الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
في وجوب الفورية في التعريف
الأمر بالفعل يقتضي الفور إلا بقرينة.
[م-1995] إذا وجب تعريف اللقطة، فهل يجب فور التقاطها، أم المطلوب تعريفها سنة متى أراد؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال، وسبب الخلاف يرجع إلى مسألة أصولية، هل الأمر يقتضي الفور أم لا؟
القول الأول:
أن التعريف واجب على الفور، وهو مذهب المالكية، ووجه في مقابل الأصح عند الشافعية، وقال به القاضي أبو الطيب منهم، واعتمده الغزالي، والمذهب عند الحنابلة
(1)
.
قال العدوي المالكي: «متى أخر تعريفها وتلفت فإنه يضمنها»
(2)
.
وجاء في مواهب الجليل: «يجب التعريف عقب الالتقاط، قال ابن الحاجب: ويجب تعريفها سنة عقيبه»
(3)
.
(1)
مواهب الجليل (6/ 72)، جامع الأمهات (ص: 458)، شرح الخرشي (7/ 124)، حاشية العدوي على الخرشي (7/ 124)، حاشية الدسوقي (4/ 120)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/ 171)، الذخيرة للقرافي (9/ 109)، تحفة المحتاج (6/ 332)، نهاية المحتاج (5/ 439)، حاشية الجمل (3/ 609)، المحرر (1/ 371)، الفروع (4/ 567)، الإنصاف (6/ 411)، المبدع (5/ 281).
(2)
حاشية العدوي على الخرشي (7/ 124).
(3)
مواهب الجليل (6/ 72).
وجاء في تحفة المحتاج: «لا تجب المبادرة للتعريف، وهو ما صححاه لكن خالف فيه القاضي أبو الطيب، فقال: يجب فورًا واعتمده الغزالي»
(1)
.
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي كما في القواعد لابن اللحام: «لا خلاف أن التعريف معتبر عقيب التقاطها»
(2)
.
° حجة القول بأنه يجب على الفور:
الحجة الأولى:
أن النبي عليه السلام أمر بتعريفها حين سئل عنها، والأمر بالفعل يقتضي الفورية، ولهذا ذم الله إبليس على عدم الفور بقوله:{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} الآية [الأعراف: 12].
(ح-1223) وروى البخاري من حديث المسور بن مخرمة ومروان،
أن النبي عليه السلام لما قال لأصحابه في صلح الحديبية: قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس
(3)
.
فلو لم يكن الأصل في الأمر الفورية لم يغضب النبي عليه السلام.
الحجة الثانية:
التأخير في تعريفها يفوت معرفة المالك؛ إذ الغالب على الناس أنهم يجدُّون
(1)
تحفة المحتاج (6/ 332).
(2)
القواعد لابن اللحام تحقيق ناصر الغامدي (2/ 655).
(3)
البخاري (2731).
في البحث عن أموالهم بعد ضياعها، فإذا ذهب عام على فقدها بدا صاحبها يسلو عنها، وييئس من الحصول عليها، ويترك طلبها.
القول الثاني:
لا يجب أن يكون التعريف على الفور، بل المطلوب تعريفها سنة متى أراد، وهذا هو أصح الوجهين في مذهب الشافعية
(1)
.
قال النووي: «وفي وجوب المبادرة بالتعريف على الفور وجهان:
الأصح الذي يقتضيه كلام الجمهور: لا يجب، بل المعتبر تعريف سنة متى كان»
(2)
.
وفي أسنى المطالب: «ولا يشترط الفور للتعريف، بل المطلوب التعريف سنة متى كان»
(3)
.
° حجة هذا القول:
أن الحديث فيه الأمر بتعريفها، وصيغة (عرفها) طلب للتعريف في الزمن المستقبل، فإذا عرفها في أي وقت كان المأمور ممتثلًا للأمر، والأمر بالفعل لا يدل إلا على مجرد طلب الفعل فقط، وكونه على الفور أو على التراخي خارج عن مدلوله، وإنما يفهم ذلك بالقرائن، وليس في صيغة الأمر ما يدل على طلب الفورية لا بلفظه، ولا بمعناه.
