الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في إعارة المسلم للذمي
[م-2110] اختلف الفقهاء في إعارة المسلم للكافر على أقوال:
القول الأول:
لا يجوز إعارة المسلم للكافر للخدمة، وأما إجارته في الذمة فتجوز، وهذا مذهب المالكية، والحنابلة في المشهور، وأحد القولين في مذهب الشافعية
(1)
.
(2)
.
وقال العمراني في البيان: «ولا يجوز إعارة العبد المسلم من الكافر؛ لأنه لا يجوز له استخدامه»
(3)
.
(1)
شرح الخرشي (6/ 122)، المهذب (1/ 363)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (6/ 508)، كشاف القناع (4/ 63) و (3/ 560)، الإنصاف (6/ 103).
(2)
شرح الخرشي (6/ 122).
(3)
البيان للعمراني (6/ 508).
وقال الشيرازي: «ولا تجوز إعارة العبد المسلم من الكافر؛ لأنه لا يجوز له أن يخدمه»
(1)
.
وجاء في كشاف القناع: «وتحرم إعارة عبد مسلم لكافر لخدمته خاصة
…
فإن أعاره أو أجره لعمل في الذمة غير الخدمة صحتا، وتقدم في الإجارة»
(2)
.
وانتقد الحارثي الحنبلي تخريجها على الإجارة، وقال: لا يتخرج هنا من الخلاف مثل الإجارة؛ لأن الإجارة معاوضة، فتدخل في جنس البياعات، وهنا بخلافه»
(3)
.
وقال ابن قدامة: «ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر؛ لأنه لا يجوز تمكينه من استخدامه، فلم تجز إعارته لذلك»
(4)
.
القول الثاني:
تكره إعارة العبد المسلم لكافر، وهذا مذهب الشافعية، وقول في مذهب الحنابلة
(5)
.
جاء في أسنى المطالب: «قد تجب ـ يعني الإعارة ـ كإعارة الثوب لدفع حر أو برد .... وقد تحرم كإعارة الصيد من المحرم، والأمة من الأجنبي، وقد
(1)
المهذب (1/ 363).
(2)
كشاف القناع (4/ 63) وانظر (3/ 560).
(3)
الإنصاف (6/ 103).
(4)
المغني (5/ 132).
(5)
الوسيط (3/ 369)، أسنى المطالب (2/ 324)، تحفة المحتاج (5/ 418)، الشرح الكبير للرافعي (11/ 213)، الإنصاف (6/ 102 - 103).
تكره، كإعارة العبد المسلم من كافر»
(1)
.
وفي تحفة المحتاج: «ويكره إعارة عبد مسلم لكافر واستعارته؛ لأن فيها نوع امتهان، ولم تحرم خلافًا لجمع؛ لأنه ليس فيها تمليك لشيء من منافعه فليس فيها تمام استذلال، ولا استهانة»
(2)
.
وقال النووي في الروضة: «ويجوز إعارة العبد المسلم لكافر قطعًا»
(3)
.
وفي حاشية الجمل: «هذا يفيد جواز خدمة المسلم للكافر؛ لأن المتبادر من الإعارة أنه يستخدمه فيما يريده، سواء كان فيه مباشرة لخدمته كصب ماء على يديه، وتقديم نعل له، أو لغير ذلك كإرساله في حوائجه وتقدم في البيع عند الكلام على قول المصنف وشرط العاقد الرشد إلخ أنه تجوز إجارة المسلم للكافر، ويؤمر بإزالة يده عنه بأنه يؤجره لغيره، ولا يمكن من استخدامه، وهو يفيد حرمة خدمة المسلم للكافر، وعليه فقد يفرق بين الإجارة والعارية بأن الإذلال في الإجارة أقوى منه في العارية للزومها فلم يمكن مع بقاء يده عليه في الإجارة، ويجعل تحتها في العارية لاحتمال التخلص منه في كل وقت برجوع المعير لكن يرد على هذا أن في مجرد خدمة المسلم للكافر تعظيما له، وهو حرام، وقد يقال لا يلزم من جواز الإعارة جعله تحت يده، وخدمته له لجواز أن يعيره لمسلم بإذن من المالك أو يستنيب مسلما في استخدامه فيما تعود منفعته عليه فليتأمل ذلك كله، وليراجع، وفي عبارة المحلي ما يصرح بحرمة خدمته
(1)
أسنى المطالب (2/ 324).
