الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
زكاة المال الملتقط بعد التعريف
[م-2027] إذا قام واجد اللقطة بالتعريف سنة، فمن قال: إن اللقطة لا تملك كالحنفية فإنه لا زكاة على الواجد مطلقًا؛ لأنه لا سبيل له إلى تملك اللقطة، فهو إن كان غنيًا وجب عليه أحد أمرين: حفظها لصاحبها، أو التصدق بها، وإن كان فقيرًا جاز له أكلها؛ لأنه من أهل الصدقة.
وأما من قال بجواز تملكها، وهم الجمهور، سواء قلنا: تدخل في ملكه تلقائيًا إذا عرفها سنة، أو قلنا: لا يملكها إلا إذا نوى تملكها، أو قلنا: يملكها إذا تلفظ بذلك، أو قلنا: يملكها إذا تصرف فيها، وكلها أقوال في المسألة، وسبق بحث هذه المسألة مع ذكر أدلة كل قول.
فإذا تملك الواجد اللقطة، فهل تجب عليه زكاته، في المسألة قولان:
القول الأول:
تجب عليه الزكاة إذا حال عليها الحول من تملكه لها، وهذا هو مذهب المالكية، والأصح في مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة
(1)
.
قال الدردير: «وضائعة سقطت من ربها ثم وجدها بعد أعوام فتزكى لعام واحد ولو التقطت، ما لم ينو الملتقط تملكها ثم يمر عليها عام من يوم نوى
(1)
الشرح الكبير للدردير (1/ 458)، مواهب الجليل ()، المجموع (5/ 316)، المبدع (2/ 298)، الإنصاف (3/ 24)، الكافي لابن قدامة (1/ 280)، المحرر (1/ 219)، كشاف القناع (2/ 174).
التملك فإنها تجب على الملتقط وتسقط عن ربها»
(1)
.
قال الدسوقي تعليقًا: «إن كان عنده ما يجعل في مقابلتها، وإلا لم تجب عليه»
(2)
.
وجاء في المجموع: «إذا تملكها الملتقط فلا تجب زكاتها على المالك لخروجها عن ملكه .... ثم الملتقط مديون بالقيمة فإن لم يملك غيرها ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله تعالى أن الدين هل يمنع وجوب الزكاة أم لا؟
وإن ملك غيرها شيئًا يفي بالزكاة، فوجهان مشهوران:
الصحيح باتفاق الأصحاب وجوب الزكاة إذا مضى عليه حول من حين ملك اللقطة؛ لأنه ملك مضى عليه حول في يد مالكه.
والثاني: لا تجب لضعفه لتوقع مجئ المالك.
قال أصحابنا: هما مبنيان على أن المالك إذا ظفر باللقطة بعد أن تملكها الملتقط، هل له الرجوع في عينها، أم ليس له إلا القيمة؟
فيه وجهان مشهوران، فإن قلنا: يرجع في عينها فملك الملتقط ضعيف؛ لعدم استقراره فلا زكاة، وإلا وجبت.
أما إذا قلنا لا يملك الملتقط إلا بالتصرف فلم يتصرف كما إذا لم يتملك وقلنا لا يملك إلا به، والله أعلم»
(3)
.
(1)
الشرح الكبير للدردير (1/ 457).
(2)
المرجع السابق.
(3)
المجموع (5/ 316).
وقال في الإنصاف: «إذا ملك الملتقط اللقطة بعد الحول استقبل بها حولًا، وزكاها على الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب
…
»
(1)
.
وقال ابن قدامة: «وإذا حصل الضال في يد الملتقط فهو في حول التعريف على ما ذكرناه، وفيما بعده يملكه الملتقط فزكاته عليه دون ربه.
ويحتمل أن لا تلزمه زكاته، ذكره ابن عقيل؛ لأن ملكه غير مستقر؛ إذ لمالكه انتزاعه منه عند مجيئه، والأول أصح؛ لأن الزكاة تجب في الصداق قبل الدخول، وفي المال الموهوب للابن مع جواز الاسترجاع»
(2)
.
القول الثاني:
لا يلزمه زكاتها، وهذا مذهب الحنفية، وأحد الوجهين في مذهب الشافعية، وقول في مذهب الحنابلة
(3)
.
جاء في المحيط البرهاني نقلًا عن محمد: «رجل له ألف درهم التقط لقطة ألف درهم، وعرفها سنة، ثم تصدق بها، ففي القياس لا زكاة عليه في ألف؛ لأن صاحب اللقطة إن شاء ضمنها إياه، ولكن يستحسن بأن يزكها قال: وبه نأخذ»
(4)
.
(1)
الإنصاف (3/ 24).
(2)
المحيط البرهاني في الفقه النعماني (2/ 308)، المجموع (5/ 316)، الكافي لابن قدامة (1/ 280).
(3)
المغني (2/ 348).
(4)
المحيط البرهاني (2/ 308).
° وجه القول بعدم زكاتها:
اختلفوا في توجيه القول بعدم زكاتها على قولين:
أحدها: أنه إذا تصرف فيها كانت مضمونة عليه بمثلها، أو بقيمتها، فتكون دينًا عليه في الحقيقة. حكاه القاضي أبو يعلى من الحنابلة، وهو مذهب الشافعي.
ويناقش:
بأنه على القول بأن الدين يمنع الزكاة، وفيه خلاف مشهور، فإن الدين إنما يمنع إذا نقص به النصاب.
التوجيه الثاني: اختار ابن عقيل أن عدم الزكاة فيها؛ لأن ملكه لها غير مستقر لاحتمال ظهور صاحبها
(1)
.
° الراجح:
وجوب الزكاة على الملتقط إذا مضى عليها حول كامل من تملكها له، وأما قبل تملكه لها فلا تجب عليه زكاتها، والله أعلم.
* * *
(1)
المغني (2/ 348).