الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في ولاية الملتقط على مال اللقيط
[م-2045] الخلاف في ولاية الملتقط على مال اللقيط ترجع إلى المسألة المتقدمة في توصيف تصرف الملتقط، هل هو يتصرف بموجب الولاية، أو بموجب الأمانة؟
فمن قال: إن له ولاية على اللقيط كالحنابلة جعلوه بمنزلة الوصي، وولي اليتيم، وعليه فله أن يتصرف بماله بما يعود عليه بالمصلحة.
ومن قال: ليس له ولاية مطلقة كالحنفية والشافعية، جعلوه بمنزلة الأم لها ولاية الحضانة والحفظ فقط، وعليه فيمنع الملتقط من التصرف في ماله بيعًا وشراء، وإجارة، وتزويجًا.
وأما ولاية الإنفاق عليه من ماله أو من بيت المال فالفقهاء متفقون على أن الملتقط يملك ولاية الإنفاق عليه؛ لأنه مأمور بالمحافظة عليه، ولا بقاء له بدون الإنفاق عليه، على خلاف بينهم، هل يشترط إذن القاضي في النفقة، أو ينفق عليه ولو لم يستأذن الحاكم على قولين:
القول الأول:
ينفق عليه بأمر القاضي، فإن لم يكن هناك قاض أشهد على الإنفاق، وهذا هو أحد القولين في مذهب الحنفية، والمذهب عند الشافعية، وهو رواية في مذهب الحنابلة
(1)
.
(1)
البناية شرح الهداية (7/ 320)، الفتاوى الهندية (2/ 285)، العناية شرح الهداية (6/ 116)، الهداية شرح البداية (2/ 416)، تبيين الحقائق (3/ 300)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 31)، النتف في الفتاوى للسغدي (2/ 588)، البحر الرائق (5/ 160)، روضة الطالبين (5/ 427)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (8/ 14)، كفاية الأخيار (ص: 320)، تحفة المحتاج (6/ 349 - 350)، أسنى المطالب (2/ 499)، المهذب (1/ 435)، الإنصاف (6/ 437)، المبدع (5/ 296).
وقال الشافعية: للملتقط أن يستقل بحفظ المال على الأصح، ولا ينفق عليه إلا بإذن الحاكم إذ أمكن مراجعته.
جاء في الاختيار لتعليل المختار: «وإذا كان على اللقيط مال مشدود فهو له عملًا بالظاهر، وينفق عليه منه بأمر القاضي، لعموم ولايته ويصدق عليه في نفقة مثله.
وقيل: لا يحتاج إلى أمر القاضي؛ لأن المال له فينفق عليه منه، وله ولاية ذلك فيشتري له ما يحتاج إليه من الكسوة والطعام وغيرهما»
(1)
.
(2)
.
وقال النووي: «إذا كان للقيط مال، هل يستقل الملتقط بحفظه؟ وجهان، أحدهما: لا، بل يحتاج إلى إذن القاضي، إذ لا ولاية للملتقط. وأرجحهما على ما يقتضيه كلام البغوي: الاستقلال
…
ولو ظهر منازع في المال
(1)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 31).
(2)
النتف في الفتاوى للسغدي (2/ 588).
المخصوص باللقيط، فليس للملتقط مخاصمته على الأصح، وسواء قلنا: له الاستقلال بالحفظ أم لا، فليس له إنفاقه على اللقيط إلا بإذن القاضي إذا أمكن مراجعته. فإن أنفق، ضمن، ولم يكن له الرجوع على اللقيط كمن في يده مال وديعة ليتيم أنفقها عليه. وحكى ابن كج وجها أنه لا يضمن وهو شاذ»
(1)
.
وقال العمراني في البيان: «إن كان في البلد حاكم لم يجز للملتقط أن ينفق على اللقيط من ماله بغير إذن الحاكم؛ لأن الملتقط لا ولاية له على مال اللقيط، وإنما له الولاية على حضانته، فإن خالف وأنفق عليه من ماله بغير إذن الحاكم .. لزمه الضمان؛ لأنه تعدى بذلك»
(2)
.
واحتج أصحاب هذا القول:
الحجة الأولى:
أن ولاية التصرف في المال لا تثبت إلا للأب أو الجد، أو الوصي، أو الحاكم، والملتقط ليس واحدًا من هؤلاء.
الحجة الثانية:
أن اللقيط له ولاية الحضانة، وهي لا تعطيه الولاية على ماله كالأم، فاحتاج الأمر إلى مراجعة القاضي؛ لأنه ولي من لا ولي له.
الحجة الثالثة:
القياس على من أودع مالًا وغاب، وله ولد، فلا ينفق الوديع على ولده من
(1)
روضة الطالبين (5/ 427).
(2)
البيان للعمراني (8/ 14).
الوديعة عليه؛ لأنه لا ولاية له، فكذلك الملتقط لا ولاية له على مال اللقيط، فلا ينفق عليه حتى يأمره الحاكم بالإنفاق عليه.
القول الثاني:
للملتقط أن ينفق على اللقيط ولو بدون أمر القاضي، وهو أحد القولين في مذهب الحنفية، ووجه مرجوح في مذهب الشافعية، والمذهب عند الحنابلة
(1)
.
(ث-315) واستدل الحنابلة بما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب،
عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم، أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب، قال: فجئت به إلى عمر بن الخطاب، فقال:«ما حملك على أخذ هذه النسمة» ؟ فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها، فقال له عريفه: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال له عمر: أكذلك؟ قال: نعم، فقال عمر بن الخطاب: «اذهب فهو حر ولك، ولاؤه وعلينا نفقته
(2)
.
[صحيح، وسنين أبو جميلة معدود في الصحابة].
وجه الاستدلال:
قول عمر: (لك ولاؤه)، أي ولايته، فأثبت له الولاية.
(1)
تبيين الحقائق (3/ 300)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 31)، البحر الرائق (5/ 160)، مغني المحتاج (2/ 421)، روضة الطالبين (5/ 427)، نهاية المحتاج (5/ 454)، الإنصاف (6/ 437)، المبدع (5/ 296)، كشاف القناع (4/ 228)، مطالب أولي النهى (4/ 248).
(2)
الموطأ (2/ 738)، ومن طريق مالك رواه الشافعي في مسنده (456).
ورواه الطحاوي في مشكل الآثار (7/ 311) من طريق سفيان، عن الزهري به.
الدليل الثاني:
القياس على الوصي بجامع أن كلًا منهما يلي حضانة الصغير لا من أجل القرابة، فكان له النظر في الإنفاق عليه بدون الرجوع إلى الحاكم.
الدليل الثالث:
إذا كان أمينًا في القيام بمصالح اللقيط من الحضانة والتربية، والتعليم، والحفظ كان أمينًا في الإنفاق عليه من باب أولى؛ لأن حفظ البدن أخطر من حفظ المال، فكيف يكون أمينًا على حفظ بدنه، ولا يكون أمينًا على الإنفاق من ماله.
° الراجح:
أرى أن الملتقط له ولاية الإنفاق على اللقيط دون إذن من القاضي، وإن رجع كان أفضل، والله أعلم.
* * *