(2)
تحفة المحتاج (5/ 418).
(3)
روضة الطالبين (3/ 345).
حيث قال وعلل في المهذب عدم الجواز بأنه لا يجوز أن يخدمه، وقوله: عدم الجواز أي للعارية اهـ. ع ش على م ر، وفي ق ل على الجلال.
واعلم أن الخلاف في الكراهة والحرمة هو بالنسبة للعقد، وأما خدمة المسلم للكافر فحرام مطلقا سواء بعقد أو بغير عقد كما صرحوا بها في باب الجزية اهـ»
(1)
.
وهذه محاولة للجمع بين القولين في مذهب الشافعية، والله أعلم.
القول الثالث:
تصح استعارة العبد المسلم للذمي، وتباع تلك المنفعة على المستعير، وهو قول في مذهب المالكية.
جاء في حاشية العدوي على كافية الطالب الرباني: «فلا تصح إعارة المسلم: أي إعارة الغلام المسلم لخدمة الذمي .... وقيل: بالصحة، وتباع تلك المنفعة على المستعير»
(2)
.
ولم أقف على نص للحنفية، وهل يمكن تخريجه على قولهم في صحة إيصاء الكافر على المسلم، حيث نصوا على صحته، وأن على القاضي أن يخرجه من الوصاية، ويعين بدله وصيًا مسلمًا، ولو تصرف قبل إخراجه منه صح تصرفه، فإن أسلم لم يخرج منها؛ لزوال ما يوجب العزل؛ باعتبار أن الوصاية ولاية، فإذا صحت الولاية صحت الإعارة، ذلك أن الولاية أبلغ من الإعارة، فالإعارة عقد غير لازم بخلاف الولاية، والله أعلم، فإن صح التخريج نقول: تصح
(1)
حاشية الجمل (3/ 456).
(2)
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 274).
الإعارة، ويؤمر بإخراج المنفعة إلى غيره بموافقة المعير؛ لأنه يملك الانتفاع ولا يملك المنفعة، والله أعلم.
جاء في العناية: «ومن أوصى إلى عبد غيره، أو كافر ذمي أو مستأمن أو حربي
…
أخرجهم القاضي عن الوصية ونصب غيرهم، وهذا اللفظ وهو لفظ القدوري، يشير إلى صحة الوصية؛ لأن الإخراج يكون بعد الصحة. وذكر محمد في الصور الثلاث أن الوصية باطلة.
ثم اختلف المشايخ في أنه باطل أصلًا، أو معناه: سيبطل. قال الفقيه أبو الليث: وإليه ذهب القدوري وفخر الإسلام البزدوي وعامة مشايخنا أن معناه سيبطل
…
»
(1)
.
(2)
.
وذهب المالكية في أحد القولين إلى صحة الوصاية إلى الكافر إذا كان قريبًا كالأخ والخال ويجعل معه غيره، ويكون المال بيد المجعول معه بخلاف أباعد القرابة. وقيل: إن مالكًا رجع عنه
(3)
.
(1)
. العناية شرح الهداية (10/ 500).
(2)
. البحر الرائق (8/ 523).
(3)
. منح الجليل (9/ 580)، الذخيرة للقرافي (7/ 158 - 159)، عقد الجواهر الثمينة لابن شاس (3/ 1234).
وجاء في الإنصاف: «ذكر المجد في شرحه: أن القاضي ذكر في تعليقه ما يدل أنه اختار صحة الوصية، نقله الحارثي»
(1)
. والله أعلم.
وقد تكلمت على مسألة إيصاء الكافر على المسلم في عقد الوصية، فلله الحمد، فارجع إليه إن شئت.
° الراجح:
أرى جواز الإعارة في غير الخدمة ونحوها، فإن في الخدمة إذلالًا لا يليق بالمسلم.
* * *
(1)
. الإنصاف للمرداوي (7/ 286).