الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في وقوف تملك اللقطة على نية الملتقط أو لفظه
النية في اللقطة مؤثرة، فإن أخذها بنية تعريفها جاز، وإن أخذها بنية تملكها مباشرة حرم.
الملك نوعان: متلقى من الشرع كالإرث فلا يفتقر إلى نية، واكتساب من العبد فلا يملك إلا بالنية.
[م-2006] هذه المسألة لا تتنزل على مذهب الحنفية القائلين بأن اللقطة لا يمتلكها بالتعريف، وأما القائلون بأن اللقطة تملك بالتعريف فقد اختلفوا في صفة دخول اللقطة ملك الملتقط على أقوال أربعة:
القول الأول:
يشترط التلفظ بالتملك، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية
(1)
.
قال النووي في الروضة: ««يجوز تملك اللقطة بعد التعريف، سواء كان الملتقط غنيًا أو فقيرًا ومتى تملك؟ فيه أوجه. أصحها: لا تملك إلا بلفظ، كقوله: تملكت ونحوه»
(2)
.
(1)
نهاية المطلب (8/ 446)، البيان للعمراني (7/ 531)، المهذب (1/ 430)، روضة الطالبين (5/ 412)، أسنى المطالب (2/ 494)، تحفة المحتاج (6/ 337)، نهاية المحتاج (5/ 442).
(2)
الروضة (5/ 412).
° حجة هذا القول:
الدليل الأول:
أن التملك في اللقطة يعتبر تملك مال ببدل أي بشرط دفع بدله عند وجود صاحبه فيفتقر إلى لفظ كالتملك بالشراء.
ويناقش من وجهين:
الوجه الأول:
أن البيع والشراء عقد بين طرفين قائم على الإيجاب والقبول، وتملك اللقطة ليس عقدًا.
الوجه الثاني:
لو كانت تملك اللقطة شراءً لاشترط في صحته معرفتها حتى لو جهلت لم يصح التملك، مع أن معرفتها إنما هو شرط لاستهلاكها ليعلم ما يرده إلى مالكها، وليس شرطًا في صحة تملكها، والله أعلم.
الدليل الثاني:
أن نية التملك لا يستفاد منها الملك، كما أن نية الطلاق أو البيع لا يقع بها طلاق، ولا بيع، فلا بد من لفظ لحصول الملك.
ويناقش:
بأن النية في اللقطة مؤثرة في الحكم، فإن أخذها الملتقط بنية تعريفها جاز له التقاطها، وإن أخذها بنية تملكها مباشرة حرم عليه ذلك وكان بمنزلة الغاصب، فلو تلفت ضمنها مطلقًا ولو لم يتعد أو يفرط، فإذا كانت النية مؤثرة في حكم الالتقاط كانت النية مؤثرة في تملكها من باب أولى، والله أعلم.
القول الثاني:
يحصل الملك بنية التملك، وإن لم يتلفظ بها، وهذا مذهب المالكية، وقول في مذهب الشافعية
(1)
.
(2)
.
وقال ابن شاس: «فإن اختار تملكها ثبت ملكه عليها»
(3)
.
° حجة هذا القول:
قوله عليه السلام في حديث زيد بن خالد الجهني: (فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)
فالحديث ظاهر في التخيير بين التملك وتركه.
القول الثالث:
يحصل الملك بثلاثة أشياء: بمضي السنة، ولفظ التملك، والتصرف الذي يزيل الملك، وهذا قول في مذهب الشافعية
(4)
.
(1)
الذخيرة للقرافي (9/ 113)، الشرح الكبير (4/ 121)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/ 172)، التاج والإكليل (6/ 74)، شرح الخرشي (7/ 125)، شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 96)، نهاية المطلب (8/ 446)، البيان للعمراني (7/ 531)، الحاوي الكبير (3/ 316)، روضة الطالبين (5/ 412).
(2)
الشرح الكبير (4/ 121).
(3)
عقد الجواهر الثمينة (3/ 992).
(4)
نهاية المطلب (8/ 446)، المهذب (1/ 430).
° وجه هذا القول:
أما اعتبار اللفظ فقد سبق بيان وجه اعتباره، وأما اعتبار التصرف فقد خرجوه على قاعدة القرض؛ فإن اللقطة تملك ملك القروض، والقرض عند الشافعية يجب رده بعينه ما دام باقيًا، فإذا استهلكه وجب رد بدله، فكان رد البدل متوقفًا على التصرف في عينه، فكذلك اللقطة لا تملك إلا بالتصرف فيها الموجب لرد بدلها، وقد سبق بيانه في عقد القرض.
القول الثالث:
تدخل ملكه بمضي السنة بعد التعريف حكمًا، وهذا مذهب الحنابلة، واختاره أبو سعيد الاصطخري من الشافعية
(1)
.
قال ابن قدامة: «فإن لم تعرف دخلت في ملك الملتقط عند الحول حكما كالميراث»
(2)
.
° دليل الحنابلة على دخولها في ملكه من غير اختيار:
الدليل الأول:
(ح-1232) ما رواه مسلم من طريق وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن أبي بن كعب، وفيه: فإن جاء أحد يخبرك بعددها
(1)
المهذب (1/ 430)، الحاوي الكبير (3/ 316)، تحفة المحتاج (6/ 337)، الإنصاف (6/ 413)، المبدع (5/ 282)، الكافي لابن قدامة (2/ 354)، الإقناع (2/ 401)، شرح منتهى الإرادات (2/ 382)، رؤوس المسائل (3/ 1076)، مطالب أولي النهى (4/ 230)، المقنع شرح مختصر الخرقي (2/ 783).
(2)
الكافي لابن قدامة (2/ 354).
ووعائها ووكائها فأعطها إياه، وإلا فهي كسبيل مالك
(1)
.
الدليل الثاني:
أن تملك اللقطة من باب الاكتساب الذي أباحه الشرع فلا يعتبر فيه اختيار التمليك والقبول كالصيد والاحتشاش، والاحتطاب، والركاز.
° الراجح:
الخلاف له ثمرة، وذلك أنه إذا قام بتعريفها، فإن قلنا: لا يملكها إلا بالنية، فتلفت قبل أن ينوي تملكها بلا تعد منه ولا تفريط لم يضمنها؛ لأنها أمانة في يده، وإن قلنا: إنه يملكها قهرًا بغير اختيار، فإذا تلفت بعد السنة تلفت من ماله؛ لدخولها في ملكه فيجب عليه ضمانها حتى ولو لم يتعد أو يفرط، إذا علم ذلك نقول: إن قياس ملك اللقطة على ملك الإرث قياس مع الفارق فالملك في الميراث متلقى من الشرع، فلا يمكن دفعه، والملك في اللقطة إذا قلنا: إنه اكتساب فهو ملك متلقى بفعل الملتقط، فإذا كان الملتقط لا يريد هذا الملك لم يجبر عليه، فلا تدخل اللقطة في ملكه إلا بإرادته، فإن أراد حفظها لصاحبها كانت بمنزلة الوديعة في يده، وإن أراد التصدق بها فله ذلك بشرط ضمانها إن وجد مالكها، وإن أراد تملكها كان له ذلك، والفعل الأول والثالث لا يتميز إلا بالنية، فإن قال: أردت حبسها لصاحبها لم تدخل ضمانه، وإن قال: أردت تملكها والانتفاع بها ضمن بدلها لصاحبها إذا تلفت، فكان كل ذلك متوقف على النية، والله أعلم.
* * *
(1)
صحيح مسلم (10 - 1723).