيدت بعمل كزراعة أرض بطنًا فأكثر مما لا يخلف كقمح، أو مما يخلف كقصب، أو قيد بأجل كسكنى الدار شهرًا مثلًا، فإنها تكون لازمة إلى انقضاء ذلك العمل أو الأجل، ولا يجوز له الرجوع قبل انتهاء العمل أو الأجل مطلقًا، وقد وافق الشافعية في قول، والحنابلة في رواية إلى لزوم الإعارة إذا كانت مؤقتة.

وإن كانت الإعارة مطلقة لم تقيد بعمل أو أجل فللمالكية ثلاثة أقوال:

الأول: وهو المعتمد أن الإعارة لا تلزم، ولربها أخذها متى شاء، ولا يلزم قدر ما تراد لمثله عادة، وهو قول ابن القاسم وأشهب.

الثاني: يلزم بقاؤها في يد المستعير قدر ما تراد لمثلها عادة.

الثالث: إن كانت الإعارة لغير البناء والغرس، كإعارة الدابة للركوب، والثوب للبس، أو كانت الإعارة لهما، ولم يحصلا لم يلزم قدر المعتاد، وإن كانت الإعارة للبناء والغرس، وحصلا فيلزم المعير بقاؤها قدر ما تراد لمثله عادة إلا أن يعطيه قال مرة: ما أنفق فيها. وقال أخرى: قيمة ما أنفق، وإن لم يعطه ذلك تركه إلى مثل ما يرى الناس أنه إعارة إلى مثله من الأمد.

(1)

المغني (5/ 133 - 134).

ص: 420

وقد اختلف الشارحون: في الجمع بين الأمر بدفع ما أنفق، أو بدفع قيمة ما أنفق على ثلاثة أوجه:

الأول: يدفع قيمة ما أنفق إن لم يشتره، بأن كان ما بنى به أو غرسه من عنده، ويدفع ما أنفق إن اشتراه بثمن.

والثاني: يدفع قيمة ما أنفق إن طال الزمان على البناء والغرس قبل إخراجه لتغيره، ويدفع ما أنفق إذا كان بالقرب جدًا.

والثالث: يدفع قيمة ما أنفق إن كان اشتراه بغبن كثير، ويدفع ما أنفق إن اشتراه بلا غبن، أو غبن يسير. هذا ملخص مذهب المالكية

(1)

.

وجاء في تحفة المحتاج: «والعارية المؤقتة كالمطلقة ـ يعني في جواز الرجوع فيها ـ لأن التأقيت وعد لا يلزم، وقيل: لا يجوز له الرجوع حينئذ وإلا لم يكن للتأقيت فائدة»

(2)

.

وجاء في الإنصاف: «وعنه: إن عين مدة تعينت، قال الحارثي: وهو الأقوى، وعنه: لا يملك الرجوع قبل انتفاعه بها مع الإطلاق. قال القاضي: قياس المذهب يقتضيه»

(3)

.

(1)

الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (3/ 577)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (3/ 439)، شرح الخرشي (3/ 439)، مواهب الجليل (5/ 270 - 271)، التاج والإكليل (5/ 271)، منح الجليل (7/ 63)، الفواكه الدواني (2/ 168)، الإنصاف (6/ 104).

(2)

نهاية المحتاج (5/ 434).

(3)

الإنصاف (6/ 104).

ص: 421

الراجح:

أن عقد العارية عقد جائز إلا أنه إذا تضمن فسخ العقد الجائز ضررًا فإنه يلزم، ولا أجرة للمعير.

وكان هذا كما قلت: هو مقتضى قواعد مذهب الشافعية والحنابلة وإن خالف الشافعية ذلك في عقد العارية، وقالوا بالانتقال إلى أجرة المثل، حيث صححوا الرجوع عن العقد، وأبقوا العين في يد المستعير بأجرة المثل.

جاء في المنثور في القواعد الفقهية: «العقود الجائزة إذا اقتضى فسخها ضررًا على الآخرين امتنع وصارت لازمة»

(1)

.

وقال ابن رجب: «التفاسخ في العقود الجائزة متى تضمن ضررًا على أحد المتعاقدين أو غيرهما ممن له تعلق بالعقد لم يجز، ولم ينفذ إلا أن يمكن استدراك الضرر بضمان ونحوه، فيجوز على ذلك الوجه»

(2)

.

* * *

(1)

المنثور في القواعد الفقهية (2/ 401)، وانظر أسنى المطالب (3/ 76).

(2)

قواعد ابن رجب، القاعدة الستون (ص: 110).

ص: 422