الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
في شروط الإعارة
الفصل الأول
في شروط المعير
الشرط الأول
أن يكون المعير ممن يصح تبرعه
[م-2098] العارية: تبرع بالمنفعة، فمن صح تبرعه صحت إعارته، ومن لا يصح تبرعه لم تصح الإعارة منه. وبعضهم يعبر عن ذلك بقوله: أن يكون المعير جائز التصرف، والتبرع نوع من التصرف، فمن منع من التصرف فقد منع من التبرع.
قال ابن قدامة: «ولا تصح العارية إلا من جائز التصرف»
(1)
.
ولأن الممنوع من التصرف إما ممنوع منه؛ لأنه غير مأذون له فيه، كإعارة الولي والوصي وناظر الوقف.
أو ممنوع من التصرف لانعدام الأهلية، كتصرف المحجور عليه من صبي وسفيه.
والعقل والبلوغ والحرية هي صفات الأهلية الكاملة للتبرع.
(1)
المغني (5/ 130).
جاء في حاشيتي قليوبي وعميرة: «شرط المعير صحة تبرعه؛ لأن الإعارة تبرع بإباحة المنفعة»
(1)
.
وفي كشاف القناع: «ويعتبر أيضًا كون المعير أهلًا للتبرع شرعًا؛ لأن الإعارة نوع من التبرع؛ لأنها إباحة منفعة»
(2)
.
ولا يوجد خلاف على اعتبار هذا الشرط في الجملة، وإنما الخلاف في بعض الأشخاص هل هو ممن يصح تبرعه، أو لا؟
فالمجنون والصبي غير المميز لا يصح تبرعهما قولًا واحدًا.
قال الكاساني: «لا تصح الإعارة من المجنون والصبي الذي لا يعقل»
(3)
.
ولأن المجنون والصبي الذي لا يعقل محجور عليه، لا تصح تصرفاته في ماله، وعبارته ملغاة. ولا قصد له صحيح، ومن شروط التبرع أن يكون جائز التصرف.
قال ابن قدامة: «ولا تصح العارية إلا من جائز التصرف»
(4)
.
ولأن التبرع ضرر محض، لا يقابله نفع دنيوي، فلا يملكه المجنون، ولا فاقد التمييز.
[م-2099] واختلفوا في الصبي المميز، هل تصح إعارته؟ على قولين:
(1)
حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 19).
(2)
كشاف القناع (4/ 63).
(3)
بدائع الصنائع (6/ 214).
(4)
المغني (5/ 130).
القول الأول:
تصح الإعارة من الصبي المأذون له، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
° وجه القول بالجواز:
(2)
.
ويناقش:
بأن الإعارة تبرع، والولي لا يملك التبرع من مال الصبي فلم يكن داخلًا في الإذن فيها، وقد منعتم القرض من الصبي المميز، ولو كان مأذونًا له فيه؛ وعللتم ذلك بأن الولي لا يملك التبرع.
جاء في بدائع الصنائع وهو يتكلم عن شروط القرض: «وأما الذي يرجع إلى المقرض فهو أهليته للتبرع فلا يملكه من لا يملك التبرع من الأب والوصي والصبي
…
لأن القرض للمال تبرع، ألا ترى أنه لا يقابله عوض للحال، فكان تبرعًا للحال، فلا يجوز إلا ممن يجوز منه التبرع، وهؤلاء ليسوا من أهل التبرع»
(3)
.
وإذا كان كذلك فالعارية من جنس القرض؛ إلا أنه إقراض للمنافع، ولهذا
(1)
الفتاوى الهندية (4/ 363)، بدائع الصنائع (9/ 214)، مجلة الأحكام العدلية، مادة (809).
(2)
بدائع الصنائع (9/ 214).
(3)
المرجع السابق (7/ 394).
سمى النبي صلى الله عليه وسلم القرض منيحة، فقال:(أو منيحة ذهب أو منيحة ورق)، فأطلق على القرض ما يطلق على العارية. وقد سبق تخريجه في عقد القرض عند الكلام على مشروعية القرض.
القول الثاني:
اتفق المالكية والحنابلة والشافعية في أن إعارة الصبي المميز لا تصح وإن كان مأذونًا له، وإن اختلفوا في بيعه إذا كان مأذونًا له بالبيع حيث منعه الشافعية، وصححه المالكية والحنابلة كما سبق بيان ذلك في عقد البيع
(1)
.
جاء في شرح الخرشي: «مالك المنفعة بلا حجر يصح منه الإعارة .... وقوله (بلا حجر شرعي) كالصبي والعبد، ولو مأذونًا له في التجارة؛ لأنه إنما أذن له في التصرف بالأعواض ولم يؤذن له في نحو العارية»
(2)
.
فقوله: (كالصبي) مطلق، فيشمل المميز وغيره، والمأذون له وغيره.
وفي المهذب للشيرازي: «ولا تصح الإعارة إلا من جائز التصرف في المال، فأما من لا يملك التصرف في المال كالصبي والسفيه فلا تصح منه لأنه تصرف في المال، فلا يملكه الصبي والسفيه كالبيع»
(3)
.
وقال ابن قدامة: «فأما الهبة من الصبي لغيره فلا تصح، سواء أذن فيها
(1)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (3/ 433)، شرح الخرشي (6/ 121)، حاشية الصاوي مع الشرح الصغير (3/ 571)، منح الجليل (7/ 49 - 50)، إعانة الطالبين (3/ 128)، المهذب (1/ 363)، المغني (5/ 387)، كشاف القناع (4/ 63)، مطالب أولي النهى (3/ 724).
(2)
شرح الخرشي (6/ 121).
(3)
المهذب (1/ 363).
الولي، أو لم يأذن؛ لأنه محجور عليه لحظ نفسه، فلم يصح تبرعه كالسفيه»
(1)
.
والعارية هبة إلا أنها من هبات المنافع لا الأعيان.
° وجه القول بعدم الجواز:
أن الإذن من الولي إنما هو في التصرف في البيع، امتحانًا لمعرفة رشد الصبي، وهذا يملكه الولي عند المالكية والحنابلة؛ ولأن الولي يملك بيع مال الصبي، فيملك الإذن للصبي فيه، ولا يملك الولي التبرع من مال الصبي، فلا يملك الإذن فيه.
ولأن الإعارة تصرف لا يقابله عوض، فالمحجور عليه ممنوع منه؛ لأنه ضرر محض، ووليه لا يملك التبرع من مال المحجور عليه، ومن لا يملك الشيء لم يملك الإذن فيه.
* * *
(1)
المغني (5/ 387).