الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
في إشهاد الملتقط على الالتقاط
[م-2066] سبق لنا أن تكلمنا في أحكام اللقطة عن حكم الإشهاد عليها، واللقيط قسم من اللقطة ولذلك كانا متقاربين لفظًا ومعنى، إلا أن اللقيط خص بابن آدم، واللقطة لغيره للتمييز بينهما.
قال ابن رشد: «والخلاف فيه مبني على الاختلاف في الإشهاد على اللقطة»
(1)
.
وقال الغزالي: «وفي وجوب الإشهاد عليه خلاف مرتب على الإشهاد على اللقطة»
(2)
.
والفرق بينهما:
أن لقطة المال يجب تعريفها من أجل تملكها بخلاف لقطة الآدمي، فلا يجب تعريفها؛ لأنها لا تملك.
كما أن الغرض من الإشهاد في لقطة المال حفظ حق المالك فيها خوفًا من التعدي عليها، وأما الغرض من الإشهاد على اللقيط فإنما هو لحفظ نسبه وحريته.
إذا علم ذلك نقول: اختلف العلماء في الإشهاد على اللقيط على قولين:
(1)
بداية المجتهد (2/ 232).
(2)
الوسيط (4/ 303).
القول الأول:
أن ا لإشهاد مستحب، وليس بواجب.
وهو قول في مذهب الشافعية في مقابل الأصح، والصحيح في مذهب الحنابلة
(1)
.
وأما الحنفية فقد نصوا على وجوب الإشهاد على اللقطة، ولم يذكروا الإشهاد على اللقيط
(2)
.
جاء في الإنصاف: «يستحب للملتقط الإشهاد عليه وعلى ما معه على الصحيح من المذهب»
(3)
.
° دليل من قال: يستحب الإشهاد:
الدليل الأول:
لا يوجد دليل من كتاب أو سنة، أو إجماع، أو قول صاحب لا مخالف له يوجب الإشهاد على الالتقاط، وإذا لم يوجد الدليل المقتضي للإيجاب فالأصل براءة الذمة.
(1)
الحاوي الكبير (8/ 37)، روضة الطالبين (5/ 418)، المهذب (1/ 430)، الكافي لابن قدامة (2/ 365)، المغني (6/ 40)، الإنصاف (6/ 433)، المحرر (1/ 373)، المبدع (5/ 293)، كشاف القناع (4/ 226).
(2)
جاء في مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (1/ 707): «أخذ اللقيط مندوب من تركه إن لم يخف هلاكه .... وكذا اللقطة يعني التقاطها مع الإشهاد واجب إن خيف هلاكها
…
».
فهذا النص واضح أن الإشهاد عند الالتقاط جعله خاصًا باللقطة دون اللقيط.
(3)
الإنصاف (6/ 433).
الدليل الثاني:
إذا لم يجب الإشهاد على اللقطة لم يجب الإشهاد على اللقيط، وقد تقدم قول الغزالي وابن رشد بأن الخلاف في وجوب الإشهاد على الالتقاط مرتب على الإشهاد على اللقطة
(1)
.
وإذا كان ذلك كذلك فقد ذكرنا أدلة الجمهور في أن اللقطة لا يجب الإشهاد عليها في أحكام اللقطة، فأغنى ذلك عن إعادتها هنا.
ونوقش هذا:
بأن هناك فارقًا بين اللقيط واللقطة؛ ذلك أن القصد من الإشهاد في اللقطة حفظ المال فلم يجب كالبيع، بخلاف الإشهاد على اللقيط فإن الإشهاد عليه من أجل حفظ حريته عن الاسترقاق وحفظ نسبه، والشارع يحتاط للأنساب ما لا يحتاط لغيرها، ولهذا أوجب الله في النكاح الشهادة والصداق والولي دون عقد البيع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أخذ اللقطة يقضي بوجوب تعريفها، وفي ذلك إشهار لها، وهو أبلغ من الإشهاد عليها، أما اللقيط فلا يجب تعريفه لهذا وجب الإشهاد عليه ليقوم مقام التعريف، والله أعلم.
القول الثاني:
يجب الإشهاد على اللقيط؛ اختاره بعض المالكية، وهو الأصح في مذهب الشافعية، وأحد الوجهين في مذهب الحنابلة
(2)
.