(1)
أسنى المطالب (2/ 491)، مغني المحتاج (2/ 412)، الحاوي الكبير (8/ 13)، كفاية الأخيار (ص: 315)، روضة الطالبين (5/ 407)،.
(2)
روضة الطالبين (5/ 407).
(3)
أسنى المطالب (2/ 491).
القول الثالث:
لا يجوز تأخيره عن زمن تطلب فيه عادة، ويختلف ذلك بقلتها وكثرتها، اختاره الأذرعي من الشافعية، وبه قال البلقيني والسبكي
(1)
.
جاء في حاشية الجمل: «والأوجه ما توسطه الأذرعي، وهو عدم جواز تأخيره عن زمن تطلب فيه عادة، ويختلف بقلتها وكثرتها، ووافقه السبكي فقال: يجوز التأخير ما لم يغلب على ظنه فوات معرفة المالك به»
(2)
.
وقال الرملي: «ولا يشترط الفور محله ما لم يغلب على ظن الملتقط أن التأخير يفوت معرفة المالك، وإلا وجب البدار»
(3)
.
° الراجح:
أن الأمر بالفعل يقتضي الفور إلا بقرينة تدل على جواز التأخير، والله أعلم.
* * *
(1)
حاشية الجمل (3/ 610)، تحفة المحتاج (6/ 332).
(2)
حاشية الجمل (3/ 609 - 610).
(3)
حاشية الرملي على أسنى المطالب (2/ 491).
المبحث السادس
في ضمان الملتقط إذا أخر التعريف
[م-1996] إذا قلنا: إن التعريف ليس على الفور كما هو الأصح في مذهب الشافعية فلن يضمن إذا أخره؛ وهذا بين.
وإذا قلنا: إن التعريف على الفور، فلا إشكال في استحقاق الإثم واللوم بتأخيره.
وهل يضمن اللقطة إذا ضاعت؟ في ذلك خلاف بين العلماء على قولين:
القول الأول:
يضمن مطلقًا، وهو قول في مذهب المالكية، والمذهب عند الحنابلة
(1)
.
قال العدوي المالكي: «متى أخر تعريفها وتلفت فإنه يضمنها»
(2)
.
وقال ابن اللحام الحنبلي: «فلو أخر مع الإمكان فلا إشكال في الإثم واستقرار الضمان، ذكره في التلخيص وغيره»
(3)
.
° وجه القول بالضمان:
أن اللقطة أمانة في يد الملتقط، وقد وجب عليه تعريفها بالتقاطه إياها فترك حقها تفريط موجب للضمان.
(1)
الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/ 171)، حاشية الدسوقي (4/ 120)، مواهب الجليل (6/ 72)، شرح الخرشي (7/ 124)، الإنصاف (6/ 412)، المبدع (5/ 282).
(2)
حاشية العدوي على الخرشي (7/ 124).
(3)
القواعد لابن اللحام (2/ 655).
القول الثاني:
يضمن إن أخر التعريف سنة كاملة، وهو أحد القولين في مذهب المالكية
(1)
.
قال الدردير في الشرح الكبير: «فإن أخره سنة، ثم عرفه فهلك ضمن»
(2)
.
وعلق الدسوقي في حاشيته: «إنما قيد بالسنة؛ لأن الضمان إذا ضاعت حال التعريف إنما يكون إذا أخره سنة وأما إن أخره أقل من سنة، ثم شرع فيه فضاعت فلا ضمان»
(3)
.
والقول الأول أحوط، والله أعلم.
* * *
(1)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (4/ 120).
(2)
الشرح الكبير (4/ 120).
(3)
حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير (4/ 120).