الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في اشتراط اللفظ في صيغة الإعارة
[م-2095] اختلف الفقهاء في اشتراط اللفظ في صيغة الإعارة على قولين:
القول الأول:
لا يشترط اللفظ في صيغة الإعارة بل تصح الإعارة بالفعل من الجانبين إذا دلت القرينة على إرادة الإعارة، كما لو رأى رجل شخصًا حافيًا فأعطاه نعلًا، ولبس الحافي النعل، أو رأى أحدًا يريد أن يصلي ففرش له مصلى، وهذا مذهب الجمهور، واختاره المتولي من الشافعية.
جاء في مجلة الأحكام العدلية: «الإعارة تنعقد بالإيجاب والقبول وبالتعاطي»
(1)
.
وجاء في شرح الخرشي: «العارية تنعقد بما يدل عليها من قول أو فعل أو إشارة، وتكفي المعاطاة فيها، فلا يشترط فيها صيغة مخصوصة كالبيع، بل كل ما يدل على تمليك المنفعة بلا عوض»
(2)
.
وجاء في روضة الطالبيين: «قال المتولي: لا يعتبر اللفظ في واحد منهما ـ يعني من المعير أو المستعير ـ حتى لو رآه عاريًا فأعطاه قميصًا فلبسه تمت العارية وكذا لو فرش لضيفه فراشًا أو بساطًا أو مصلى أو ألقى له وسادة فجلس
(1)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (804)، وانظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 338).
(2)
المصباح المنير (ص: 237).
عليها كان ذلك إعارة بخلاف ما لو دخل فجلس على الفرش المبسوطة لأنه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه»
(1)
.
وجاء في كشاف القناع: «وتنعقد الإعارة بكل قول أو فعل يدل عليها
…
كدفعه الدابة لرفيقه عند تعبه، وتغطيته بكسائه إذا رآه برد، لأنها من البر فصحت بمجرد الدفع كدفع الصدقة، ومتى ركب الدابة أو استبقى الكساء عليه كان ذلك قبولًا»
(2)
.
القول الثاني:
ذهب الشافعية في الأصح إلى أنه يشترط اللفظ في الصيغة من الناطق، ويكفي اللفظ من أحدهما والفعل من الآخر.
واختار بعض الحنفية إلى أنه يصح القبول بالتعاطي، ولا يصح الإيجاب به.
جاء في الدر المختار في تعريف الإعارة اصطلاحًا: «تمليك المنافع مجانًا. أفاد بالتمليك لزوم الإيجاب والقبول ولو فعلًا»
(3)
.
قال ابن عابدين تعليقًا في رد المحتار «قوله: (ولو فعلًا) أي كالتعاطي، في القهستاني: وهذا مبالغة على القبول، وأما الإيجاب فلا يصح به»
(4)
.
وجاء في حاشيتي قليوبي وعميرة: «والأصح اشتراط لفظ كأعرتك أو أعرني، ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر كما في إباحة الطعام، ومقابل
(1)
المصباح المنير (ص: 237).
(2)
كشاف القناع (4/ 62).
(3)
حاشية ابن عابدين (5/ 677).
(4)
حاشية ابن عابدين (5/ 677).
الأصح ما ذكره المتولي أنه لا يشترط لفظ حتى لو أعطى عاريا قميصا فلبسه تمت الإعارة»
(1)
.
° دليل الشافعية على اشتراط اللفظ:
الدليل الأول:
أن الانتفاع بمال الغير يعتبر رضاه، والرضا عمل قلبي، لا يعلمه إلا الله، فهو أمر خفي فلا بد من لفظ يدل عليه، ويناط به الحكم، وهذا في جميع التعاملات، سواء كان مما يستقل به الإنسان كالإعارة، والطلاق والعتاق والعفو والإبراء، أو من غيره مما لا يستقل به وحده كالبيع والإجارة والنكاح ونحوها.
الدليل الثاني:
القياس على عقد النكاح، فإنه لا ينعقد إلا باللفظ
(2)
، وقد اتفقوا على اشتراط الصيغ فيه، حتى لا يعلم أنه وجد لأحد من العلماء قول بالمعاطاة البتة، وإنما اختلفوا هل ينعقد بغير لفظ التزويج والنكاح أو لا ينعقد إلا بخصوص لفظهما
(3)
.
وأجيب:
بأن هناك فرقاً بين عقد النكاح والإعارة، فالشهادة في النكاح آكد منها في غيرها، ويشرع الإعلان في النكاح، ولا يشرع في الإعارة، ولأن الأصل في
(1)
حاشيتا قليبوبي وعميرة (3/ 20).
(2)
المجموع (9/ 191).
(3)
انظر أنواع البروق في أنواع الفروق (3/ 145).
العارية الإباحة، والأصل في الفروج التحريم حتى يعقد عليهن بملك أو نكاح إلى غيره من الفروقات
(1)
.
الدليل الثالث:
المعاطاة قد يراد بها الإعارة، وقد يراد بها البيع، وقد يراد بها الهبة، وقد يراد بها الإجارة، وقد يراد بها الرهن، وقد يدعي شخص أنه لم يرد به العقد مطلقاً، وعليه فلا يصلح أن يكون الإعطاء سبباً في التملك لكونه جنساً يشمل أنواعاً مختلفة من العقود، وكل عقد يختلف آثاره عن العقد الآخر، فلا بد للتعامل أن يكون بالقول الدال على تحديد كل عقد بعينه، وإلا أدى ذلك إلى وقوع النزاع بين المتعاقدين، وعدم معرفة الرضا الكامل الذي أناط الله به الجواز.
وأجيب:
إذا احتملت المعاطاة غير الإعارة لم تصح المعاطاة، وإنما الكلام فيما إذا كانت المعاطاة لا تحتمل إلا الإعارة بدلالة قرائن الحال، أو كانت دائرة بين الهبة وبين الإعارة لأن بذل الشيء بدون عوض لا يحتمل إلا الهبة أو الإعارة، فيحمل على أدناهما وهو الإعارة حتى نتيقن أنه أراد الهبة، والله أعلم.
الراجح:
صحة العارية بالقول والفعل، وبكل ما يدل على تمليك الانتفاع بلا عوض، والله أعلم.
* * *
(1)
المرجع السابق، الصفحة نفسها.