الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
أن يستويا في الأهلية ويتفاضلا في الصفات
الفرع الأول
إذا تفاضل اللقيطان في الديانة
[م-2054] إذا كان كل من الملتقطين أهلًا للكفالة، بحيث لو انفرد أحدهما في الالتقاط لم ينزع منه اللقيط، ولكن يوجد بعض صفات التفضيل عند أحدهما ترجحه على الآخر، فهل يسلم للأصلح منهما لكون ذلك أنفع للقيط؟
هذا ما سنقف عليه من خلال هذا المبحث والمباحث التي تليه، ولما كانت صفات التفاضل كثيرة، اخترت أن أبحث أهمها مما وقع فيه خلاف.
[م-2055] فإذا كان اللقيط محكومًا بكفره، واشترك المسلم والذمي في التقاطه، فهل يقدم المسلم على الكافر؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول:
يفضل المسلم على الكافر، وهذا مذهب الحنفية، وقول في مذهب الشافعية، ورجحه ابن قدامة من الحنابلة، وقال الحارثي: وهو الصحيح بلا تردد
(1)
.
جاء في الدر المختار: «لو وجده مسلم وكافر فتنازعا قضي به للمسلم؛ لأنه
(1)
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4/ 271)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 702)، حاشية الشرنبلالي على درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 129)، البحر الرائق (5/ 157).
وينبغي تذكر الخلاف في مذهب الحنفية في الحكم بإسلام اللقيط، هل يحكم بإسلامه اعتبارًا للمكان، أو اعتبارًا للواجد، أو بما هو أنفع ثلاثة أقوال في مذهبهم.
فإذا وضع اثنان أيديهما على اللقيط، وكان أحدهما مسلمًا، والآخر كافرًا، وقلنا: الحكم للواجد، أو بما هو أنفع للقيط، فلا شك أنه سيقدم المسلم على الكافر؛ لأن ذلك يعني الحكم بإسلام اللقيط، وهذا أنفع له.
كما تكلم الحنفية بما إذا تنازع مسلم وذمي في نسب اللقيط فإنه يحكم له بالإسلام عند الحنفية؛ لأنه أنفع له، جاء في تبيين الحقائق (3/ 300):«والمسلم أحق من الذمي عند التنازع؛ لأنه أنفع له» . وانظر الفتاوى الهندية (2/ 288).
وانظر في قول الحنابلة: مطالب أولي النهى (4/ 249)، المغني (6/ 42)، الإنصاف (6/ 439، 442).
أنفع للقيط خانية»
(1)
.
وقال ابن قدامة: «وإن التقط مسلم وكافر طفلًا محكومًا بكفره، فالمسلم أحق»
(2)
.
° وجه تقديم المسلم على الذمي في حضانة اللقيط:
أن تقديم المسلم أنفع للقيط، حيث ينشأ على الإسلام، ويتعلم أحكام الدين، وهذا أهم ما يحصله العبد في حياته، بل هو الغاية التي خلق من أجلها، وهو مولود على الفطرة، فإذا التقطه كافر بدل فطرته التي فطره الله عليها، وهل هناك جرم أكبر من أن يكون المربي سببًا في كفر من تحت يده.
القول الثاني:
لا يفضل المسلم على الذمي، وبه قال بعض الحنفية، وهو مذهب الشافعية،
(1)
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (4/ 271).
(2)
المغني (6/ 42).
ومذهب الحنابلة
(1)
.
قال النووي: «ويتساوى المسلم، والذمي في اللقيط المحكوم بكفره، وقيل: يقدم المسلم»
(2)
.
وجاء في الإقناع: «لو التقط الكافرَ مسلم وكافر فهما سواء، وقيل: المسلم أحق اختاره جمع»
(3)
.
وجاء في المغني: «قال أصحابنا، وأصحاب الشافعي: هما سواء؛ لأن للكافر ولاية على الكافر، ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه، فساوى المسلم في ذلك»
(4)
.
° وجه القول بأن المسلم والذمي في التقاط الكافر سواء:
إذا كان اللقيط كافرًا أصبحت المقارنة بين المسلم والذمي إنما هو في الالتقاط لا في اللقيط، وهما في الالتقاط قد اشتركا، ولا مرجح لأحدهما في الفعل؛ وإنما لم يكن هناك مرجع من جهة اللقيط؛ لأن اللقيط محكوم بكفره، والملتقط الكافر له ولاية عليه، ويقر في يده إذا انفرد، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 8].
(1)
الوسيط (4/ 318)، روضة الطالبين (5/ 420)، أسنى المطالب (2/ 497)، حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 125)، تحفة المحتاج (6/ 345)، كشاف القناع (4/ 230)، الإنصاف (6/ 439، 442)، المغني (6/ 42)، مطالب أولي النهى (4/ 249)، الإقناع (2/ 406)، كشاف القناع (4/ 230).
(2)
روضة الطالبين (5/ 420).
(3)
الإقناع (2/ 406).
(4)
المغني (6/ 42).
قال ابن عابدين: «ظاهر تعليل الخانية بأنه أنفع للقيط عدم اختصاص الترجيح بالإسلام»
(1)
.
° الراجح:
أرى أن مذهب الجمهور هو الصواب قطعًا، لأنهما وإن اشتركا في الالتقاط؛ إلا أن المسلم أنفع للقيط، وإذا كنا نقدم الغني على الموسر، والمقيم على المتنقل، فكيف لا نقدم المسلم على غيره من الكفار!! والله أعلم.
(1)
حاشية ابن عابدين (4/ 271).