(1)
بداية المجتهد (2/ 232)، الوسيط (4/ 303).
(2)
عقد الجواهر الثمينة (3/ 997)، منح الجليل (8/ 250)، التاج والإكليل (6/ 82)، أسنى المطالب (2/ 496)، تحفة المحتاج (6/ 342)، نهاية المحتاج (5/ 447)، المهذب (1/ 430)، نهاية المطلب (8/ 507)، البيان للعمراني (8/ 14)، الكافي لابن قدامة (2/ 365)، المغني (6/ 40)، الإنصاف (6/ 433).
قال ابن شاس المالكي: «من أخذ لقيطًا فليشهد عليه خوف الاسترقاق»
(1)
.
قال في منح الجليل: «وظاهره وجوب الإشهاد، واستظهره ابن عبد السلام»
(2)
.
وانتقده ابن عرفة حيث قال: لم أعرفه نصًا إلا للغزالي
(3)
.
وقال النووي: «ومن أخذ لقيطًا لزمه الإشهاد عليه على المذهب لئلا يضيع نسبه. وقيل: في وجوبه قولان أو وجهان كاللقطة
…
وإذا أشهد، فليشهد على اللقيط وما معه، نص عليه»
(4)
.
وفي تحفة المحتاج: «ويجب الإشهاد عليه: أي الالتقاط، وإن كان الملتقط مشهور العدالة في الأصح»
(5)
.
° دليل من قال: يجب الإشهاد:
الدليل الأول:
(ح-1249) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا خالد، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أخيه مطرف بن عبد الله بن الشخير،
عن عياض بن حمار، قال: قال رسول الله عليه السلام: من وجد لقطة، فليشهد ذوي عدل،
(1)
عقد الجواهر الثمينة (3/ 997).
(2)
منح الجليل (8/ 250).
(3)
المرجع السابق.
(4)
روضة الطالبين (5/ 418).
(5)
تحفة المحتاج (6/ 342).
وليحفظ عفاصها، ووكاءها، فإن جاء صاحبها، فلا يكتم، وهو أحق بها، وإن لم يجئ صاحبها، فإنه مال الله يؤتيه من يشاء
(1)
.
[صحيح، وسبق تخريجه].
وجه الاستدلال:
إذا وجب الإشهاد على اللقيطة وجب الإشهاد على اللقيط من باب أولى.
الدليل الثاني:
أن المقصود من الإشهاد على اللقيط حفظ النسب والحرية، فاختص بوجوب الشهادة كالنكاح، وفارق اللقطة؛ لأن القصد بالإشهاد حفظ المال فلم يجب الإشهاد فيها كالبيع.
القول الثالث:
ينبغي الإشهاد إلا أن يخاف من نفسه خيانة كأن يدعيه، أو يسترقه فيجب الإشهاد إذا تحقق أو غلب على ظنه وقوع ذلك منه، وهذا مذهب المالكية
(2)
.
وهذا القول في الحقيقة يرجع إلى القول باستحباب الإشهاد؛ لأن وجوبه إذا علم من نفسه الخيانة أو غلب على ظنه لا من أجل الإشهاد، ولكن دفعًا للاعتداء، وسدًا لطرق الحرام؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
(1)
المسند (4/ 161).
(2)
الخرشي (7/ 133)، الشرح الكبير للدردير (4/ 126)، منح الجليل (8/ 250)، جامع الأمهات (ص: 460)، التاج والإكليل (6/ 82).
القول الرابع:
أن الملتقط إن كان ظاهر العدالة لم يلزمه الإشهاد، وإن كان مستورها لزمه، وهذا قول في مذهب الشافعية
(1)
.
° وجه هذا القول:
من كان ظاهر العدالة فإنه أمين، والأمين لا يلزمه الإشهاد، ومن كان مستورها فإنه لا تعلم أمانته، لهذا وجب منه الإشهاد احتياطًا للقيط ولماله، والله أعلم.
° الراجح:
أن الإشهاد مستحب، والخوف من الاسترقاق ليس قائمًا في مثل عصرنا، والله أعلم.
* * *
(1)
روضة الطالبين (5/ 418)، ا لوسيط للغزالي (4/ 303).