الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
في التقاط الفاسق
[م-2038] اختلف العلماء في صحة التقاط الفاسق، على قولين:
القول الأول:
يصح التقاط الفاسق، وهذا مذهب الحنفية، فإن خيف منه الفجور باللقيط نزع منه قبيل حد الاشتهاء
(1)
.
أي قبيل أن يصبح اللقيط محلًا للشهوة حماية له، وأما قبل ذلك فإنه يقر اللقيط في يد الفاسق كما قالوا في التقاط الكافر، يصح منه، وينزع منه قبل أن يعقل الدين حتى لا يفسد عليه دينه.
قال ابن عابدين: «ولا يشترط كونه مسلمًا عدلًا رشيدًا لما سيأتي من أن التقاط الكافر صحيح، والفاسق أولى»
(2)
.
° وجه قول الحنفية على صحة التقاط الفاسق:
الوجه الأول:
القياس على التقاط الكافر، فإذا صح التقاط الكافر صح التقاط الفاسق من باب أولى.
(1)
حاشية ابن عابدين (4/ 269،270)، منحة الخالق حاشية على البحر لرائق (5/ 156).
(2)
حاشية ابن عابدين (4/ 269).
ويناقش:
بأن التقاط الكافر مختلف فيه إلا إذا كان اللقيط محكومًا بكفره، فلا نسلم لكم هذا القياس.
الوجه الثاني:
أن الشرط في الملتقط أن يكون أهلًا للحفظ، والفاسق في هذا كالمسلم، فإذا سبقت يد الفاسق إلى اللقيط لم يكن لأحد أن ينزعه منه؛ لقوة اليد، والله أعلم.
الوجه الثالث:
القياس على لقطة المال، فإذا أقرت لقطة المال في يده، وصح التقاطه لها صح التقاط الآدمي.
ويناقش:
بأن اللقطة اكتساب فجاز أن يستوي فيها الأمين وغيره، والتقاط المنبوذ ولاية، فاختلف فيها الأمين وغيره، ولأن شأن اللقيط أخطر من شأن اللقطة؛ لأن النفس أخطر من المال.
القول الثاني:
لا يصح التقاط الفاسق، وهذا مذهب الجمهور، من المالكية، والشافعية، والحنابلة
(1)
.
(1)
بداية المجتهد (2/ 232)، الذخيرة (9/ 131)، المهذب (1/ 435)، نهاية المطلب (8/ 506)، الوسيط للغزالي (4/ 304)، البيان للعمراني (8/ 18)، روضة الطالبين (5/ 419)، تحفة المحتاج (6/ 344)، حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 125)، الحاوي الكبير (8/ 36)، الكافي لابن قدامة (2/ 365)، المحرر (1/ 373)، كشاف القناع (4/ 229)، الإنصاف (6/ 437)، الإقناع (2/ 406).
° دليل الجمهور على اشتراط العدالة في الملتقط:
الدليل الأول:
(ث-313) ما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب،
عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم، أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب، قال: فجئت به إلى عمر بن الخطاب، فقال:«ما حملك على أخذ هذه النسمة» ؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها، فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال له عمر: أكذلك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطاب: «اذهب فهو حر ولك، ولاؤه وعلينا نفقته
(1)
.
[صحيح، وسنين أبو جميلة معدود في الصحابة].
وجه الاستدلال:
أن عمر أقر أبا جميلة على أخذ اللقطة حين قال له عريفه: إنه رجل صالح.
الدليل الثاني:
أن الالتقاط أمانة محضة صادرة من ائتمان الشرع، والشرع لا يأتمن الفاسق، فلا يؤمن على ماله خوفًا من استهلاكه، ولا يؤمن على بدنه خوفًا من استرقاقه، وإن كان الأخير ربما كان مخوفًا في العصور السابقة، وأما الآن فلم يعد الاسترقاق موجودًا.
(1)
الموطأ (2/ 738)، ومن طريق مالك رواه الشافعي في مسنده (456).
ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (7/ 311) من طريق سفيان، عن الزهري به.
الدليل الثالث:
رأى بعض العلماء أن القيام بأمر اللقيط ولاية، والفاسق ليس من أهل الولاية
(1)
.
(2)
.
الدليل الرابع:
أنه لا حظ للمنبوذ في تركه في يد الفاسق من حيث تربيته، وتعليمه ما ينفعه.
° الراجح:
أننا نظر في موجب الفسق، فإن كان يعود إلى الالتقاط، كان مؤثرًا، ولا يصح التقاطه، وإن كان فسقه لا يعود إلى الالتقاط صح ذلك، كما قلنا في اشتراط الأمانة، والله أعلم.
* * *
(1)
انظر البيان للعمراني (8/ 18).
(2)
أعلام الموقعين (4/ 145).